الخميس 2 مايو 2024
سياسة

زين الدين: الخطب الملكية ملزمة للجميع سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة

زين الدين: الخطب الملكية ملزمة للجميع سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة

الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة، أثار من جديد ضرورة إصلاح الإدارة بكل مستوياتها لمعالجة الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، وتقويم الإختلالات. وارتباطا بذلك توصل موقع "أنفاس بريس" من الدكتور الحبيب أستاتي زين الدين، باحث في العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، بالورقة التحليلية التالية:

"يسجل العديد من المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب عموما، وللخطب الملكية على وجه التحديد، انتظامية واستمرارية حرص الملك محمد السادس على ممارسة صلاحياته عبر الوثيقة الدستورية وآلية الخطاب لإدارة السلطة وتدبير زمن الإصلاح ومختلف الوسائل والإمكانات التي يقتضيها، لا سيما أن الخطاب السياسي بنية لها قواعدها وعوالمها الخاصة، تجعله مختلفا عن باقي الخطابات.

إنه شكل من أشكال خطابات التأثير على سلوك "الآخر"؛ بهدف حمله على فعل شيء أو الإمتناع عنه. والدارسون للنص الدستوري يدركون جيدا أن الخطب الملكية سواء كانت موجهة إلى الأمة، أو بصفة غير مباشرة إلى ممثليها في مجلسي البرلمان يكون مضمونها ملزما للجميع، مما يعطيها حصانة مطلقة من أي رقابة كيفما كانت نوعيتها أو درجتها سياسية كانت أم قضائية.  فالدساتير المغربية الستة جميعها واضحة في هذا المجال، وإن اختلفت الفصول نسبيا من حيث عباراتها، حيث نقرأ في الفصل 28 من دستور 1962 أن: "للملك أن يخاطب البرلمان والأمة، ولا يمكن أن يكون مضــمون ما يخاطبهما به موضــــع نقاش من طــــرف البرلمان"، ونـــص نفـــس الفصــــل من دساتيـر 1970 و 1972 و1992 على ما أن "للملك أن يخاطب مجلس النواب والأمة، ولا يمكن أن يكون مضمون خطابه موضع أي نقاش"؛ وبالنظر إلى كون دستور 1996 تبنى نظام ثنائية التمثيل البرلماني أو الثنائية البرلمانية، فقد نص نفس الفصل على أن: "للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش"؛ وقد احتفظ دستور يوليوز 2011 بنفس العبارات، لكن اختلف من حيث ترتيب الفصل الذي انتقل من 28 إلى 52 .

هذه المكانة الدستورية تجعل الخطاب السياسي "الرسمي" متميزا في مضمونه وطريقة إلقائه، لا سيما أنه يبث من مقام اجتماعي يمثل أعلى سلطة في البلاد. وهذا المقام يتحكم في مدى نصيبه من لغة "المؤسسة" واستخدام الكلام الرسمي المشروع، كما أن لهذا الخطاب الرسمي طقوسه الخاصة به، وهي مجموع القواعد التي تؤطر شكل المظهر العمومي للسلطة ومراسيم الاحتفالات و"البروتوكولات"؛ وهي من بين الأدوات التي تعطي للخطاب الرسمي المشروعية والقوة وتؤمّن له النفوذ، وذلك وفق شروط اجتماعية لإنتاج وإعادة إنتاج "ثقافة" سياسية سائدة ومهيمنة بلسان مشروع والعمل على الاعتراف به داخل كل الطبقات الاجتماعية.

هذا الأمر يفسر، إلى حد ما، قيمة الخطاب الملكي القانونية والدستورية ومكانته في الحياة السياسية المغربية، خصوصا أن المؤسسة الملكية تصرف وظيفتها الإصلاحية من داخل الخطاب الذي تنتجه حول نفسها؛ وتبقى هذه الوظيفة بالمعنى العام إحدى مبررات حضورها السياسي الطاغي.ولنا في الخطاب الأخير- بمناسبة ترؤس الملك لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة- ما يبرهن عن هذه الفاعلية والحضور، من خلاله إثارته من جديد لضرورة إصلاح الإدارة بكل مستوياتها لمعالجة الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، وتقويم الاختلالات.غير أن اللافت للانتباه هو ما تميز به هذا الخطاب من الحرص الشديد على:

  • المتابعة في إطار الاستمرارية والتكامل القائم بين الخطب والأنشطة الملكية، حيث ربط هذه الدورة بخطاب العرش الأخير الذي انتقد فيه المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، والتي ترتبط بضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. بيد أن الجديد هو تأكيده على أن الملك، بصفته الضامن لدولة القانون، والساهر على احترامه، وأول من يطبقه، لا يقوم بالنقد من أجل النقد، ثم يترك الأمور على حالها، بل يؤسس لمقاربة ناجعة، ولمسيرة من نوع جديد من أجل المضي قدما في عملية الإصلاح، وإعطاء العبرة لكل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.
  • الصرامة والواقعية المرتكزة على ربط المسؤولية بالمحاسبة تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، بهدف القطع مع التهاون والتلاعب بمصالح المواطنين، على أساس التنفيذ الجيد للمشاريع التنموية المبرمجة، التي تم إطلاقها، ثم إيجاد حلول عملية وقابلة للتطبيق، للمشاكل الحقيقية، وللمطالب المعقولة، والتطلعات المشروعة للمواطنين، في التنمية والتعليم والصحة والشغل وغيرها، دون تضييع مزيد من الجهد والمال في القيام بتشخيصات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ إن المشاكل معروفة، والأولويات واضحة، والمغاربة لا يحتاجون إلى المزيد من التشخيصات. بل هناك تضخم في هذا المجال.لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لمبدإ المحاسبة؛ فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة. وإذا كان الملك قد تحدث في خطاب العرش عن كون المغرب يعيش مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب، فهو يوجه، اليوم، المجلس الأعلى للحسابات، للقيام بمهامه في تتبع وتقييم المشاريع العمومية، بمختلف جهات المملكة، لا سيما أن الدينامية الاحتجاجية، التي تعرفها العديد من المناطق الحضرية وشبه الحضرية والقروية، تكشف، مع الأسف، عن انعدام غير مسبوق لروح المسؤولية. فعوض أن يقوم كل طرف بواجبه الوطني والمهني، ويسود التعاون وتضافر الجهود، لحل مشاكل الساكنة، ينزلق الوضع بين مختلف الفاعلين، إلى تقاذف المسؤولية، وتحضر المصالح الشخصية والحسابات السياسية الضيقة، ويغيب الوطن، وتضيع مصالح المنتظرين لتحسين حاله، والطامحين إلى العيش بأمن وكرامة في كنفه.
  • التطلع إلى المستقبل والدعوة إلى التحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي، قصد الانكباب على القضايا والمشاكل، التي تشغل المغاربة، والمساهمة في نشر الوعي بضرورة تغيير العقليات التي تقف حاجزا أمام تحقيق التقدم الشامل الذي نطمح إليه. وهي مسألة تندرج في إطار الإعداد الفعلي لنموذج تنموي جديد، يثمن المجهودات المبذولة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويتجاوز في نفس الوقت المشاكل والثغرات التي عرفتها، لتحقيق النهضة المنشودة، وإعادة الاعتبار بشكل خاص لفئة الشباب من خلال بلورة سياسة جديدة مندمجة تهمهم، تقوم بالأساس على التكوين والتشغيل، وقادرة على إيجاد حلول واقعية لمشاكلهم الحقيقية، وخاصة في المناطق القروية والأحياء الهامشية والفقيرة.".