الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: السياسة والأدب.. أية علاقة؟

عبد الإلاه حبيبي: السياسة والأدب.. أية علاقة؟ عبد الإلاه حبيبي

السياسة والأدب.. أية علاقة.. أما الفلسفة فهي في عرف البعض من هواتها قطة سوداء في غرفة سوداء...فهل يمكن أن نسير مع هؤلاء إلى المستقبل وهم لا يعرفون البرهان...

 

ليس في ذلك أدنى شك، الذين يمارسون السياسة في غالبيتهم لا يحبون الأدب، إلا القلة النادرة منهم، وهو سلوك مرتبط بمكانة الثقافة والإبداع في اهتمامات الدولة وحكوماتها المتعاقبة...

 

لقد مهد المثقفون الطريق للسياسيين ليصلوا إلى الأفكار الكبرى التي كانت تستقطب البشرية خلال الحرب الباردة، وساهموا في نقل الكثير من المفاهيم والنظريات من لغات أجنبية إلى العربية ومنها إلى الدارجات الوطنية حتى تحولت إلى جزء من القاموس الشعبي العام، وقد أسوق مثالا واحدا بسيطا يؤكد كلامي يتعلق الأمر بمفهوم الكبت الفرويدي... حيث أصبح هذا المفهوم مستعملا من لدن فئات شعبية واسعة ليدل  و بطريقة قدحية على معاني  السب والتشهير والتنقيص من شخص لا يستطيع كبح جماح غرائزه، في حين أن دلالته في النظرية الفرويدية شيء آخر... على أي هذا موضوع آخر...

 

لقد عرفت الساحة الثقافية خلال أزمنة الرصاص انتشارا واسعا للكتابة والإبداع، والحوارات الفكرية، والجدل الفكري حول قضايا تتعلق بالحرية والعقيدة، والمرأة والتقاليد البالية، والسلطة والشرعية، والتاريخ والإيديولوجية، والوعي والاستلاب، والثقافة المتوارثة وثقافة الحداثة الفكرية والسياسة  التي استوطنت خطابات السياسيين وشكلت دعامات مفاهيمية لتقوية كلامهم عبر الرفع من  جودته البلاغية من خلال استعمال هكذا مفاهيم في تجمعات أو لقاءات أو استضافات أو  غيرها من التظاهرات التي يترأسها السياسيون...

 

لكن الزمن تغير، والبوصلة انحرفت، والعقارب اختل عملها، وأصبح الأدب رديف التملق والمحاباة وخدمة أجندات السياسيين في مشهد درامي كان إيذانا باندحار الفكر والمعرفة النظرية والنصوص الإبداعية عموما... ماذا حصل، لا مكان هنا لتوزيع الاتهامات، أو افتراض أسباب مباشرة، بل يمكن القول فقط أن الأحداث أثبتت بالملموس أنه كلما كانت الثقافة العالمة تروم نيل إعجاب السياسة كلما وقعت في شرك الافتتان، وصارت بالتالي تقلد الخطابات السياسية تارة وتستأنف خطابها  الذاتي تارة أخرى حتى نسيت هويتها وضاعت منها ذاتها، وأصبحت كالغراب الذي أعجبته مشية الحمامة وراح يقلدها ولم يفلح ولما أراد أن يستعيد مشيته لم يقو على تذكرها فبقي يقفز في مكانه بدل أن يمشي... لهذا كان التقليد والمحاكاة من بذور موت الثقافات... أو من أسباب الإصابة بالحول في المشي والرؤيا...

 

الأدب ليس همّا رئيسيا لدى السياسيين إلا عند القلة منهم، فما بالك عندما تأتي نخبة متشبعة بالموروث اللاهوتي القرن وسطوي لتعلن في الملأ أن زمن الأدب قد انتهى، ومن ينتج الشعر لا مستقبل له، ومن أراد المستقبل فما عليه إلا أن يبحث عن معارف وتخصصات تتكفل بها مؤسسات عليا خاصة تشرف عليها عواصم عالمية لها علاقة بالتجارة والبزنس وقلة الحياء والحياة... هكذا تم توصيف أصحاب الشعر بالعصاة الذين يملؤون الساحات بالصياح وعرقلة السير والتشويش على حركة تيار ماضوي يكره جيدا التفكير والإبداع لأن عقله صغير ولا مكان فيه للأفكار الكبرى والمعارف النوعية التي غيرت تاريخ البشرية... لهذا تحالف المال والسلف لتكسير ما بقي واقفا من الجهاز العظمي للجسد الثقافي المترنح أصلا ببلادنا... أما عن مكانة الفلسفة وحضورها في وعي السياسيين فهذا موضوع ذو شجون سنعود له في مقالة لاحقة...