الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد لماني: ثلاثة مداخل لقراءة نتائج انتخابات مندوبي الأجراء

سعيد لماني: ثلاثة مداخل لقراءة نتائج انتخابات مندوبي الأجراء سعيد لماني

يستهدف هذا المقال  تحليل  الأرقام الواردة في التقرير الذي نشرته وزارة الشغل تحت عنوان "نتائج انتخابات مندوبي الأجراء بالقطاع الخاص برسم سنة 2021".

كما يدخل هذا المقال في سياق المقالات الثلاثة التي سبق أن نشرتها في العديد من الجرائد الورقية والإلكترونية، والتي حملت تباعا العناوين التالية:

1- عندما تخضع حقوق الشغيلة لتطبيقات حاسوب وزارة الشغل.

2 - بين تطبيق مدونة الشغل و تطبيق حاسوب وزارة الشغل.

3- "مندوبو الأجراء: وداعا".

 

هذه المقالات الثلاثة توقعت بكل تواضع النتائج المتضمنة في تقرير وزارة الشغل، بل إن هذا التقرير أكد صراحة كل المؤاخذات والانتقادات التي استبقت لها تلك المقالات.

 

كيف ذلك؟

 

- أولا، تذكير:

تلزم مدونة الشغل (المادة 430) كل المؤسسات التي تشغل أكثر من 10 أجراء بتنظيم انتخابات مندوبي الأجراء، ويترتب عن مخالفة هذا الواجب عقوبات مالية تصل إلى 30 ألف درهم تضاعف في حالة العود.

لكن المؤسسات الصغيرة التي تشغل أقل من عشرة أجراء غير ملزمة بذلك، بل يمكنها ذلك، بمقتضى اتفاق كتابي(المادة 431)، ولا يعتبر الأمر مخالفة لمدونة الشغل مادامت هذه الأخيرة لم ترتب عنها عقوبات مالية.

وأتذكر أني أمضيت أكثر من ربع قرن مفتشا للشغل، لم ينصب اهتمامنا كمفتشي الشغل نهائيا  ومطلقا بمراقبة مدى احترام المؤسسات التي تشغل أقل من 10 أجراء لانتخابات مندوبي الأجراء. مثل هذه المؤسسات اعتبرنا أن أولويات احترامها لمدونة الشغل هي الحد الأدنى للأجور والانخراط بالضمان الاجتماعي وتشغيل الأطفال ومدة العمل والراحة الأسبوعية والعطل السنوية والصحة والسلامة. لقد كان اهتمامنا الكلي والمطلق في مجال انتخابات مندوبي الأجراء يتجه نحو المؤسسات الكبيرة والمتوسطة، خاصة وعموما المؤسسات التي تشغل أكثر من عشرة أجراء.

وأكاد أجزم بشكل مطلق بأنه منذ أن وضع المشرع أول ظهير يتعلق بمندوبي الأجراء (29 أكتوبر 1962) وما أكدته مدونة الشغل (2004) في نفس الموضوع، أكاد أجزم قطعا بأن كل محاضر المخالفات التي حررها مفتشو الشغل كانت تهم فقط المؤسسات التي تشغل أكثر من 10 أجراء، ولم يحرر نهائيا أي محضر مخالفة -في الموضوع- لمؤسسة تشغل أقل من 10 (أي منذ أكثر من نصف قرن!!!).

 

هذا التذكير لابد منه وله علاقة وثيقة بالأرقام التي وردت بتقرير وزارة الشغل، وما أسمته بالزيادة المهمة في عدد المؤسسات المنظمة لانتخابات مندوبي الأجراء والزيادة المهمة لعدد مندوبي الأجراء وعدد اللامنتمين نقابيا والتنوع في نشاطات المؤسسة (فقد بدا لي أن تقرير الوزارة يقدم بعض الأرقام بنوع من الافتخار)، وضمنيا كأن هذه الزيادات نتيجة لمجهودات الوزارة وحرصها على «التطبيق السليم» لمقتضيات مدونة الشغل.

