في جلسة برلمانية مثيرة، أطلق النائب عبد الله بوانو تصريحًا ناريًا عن وجود وزير يملك استثمارات في قطاع الأدوية. الجدل كان فوريًا، لكن ما وراء الضجيج يكشف أزمة أعمق: انحطاط السياسة المغربية.
كما وصف الكاتب الأمريكي روس دوذات في كتابه 'المجتمع المنحط'، المجتمعات التي بلغت ذروة نجاحها تدخل مرحلة ركود ناعم. اليوم، يمكننا رؤية الأحزاب المغربية تعيش حالة من الجمود: نفس الوجوه، نفس الخطابات، ونفس الأزمات تُدار بمنطق التوازن لا الحل.
خرجة بوانو إذن ليست مجرد تصريح عابر، بل مرآة لانفصال الفعل السياسي عن المجتمع. والسؤال يبقى: هل دخلت الحياة الحزبية المغربية زمن الانحطاط؟
أحزاب بلا مشروع… بلا خيال
الأحزاب المغربية، في كثير من الأحيان، لم تعد مختبرًا للأفكار أو مدرسة لتكوين النخب. أصبحت آلات انتخابية تشتغل فقط في موسم الاقتراع، وتغيب عن الشأن العام في بقية الأيام.
الأحزاب المغربية، في كثير من الأحيان، لم تعد مختبرًا للأفكار أو مدرسة لتكوين النخب. أصبحت آلات انتخابية تشتغل فقط في موسم الاقتراع، وتغيب عن الشأن العام في بقية الأيام.
الخطابات متكررة، الوجوه مستهلكة، والبرامج لا تثير حماسة حتى داخل الحزب نفسه. تمامًا كما وصف دوذات، هذه الثقافة تستهلك نفسها بدل أن تنتج الجديد. الأحزاب تعيد تدوير الشعارات نفسها، وتكرر التحالفات، وتستنسخ الأزمات القديمة.
من التناوب إلى التواطؤ
السياسة المغربية كانت في الماضي مسرحًا لصراع الأفكار. اليوم، المشهد أصبح توافقًا مريحًا: المناصب تتقاسمها الأحزاب، والأدوار تُتبادل، لكن الأسئلة الجوهرية حول النموذج التنموي أو العدالة الاجتماعية أو معنى الديمقراطية لا تُطرح.
السياسة المغربية كانت في الماضي مسرحًا لصراع الأفكار. اليوم، المشهد أصبح توافقًا مريحًا: المناصب تتقاسمها الأحزاب، والأدوار تُتبادل، لكن الأسئلة الجوهرية حول النموذج التنموي أو العدالة الاجتماعية أو معنى الديمقراطية لا تُطرح.
هذا ما يسميه دوذات بـ'الركود السياسي': النخب تتوقف عن الحلم أو المخاطرة، وتكتفي بإدارة الوضع القائم، حتى لو كان فاسدًا أو عقيمًا.
أزمة تمثيلية أم أزمة وجود؟
تراجع ثقة المواطن في الأحزاب ليس مشكلة الناخب، بل في العرض السياسي نفسه. الأحزاب فقدت صلتها بالمجتمع، وأصبحت تعيش في فقاعتها الخاصة، معتقدة أنها في ذروة قوتها، بينما تتآكل من الداخل.
تراجع ثقة المواطن في الأحزاب ليس مشكلة الناخب، بل في العرض السياسي نفسه. الأحزاب فقدت صلتها بالمجتمع، وأصبحت تعيش في فقاعتها الخاصة، معتقدة أنها في ذروة قوتها، بينما تتآكل من الداخل.
تصريح بوانو: صرخة أم مناورة؟
تصريح بوانو يسلط الضوء على مأزق السياسة المغربية: إما الاتهام المجاني، أو الصمت عن الفساد المحتمل. في كلا الحالتين، تغيب آليات المحاسبة الجادة، ويُستبدل النقاش العمومي بالضجيج اللحظي.
يمكن النظر إلى تصريح بوانو كدعوة لإعادة النظر في كيفية إدارة الأحزاب للقضايا الحساسة، بعيدًا عن المناورات اللحظية.
هل من أمل؟
دوذات لا يدعو للثورة، بل لإحياء الحيوية الثقافية والسياسية. المغرب يحتاج اليوم أحزابًا تجدد نخبها، تخاطب الشباب بلغة المستقبل، وتعيد الاعتبار للفعل السياسي كأداة للتغيير، لا كوسيلة للتموقع.
دوذات لا يدعو للثورة، بل لإحياء الحيوية الثقافية والسياسية. المغرب يحتاج اليوم أحزابًا تجدد نخبها، تخاطب الشباب بلغة المستقبل، وتعيد الاعتبار للفعل السياسي كأداة للتغيير، لا كوسيلة للتموقع.
في الختام: الانحطاط ليس قدرًا
الانحطاط ليس نهاية الطريق، لكنه جرس إنذار. الأحزاب، مثل المجتمعات، إما أن تجدد نفسها أو تتحول لهياكل خاوية. المغرب، الذي يزخر بالكفاءات والطموحات، يستحق حياة سياسية تتجاوز الأنقاض القديمة، وتوازي طموحات شعبه.