السبت 20 إبريل 2024
سياسة

اللامنتمون والغرف المهنية.. ضرورة دستورية أم ريع سياسي؟

اللامنتمون والغرف المهنية.. ضرورة دستورية أم ريع سياسي؟
أعطت انتخابات ممثلي الموظفين والمأجورين في القطاعين العام والخاص، التي جرت يوم من 10 إلى 20 يونيو 2021 انطلاقة الاستحقاقات التي سيعرفها المغرب، على امتداد هذا الصيف، على صعيد البنيان التمثيلي، بحثا عن مغرب جديد يتساءل المراقبون إن كان سيسفر عن معادلات سياسية جديدة، أم سيجعلنا محجوزين، ولاية أخرى، في قبضة الديكتاتورية الأصولية.
يتعلق الأمر إذن بثالث محطة انتخابية بعد إقرار دستور 2011. كانت أولاها قد أسفرت عن حكومة عبد الإله بنكيران ومن معه، فيما أسفرت المحطة الثانية عن حكومة سعد الدين العثماني ومن معه، والنتيجة أننا أهدرنا زمن سياسيا ثقيلا على قلب المغاربة وجيبهم، وها هو المغرب اليوم يدخل المحطة الجديدة منهكا بسبب الاختيارات التي أقرتها حكومتا الأصوليين.
من هنا أهمية الاستحقاقات الحالية التي تستمد، لا فقط من كونها تجري وتتواصل تحت أعين المراقبين التي يتساءلون حول أي مغرب جديد سينبثق من هذه الاستحقاقات، ولكن لأنها كذلك ستشكل اختبارا لمدى وعي المغاربة بحاجة البلاد إلى مغرب جديد متحرر من القبضة الأصولية.
للتوضيح نشير إلى أن النتائج كانت قد أشرت على أن انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء كانت قد أسفرت عن نكسة مدوية للاتحاد الوطني للشغل،  نقابة الأصوليين، خاصة في قطاعات التعليم والصحة... ونحن نعرف القيمة الرمزية لمثل هذه القطاعات، فماعدا وزنها الديمغرافي وأثرها في التصويت، هناك أيضا درجات تمثل الوعي بخطورة كل تهديد أصولي. ثم هناك الانتماء السوسيولوجي الذي يعني يقظة جزء هام من الطبقة الوسطى التي كان يراهن عليها الأصوليون، بعد أن ادعوا وضع الكادحين في جيوبهم باسم قفات رمضان، والحديث باسم المرجعية الإسلامية.
بعد ذلك تم الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات مناديب المأجورين في القطاع الخاص، محطة أخرى عمقت نكسة الأصوليين الذي لم يحصلوا في الامتحانين معا على العتبة المطلوبة (6 في المائة)  التي تتيح للنقابات صفة المحاور للسلطة التنفيذية، بما يعني أن الذراع النقابي للخوانجية لم يعد يمثل شيئا، وبأن الشرعية الشعبية التي ظل بنكيران ونسخه المتكررة «يفرعون بها رؤوسنا»عند كل استحقاق لم تعد قائمة.
هذا المؤشر الانتخابي يجعل المغاربة، وعموم المراقبين، يتوسمون خيرا في المستقبل الاستحقاقي.
في سياق التحليل دائما، تؤشر النتائج كذلك إلى أن الناخبين الذين أنزلوا النكسة بإخوان بنكيران والعثماني هم بعدد مليون ونصف نسمة. وهذا العدد وحده كاف ليشكل ركيزة الانتخابات التشريعية القادمة، المنتظرة في شتنبر القادم. وبالتالي فالأمل معقود من طرف المغاربة على أن يمثل انخراط هؤلاء الناخبين في التصويتات القادمة صحوة وازنة تغير المعادلة السياسية القائمة.
في هذا الإطار ينتظر المغاربة الشوط الانتخابي المقبل في 6 غشت، تاريخ إجراء انتخابات الغرف المهنية التي ينتظر من عموم التجار والحرفيين وكل أصحاب المهن.  وقيمة هذا الاستحقاق تتأتى من كون الفائزين هم قطاع مهم في الغرفة الثانية. وإذا ما تحققت يقظة الناخبين يوم 6 غشت، مثل ما تم الأمر  يوم انتخاب أعضاء اللجنة المتساوية الأعضاء ومناديب المأجورين، فمن المحقق أننا سنصير إزاء مغرب آخر يقر بعودة التدافع الانتخابي بين الأحزاب الوطنية النابعة من صلب الاختيارات الوطنية، ما يعني دحر الأحزاب الأصولية التي تستعير اسمها وهويتها وولاءها من دهاقنة الأصولية في الشرق.
لكن، و«الأمور لا تسلم من لكن دائما» كما يقال.
إن نكسة الخوانجية في استحقاق اللجان المتساوية الأعضاء، وفي انتخابات مناديب المأجورين لا ينبغي أن تجعل الديموقراطيين يعتبرون المعركة قد حسمت، لأن النص القانوني له كلمته الخاصة، وهو ما يشكل مؤشرا حاسما قد يؤثر بالسلب على النتائج النهائية لسباق المسافات الطويلة.
إذا عدنا إلى مساءلة المعطيات والأرقام الخاصة بما جرى من استحقاقات، نجد أن القانون لا يسمح بالترشح سوى للمنتمين، والحال أن اللامنتمين هم الذين حصلوا على الأغلبية الكاسحة في القطاعين العام والخاص، وذلك بنسبة 57%، فيما لم يحصل ممثلو النقابات (المنتمون زعما)، بكياناتهم (الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل)، وغيرها الحقيقية والمنفوخة والمزيفة، سوى على 42 في المائة.
هنا تبرز المفارقة الصارخة التي يؤسس لها القانون: لا حق لللامنتمين في الترشح. ومعناه أنهم مقصيون برغم كثافتهم الانتخابية، وإذن من سيرشح؟
الجواب هم المنتمون للأحزاب التي حصلت فقط على 42 في المائة.
المفارقة واضحة حين تقصى الكتلة الراجحة من الترشح، فهل كان المشرع على غفلة، أم على خطأ، أم هو التهييء، من خلال ذلك،  لجيش احتياطي هو لا منتمي اليوم، وقد يصير بقدرة قادر منتميا بمعنى ما، مصطفا لجانب جهة ما؟
بمعنى آخر: هل يتعلق الأمر بترتيب سياسي جديد؟
ما يدفعنا لهذا التساؤل هو الهرولة النظرية التي خاضها بعض أعلام التقنوقراط المرموقين الذين شرعوا في تبخيس الأحزاب، مع أن واجب التحفظ يلزمهم بالتكتم خاصة أنهم مقربون من الدوائر العليا، بل هم مناط ثقة مؤكدة. بل لا يكتفون بذلك حين يعملون على تتفيه أداء الأحزاب دون أن يعلم أحد إن كانوا يتقصدون تكسير البنيان الانتخابي الذي يؤسسه الدستور، والذي رغم إقرارنا بهشاشته، فنحن نراهن على تسوية الاعوجاج بالممارسة، لأننا مؤمنون بأن اللعبة الانتخابية هي جد في جد، وليس ترفا سياسيا أو دستوريا. فهل ستكون لعبة المنتمين واللامنتمين تعديلا في نتائج الاستحقاقات القادمة التي توسمنا فيها الخير بالانقلاب على الأصوليين؟
الصورة غير واضحة بنا يكفي!