 

- ثانيا، في قراءة فنجان الأرقام:

تضمن تقرير الوزارة صفحات كلها أرقام ورسومات بيانية ونسب مئوية وألوان متنوعة ومناطق وأعمار ومستويات، حتى أن القارئ العادي لا يبقى في ذهنه شيء أو ربما يمل من قراءة تلك الأرقام والبيانات والرسومات التي أعتبرها من موقعي مقصودة وشجرة تخفي الغابة!!!

 

فلنكشف معا -ببساطة وتبسيط- الغابة التي تخفيها شجرة الأرقام.

 

1- في عدد المؤسسات:

يشير التقرير إلى أن عدد المؤسسات المحصية هي 24414، هذا يعني حسب قانون الشغل أن الأمر يتعلق بالمؤسسات التي تشغل أكثر من 10 أجراء فقط. لأن هذا العدد لو ضمناه أو أضفنا له المؤسسات التي تشغل أقل من 10 أجراء لوصلنا لأكثر من مليون مؤسسة، بما فيها الحوانيت والحلاقة والمقاهي والكاراجات...

وأيضا لأن مفتشي الشغل -في عملية الانتخابات- لا يحصون إلا المؤسسات التي تشغل أكثر من عشرة، ويبدو لي أن رقم 24414 أقل من الواقع وربما راجع لمشكل الموارد البشرية في الوزارة.

يشير التقرير إلى أن المؤسسات التي نظمت الانتخابات هي 19553 مؤسسة معنية، أي أنه لم تنظم انتخابات مندوبي الأجراء في أكثر من 4000 مؤسسة، مما يترتب عنه تحمل وزارة الشغل لمسؤولياتها في تحرير محاضر مخالفات ستدخل لميزانية الدولة ملايين الدراهم (وأكثر في حالة العود)!!!

تقرير الوزارة «يفتخر» بأن عدد المؤسسات التي نظمت انتخابات مندوبي الأجراء زاد ما بين 2015 و2021 بنسبة 62 في المائة، وهي «نظريا» نسبة رائعة ومتقدمة جدا، ويجب أن «نفتخر» أن عدد المؤسسات التي نظمت الانتخابات زادت بنسبة 68 في المائة لكن التقرير يتغافل عن الإشارة إلى أن ضمن هذه المؤسسات: 2990 مؤسسة صغيرة (تشغل أقل من 10 أجراء!!!).

 

2- في عدد مندوبي الأجراء:

يشير التقرير إلى ان عدد مندوبي الأجراء  سنة 2021 بلغ 38763 بزيادة قدرها 49%. مقارنة بسنة 2015 التي كان عدد مندوبي الأجراء هو 25959، ويتوجب علينا أن نتذكر أن هذه السياسة تتضمن 2990 مندوبا “نبتوا من “محلات تعليم السياقة واندية الجيدو والكراطي ومدارس حرة وجمعيات خيرية وكراجات ودكاكين...إلخ..

هدا يبعث على التساؤل كيف أن مثل هذه المؤسسات سابقت الزمن لتعيين مندوبين عن إجرائها ولم تسارع في غالبيتها إلى تسجيل عمالها بالضمان الاجتماعي واحترام الحد الأدنى للأجور وغيرها من المقتضيات… هذا مع التسليم أنها تتوفر فعليا على خمسة إلى تسعة أجراء.

 

المثير أيضا حسب الأرقام الواردة في التقرير أن عدد 2990 مندوب أجراء المؤسسات التي تشغل أقل من عشرة أجراء.

هو أكثر من مندوبي أجراء المقاولات التي تشغل  أكثر من 101 أجير إلى ما فوق!!! حيث لم يبلغ عدد مندوبي الأجراء في المملكة كلها في هذه المؤسسات الكبرى والمتوسطة إلا 2950 مندوبا للأجراء.. دون تعليق لولا فارق أربعين مندوبا.

 

ملاحظة مثيرة أخرى عندما يشير التقرير إلى توزيع المندوبين على عدد الأجراء بالمؤسسة يشير إلى ما هو منصوص عليه في المادة 430، ويبدأ من 10 إلى 25 أجيرا، ثم من 26 إلى 50 أجيرا.. إلخ.

