الأربعاء 1 مايو 2024
سياسة

محمد المرابط: تصلب المخزن يخدم أجندة جمهوريي وانفصاليي حراك الريف بأوروبا

محمد المرابط: تصلب المخزن يخدم أجندة جمهوريي وانفصاليي حراك الريف بأوروبا

قد لا أحتاج كورياغلي لمعرفة مزاج أهلي في الريف، حتى أقرأ "اكتشاف الريف"، لأوكست مولييراس، أو "أيت ورياغر"، لدايفيد مونتكومري هارت. لكن المسؤولين من غير المشرب الأمازيغي عموما، في حاجة إلى معرفة هذا المزاج، لمهام تواصلهم الوظيفي مع مواطني الريف.

أبدأ بهذا الاستهلال وبظلال معانيه، وأنا أقف على رسالة الدكتور التدموري (المنسق العام لمنتدى حقوق الانسان لشمال المغرب) إلى معتقلي حراك الريف، في أعقاب رفض الجهات الرسمية طلبات لقائه بمعتقلي عكاشة، وكذا رفضها لطلباتهم بلقائه. حيث يظهر من هذه الرسالة ان المسار القضائي سيأخذ منتهاه، وإن الاحكام القضائية قد تضاعف مرات ومرات مجموع تلك التي صدرت 1984.

طبعا، وأنا أتأمل هذه الرسالة، قلت مع نفسي أولا: "يجب الانتباه لحالة اليأس من الحل السياسي لملف الحراك". وباعتباري أنتمي لمدرسة سياسية تعلي من الامل في الغد، بالرغم من كل عوامل الإحباط واليأس، وانتمائي لمرجعية إمارة المؤمنين، وهي تعلي من قيم العفو والصفح والتسامح، وتعتبر الخطأ في العفو، أفضل من الخطأ في العقوبة. فقد ارتأيت عدم الاستسلام، لأخط جملة رسائل:

1- أتمنى على الدكتور التدموري الاستماتة، مع نخبة الريف، من أجل حل سياسي. وحتى إذا ما ناهضت العقلية المخزنية، مطلب عفو الملك، وأصرت على إصدار العقوبة باسمه، فإن مطلب عفو أمير المؤمنين ينتصب تلقائيا، وفاء لمقتضى المرجعية الدينية، كما أشرت آنفا.

2- أتمنى على المخزن أن يعي جيدا عواقب خطواته لإجهاض مطلب العفو العام، قبل إصدار الأحكام، حيث سيفسد على المغاربة لحظة التقاء فرحتهم على العمق الانساني للملك. ومن الناحية السياسية لا يستقيم الامر، إذا لاحظنا دينامية لمناضلين ريفيين ينتمون لليسار الديموقراطي لدعم وإثراء مبادرة التدموري، وفي المقابل نجد جابر الغديوي (يوبا)، من جمهوريي وانفصاليي أوروبا، يشن هجوما شرسا على كل من التدموري  وعلي بلمزيان، منظر "النهج الديموقراطي" بالحسيمة. فهل سنفقه شيئا في السياسة، إذا علمنا أن الوجوه التي يحاربها العدميون، هي نفسها التي يناهضها المخزن؟ أفلا يكون المخزن بهذا المسلك يخدم، من حيث لا يدري أجندة العدميين بالخارج؟

3- إن التضييق على مبادرة التدموري من جهة، وتحريفها من جهة أخرى، سيضر بمصداقية الجبهة الداخلية. وهنا سأشير إلى معطيين اثنين للاعتبار: الاول: إن "الرواية الشفوية" قد هزمت الحملة المخزنية لبوشتى البغدادي على إبقوية، لذلك يستحسن اليوم، تجاوز منطق: ليسمع الناس، "أن كلمة المخزن نافذة في هذه القبيلة أو غيرها". أما المعطى الثاني، فيتمثل في جمع وزير الداخلية عقب أحداث 1984، لأعيان الشمال لتطييب خاطر الملك الراحل من زلة "الأوباش". وقد تدخل إدريس البصري حتى في صيغة ذلك، لكن الشيخ محمد حدو أمزيان، رئيس المجلس العملي وعميد كلية أصول الدين بتطوان، وهو بالمناسبة ابن عم قائد انتفاضة الريف محمد  الحاج سلام أمزيان، وعضو جبهة النهضة الريفية، ولاجىء سياسي بإسبانيا عقب الانتفاضة -رحمة الله على الجميع- رفض ذلك، وفضل تلاوة كلمته التي أعدها للمناسبة بين يدي الجناب الشريف، والتي كان لها الأثر الطيب في النفوس. لكن هذه المبادرة بقيت عديمة الجدوى، حيث لم يستفد معتقلو الأحداث  من العفو إلا بعد مضي عشر سنوات، في إطار التحضير للمرحلة التي أفضت الى التناوب التوافقي.

4- لقد رجحت من خلال مختلف مواقف الملك وخطبه، إرادة الحل السياسي لملف حراك الريف، لكن كنت على وعي ان هناك اتجاهات اخرى ترى في ذلك، ضرورة التشدد في المقابل مع المعتقلين. وهو نفس التوجه الذي يرى عدم الاقتصار في استثمار قضية كاطالونيا، على معركة الوحدة الترايية، بل حتى في الحسم القضائي وبقسوة مع معتقلي الحراك. ويظهر من كل هذا، أن العقلية المخزنية سهلة الاستدراج من طرف استفزازات جمهوريي وانفصاليي الحراك بالخارج. ولعل تصلب المخزن في الداخل سيعقد من نضالية اليسار الديموقراطي بأوروبا، لصالح العدمية.

5- هناك مؤشرات متتابعة تفيد اشتغال عقلية التصلب المخزني على أكثر من مستوى، تتجلى في رفض هيأة المحكمة طلبات متابعة بعض المعتقلين في حالة سراح لاعتبارات إنسانية،، وشغل إدارة السجن المعتقلين بمتاعب المعيش اليومي، و"حرمان" المجلس الوطني لحقوق الانسان، عائلة المعتقلين من حافلة نقلهم لزيارة المعتقلين، بدون لفت انتباه  سابق حول بعض التجاوزات المنسوبة اليهم، والتي لا تبرر وقف تلك الخدمة الإنسانية بتلك الطريقة التي سقط بموجبها هذا "الحرمان" في منطق الابتزاز، وليس الترشيد.

ويبقى الأمل في أن يتحرك عقل الدولة لإنقاذ الموقف. لكن بقدر سعة هذا الأمل، سيدرك معي  المعتقلون السياسيون وعائلاتهم الآن، مقدار أهمية التفاف كل القوى الحية في البلاد، حول حل قضيتهم على أرضية التعاقد السياسي، لمصلحة تكامل الدولة والمجتمع.. ولتصحيح مسار البوصلة، على مزاجنا الجمعي في الريف أن يشتغل ما أمكن بشكل متناغم، ومتحرر من عدمية الخارج، التي تبقى المستفيد الوحيد من تصلب المخزن.

فهل يدرك معي الأستاذ البوشتاوي مقتضى حال الحكمة؟