لماذا تغافل هنا التقرير عن المؤسسات التي تشغل أقل من 10 في صفحاته.. ويفضل أن يشير لهم فقط عندما يتحدث مرة أخرى عن عدد مندوبي الأجراء ونسبهم المئوية هي 5 أجراء إلى ما فوق 500.. ثم من خول للوزارة أن تقف عند 5 أجراء، فالمادة 431 من مدونة الشغل تشير فقط إلى أقل من 10 أجراء، بماذا تفسر الوزارة تحديدها لخمسة إلى 9 أجير؟

 

3- في توزيع المؤسسات حسب نشاطها

عدد مندوبي الأجراء في التعليم (10.32) يفوق عدد مندوبي الأجراء في الإيواء والمطاعم (5.54 في المائة). أولا، لماذا استعمل التقرير كلمة إيواء ولم يستعمل الفنادق. ثانيا هل عدد المؤسسات التعليمية الخاصة بالمغرب أكثر من عدد الفنادق والمطاعم والمقاهي والحانات؟ بشارع أو شارعين في مدينة كبيرة (وما أكثرها) يتضمن أنشطة من هذا النوع (فنادق، حانات فنادق) أكثر وأضعاف ما تضمنته المدينة من مدارس حرة… هذا أمر جلي وواضح لكل مواطن وليس فقط لذوي الاختصاص والمهتمين.

كل أوراش البناء الكثيرة في المغرب والمنتشرة في المغرب لم تمثل سوى 8.62 في المائة.. سؤال آخر دون تعليق.

نفس الأمر يتعلق بالفلاحة واستغلال الغابات، والصيد،.. الذي لم يكن نصيبه إلا 6.62 في المائة وعلى سبيل الهزل يبدو أننا لم نعد نتوفر فقط على «معامل سرية»، بل أيضا وأكثر «مدارس سرية». أليس مثيرا للتساؤل أيضا أن أنشطة مثل الصحة والنقل والتخزين وغيرها لم تمثل سوى 3.94 في المائة بينما أنشطة أخرى!!! مثلت 16.67 في المائة. لماذا تفادى التقرير تدقيق هذه الأنشطة الأخرى فنسبة 16.67 في المائة مهمة خصوصا إذا أصفناها على التعليم فستصبح أكثر من الربع!!!؟؟؟

 

4- في المعدل العمري للمندوبين

هناك مفارقة يتوجب الانتباه لها، وهي موجهة للنخبة السياسية والنقابية وتطرح عليها تساؤلات حول مدى مساهمة الشباب في مراكز القيادة والتأطير.

عدد مندوبي الأجراء الذين يتراوح سنهم ما بين 41 سنة إلى 60 سنة 20955 أي 54.06 في المائة. أما إذا أضفنا لهم -حسب تقرير الوزارة- البالغين من العمر ما بين 31 سنة إلى 40 سيصبحون 33784 أي 87.16 في المائة.

ليكتفي الشباب البالغ بين 20 و30 سنة بنسبة 12.67 في المائة أي مامجموعه فقط 4911 مندوبا شابا للأجراء.

يشير التقرير إلى وجود 68 مندوبا للأجراء يفوق عمرهم 60 سنة، وكل أمنيتي أن يكون هؤلاء متوفرين على رخصة وزير الشغل للبقاء في عملهم وفقا للقانون، ولنا أن نتساءل هل موافقة الوزارة لهم ستظل سارية المفعول إلى حين يبلغون 66 سنة وأكثر (أخذا بعين الاعتبار أن مدة انتداب مندوبي الأجراء هي 6 سنوات، وان رخصة تمديد العمل فوق الستين هي سنتين).

بمعنى أن هؤلاء سيظلون -افتراضيا- في مهامهم كمندوبين إلى غاية 2027!؟!

 

5- في إحصائيات الانتماء النقابي للمندوبين:

يشير التقرير إلى أن مجموع الأجراء غير المنتسبين نقابيا يبلغ 57.7 في المائة، أي 22213 بينما ما تبقى فهم منتمون نقابيا.

 

يطرح هذا الأمر مجموعة من التساؤلات:

هل تعكس ظاهرة عدم الانتماء النقابي عزوفا لمندوبي الأجراء عن العمل النقابي؟

هل فعلا تعكس هذه النسبة المئوية وعيا متقدما في المواطنة تدفع البعض أن يعي دوره كمندوب ويقدم ترشيحه للدفاع عن حقوق الشغيلة وينجح بأعلى نسبة دون أن يكون من أولوياته الانتماء لنقابة ما؟

هل نتوفر فعلا على مقاولات مواطنة ؟بلغت فيها علاقات الشغل الجماعية بين المشغلين والأجراء، مستوى متقدما من الرقي لقبول مبدأ التمثيلية والانتخاب وتقنيات الحوار والتفاوض وقبول الآخر، وقبول الاختلاف...؟

 

من ناحية أخرى يشير التقرير إلى ارتفاع في نسبة مندوبي الأجراء المنقبين (المنتمون نقابيا) بنسبة 48 في المائة. بحيث انتقل عدد مندوبي الأجراء المنقبين من 11131 سنة 2015 إلى 16550 سنة 2021.

وهذه مفارقة هي الأخرى تتضمن غموضا ولبسا إذ كيف نشير إلى تقدم عدد النقابيين (وهذا يعني توسعة في الهامش الديمقراطي) والصحافة الوطنية والجمعيات الحقوقية، والمنظمات النقابية طوال السنوات الماضية تشتكي من محاربة العمل النقابي وطرد بالجملة للمكاتب النقابية وتضييق على الحقوق والحريات النقابية وتراجع حقوقي بالبلد..

أم أن الأمر مرتبط بإنزال مكثف «للنقابيين» بلغ عدده كما أشرنا سابقا إلى 2990 مندوبا عن المؤسسات التي يقل عددها عن عشرة أجراء وهي ممارسة لجأت إليها مع الأسف مجموعة من النقابات (ملاحظة: مجموعة من موظفي وزارة الشغل أكدوا أن من يحمل للمفتشية لوائح هؤلاء المندوبين هم ممثلون لنقابات!!!).

 

- ثالثا: الفقيه للي تنسناو براكتو ياربي ميدخلش  للجامع بلغتو..

في تاريخ الحركة النقابية في العالم وفي بلدنا لعبت النقابات -كمؤسسات- دورا مهما في توسيع الحقوق الاجتماعية والدفاع عن حقوق الأجراء وتحسين ظروف الشغل، هذا لا ينكره إلا جاحد. لكن النقابات أيضا تتكون من بشر وللبعض من البشر انتماءات وحسابات سياسية ولهم مزاياهم وأخطاؤهم (البعض) لكن لمؤسسة مندوبي الأجراء حرمتها واختصاصاتها وأدوارها التي حددتها مدونة الشغل، وكثير من مندوبي الأجراء فقدوا شغلهم أو الحق في الترقية أو... في سبيل الدفاع عن الحقوق والمكتسبات.. وكانوا في الغالب يشكلون شريكا اجتماعيا مع المشغلين وقوة اقتراحية همها الأساسي تحسين شروط الشغل وعقد بروتوكولات اتفاق أو اتفاقيات شغل جماعية..كان همهم الأساسي الحفاظ على الحقوق والمكتسبات داخل المقاولات، ولعب دور أساسي في السلم الاجتماعي داخل المقاولات.

 

رجاء كل الرجاء.. لا تجعلوا من مؤسسة مندوبي الأجراء مطية للوصول لمقاعد الغرفة الثانية.. رجاء ساعدوا الأجراء والمقاولات على الاهتمام فقط بتطوير القدرة التنافسية والجودة وظروف الشغل...

ليس هناك ما يبرر هذا الإنزال من أجل أهداف سياسية نقابية انتخابية في هذه الدنيا العابرة...

الأجراء أهم، المقاولة أهم، الوطن أهم.. المواطنون جميعا في انتظار بركتهم فلا تلبسوا لبلغة...

 

- سعيد لماني، مستشار في قانون الشغل والعلاقات المهنية