السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد لزرق: الموسم الانتخابي بات سوقا لسماسرة التزكيات وإنعاش الفساد

رشيد لزرق: الموسم الانتخابي بات سوقا لسماسرة التزكيات وإنعاش الفساد رشيد لزرق

لعل دعوة العديد من قيادات الاحزاب الى وقف متابعة الفاسدين والفاسدات قبيل الانتخابات، هو تمهيد لاستقطاب الفاسدين والفاسدات، فما نعيشه اليوم هو سوق التزكيات في إطار موسم انتخابي. أحزاب تتنافس على سماسرة الانتخابات في إطار منح التزكيات بدون مرجعية بوصفها غنيمة، بات جليا منطق أحزاب الأفراد في تدبير التزكيات عوض أن تدبره مؤسسات الحزب، بات يدبر من منزل الفرد الذي يتحكم في الحزب، حيث يتم تغييب كل المعايير المنصوص عليها في قانون الأحزاب؛ وتصبح لجنة الترشيحات لجنة صورية أمام تحكم الفرد في اللجان المحددة للترشح في الانتخابات!؟

 

كلنا علمنا كيف خرجت أصوات قيادات حزبية تتهم قيادتها ببيع التزكيات دون أن يتبع ذلك تحقيق قضائي. مما يعطي انطباعا مفاده كل شيء في المنظومة الحزبية قابل للتغيير، جاء دستور جديد لكن تعاطت معه القيادات الحزبية بعقلية قديمة، عوض رفع النقاش والدخول زمن المأسسة وما تقتضيه من فسح المجال للكفاءات وإبعاد المفسدين.

 

الصراع اشتد إذن حول الاستقطاب وبات سماسرة الانتخابات درجات،.. الدرجات الأولى تذهب للأحزاب الأولى التي يمكن أن تنافس على المراتب الاولى، والسماسرة الآخرون يذهبون للأحزاب التي يمكن أن تكون في الحكومة. وكل شيء حاضر في سوق استمالة الأعيان بعيدا عن مبادئ الديمقراطية المنصوص عليها في قانون الأحزاب.

 

وينبغي الاعتراف أن قيادات الأحزاب ماهرة في تحويل القيم الدستورية إلى ربح شخصي؛ وعندما تنص على التشبيب تتجه إلى ترشيح الأبناء وترسخ العائلوقراطية في ضرب لمبادئ الديمقراطية التي تنص على ضرورة التغيير؛ والتغيير لا يكون إلا من خلال نفس العائلة حيث يتجه الأب إلى توريث الدائرة الانتخابية للابن، ونفس الشيء عند الحديث عن المرأة، يقدم ابنته كفاءة وإن كانت لا تملك من الكفاءة سوى صورة إعلامية منفوخ فيها، وبالمناسبة فقد أدت عملية تنظيم الانتخابات الخاصة بمجلس النواب والمجالس الترابية في يوم واحد إلى استقطاب سماسرة الانتخابات ليضمنوا وصول الابن والأب.. وبالتالي ففي الانتخابات القادمة ينتظر أن يشكل تمثيل العائلات الانتخابية نسبة لافتة عوض تمثيل الكفاءات، وهو ما سيضرب في الصميم أسس التغيير.

 

وبرغم تنصيص القانون الأساسي على طريقة اختيار المرشحين عبر لجان مختصة، بشكل يلزم الأحزاب بتسطير ذلك في قانونها الأساسي، الذي يحيل على التفاصيل ضمن النظام الداخلي، غير أن الملاحظ أن الفرد المتحكم في الحزب هو الذي يعود له الفصل في اختيار مرشحي الانتخابات كما تعدو الأجهزة أو اللجان مجرد آليات صورية؛ في ظل حرب التزكيات باتت دعوات سياسية بضرورة وقف متابعات المتورطات والمتورطين في اختلالات تدبيرية، وبالتالي باتت المنظومة الحزبية عوض محاربة الفساد اصبحت تتعايش مع الفاسدين والفاسدات، ولم يعد الحديث عن مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وكيفية تنزيل ممارسة عملية كفيلة بإسقاط الفساد، لكون مصدر الفساد في الأصل سياسي داخل البنية الحزبية.

 

فالأحزاب دأبت في جميع حملاتها الانتخابية رفع الشعار المتكرر، وهو محاسبة المفسدين ومواجهة ظاهرة “سرطان الفساد”، في نفس الوقت، يرى الجميع وجود حماية سياسيه لفاسدين من طرف قيادات حزبية، وتنظيمات يقال إنها حقوقية، حيث تتميز بغياب مبادئ وممارسات الشفافية داخل هياكلها، مع ضعف نظم وأدوات المساءلة والعقاب، مما يسهل التلاعب بالقوانين، حتى ولو كانت مثالية في منطوقاتها، وتتداخل بصور غامضة وانتهازية لصلاحيات وحدود السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، مع منع الإعلام المجتمعى من الاقتراب من ساحة الفساد والمستفيدين منه. لأن هناك ارتباطا وثيقا بين ظاهرة الفساد والمنظومة السياسية التي جعلت من الفساد فزاعة موجهة للاستهلاك الإعلامي!! وطريقة التزكيات تجسد بداية للفساد، بحيث لا يمكن بتزكية الفاسدين ان نؤسس لمحاربة الفساد، إذ أن قيادات الأحزاب لا يحركها سوى العائد الانتخابي، وفي تناقض تام مع الوعود التي تطلقها قيادات حزبية بشأن استعدادها لمحاربة الفساد والمفسدين، لا يوجد لها أثر على أرض الواقع وفي أذهان المواطنين، لأن الفساد قد نما وترعرع على يد المتحزبين الملطخة بكل قذارات الفساد!

 

ولابد من حراك داخل المنظومة الحزبية بغاية خلخلة بنيتها كشرط وجودي تطبيقا للمثل القائل بأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه، مؤكدا على وجود ارتباط بين تنامى الفساد ومرحلة الشعبوية التي تعلي من التنافس المجنون بدون مدلول سياسي، حيث لا يمكن إلا أن تؤدى إلى ممارسة الفساد، كأحد أسلحة التنافس. وإن منح التزكيات جعل المنظومة الحزبية لها ارتباط متبادل يجعل المجموعات المتحالفة، سواء كانت مالية أو عائلية أو سياسية، بمثابة قبائل نافذة. كما ينطبق الأمر على الثقافة المجتمعية السائدة في الأوساط الفقيرة والمتوسطة، التي لا تتردد هي أيضا في ممارسة الفساد، عبر الرشوة الانتخابية الصغيرة، للحصول على منافع أو لتحقيق رغبات، للحصول على حصانة سياسية. الأمر الذي شجع انتشار الرشوة والفساد داخل المؤسسات الادارية و انتج الخصائص المتمثلة بغياب النجاعة والتباطؤ المتعمد في حلحلة الملفات وغياب الشفافية، والعلاقات الشخصية والمحسوبية. كما يشتغل الفساد كأداة للابتزاز. فالمنتخبون الفاسدون الذين تكون لديهم ملفات فساد، عادة ما يرجع لقيادات حزبهم لحمايتهم من المتابعة القضائية. مما جعل العائق في مواجهة الفساد الذي هو ابشع أنواع الاستبداد .بحيث لم تقدر حكومة من الحكومات المتعاقبة على مواجهة الفساد بشكل جدي، على الرغم من وجود هيئة دستورية لمحاربة للفساد، ومحاولات المجتمع المدني فضح الفاسدين. إلا أن الغطاء السياسي للفساد متين ومتنوع: أغلب الأحزاب المؤثرة في المشهد السياسي تعتمد على ''الأموال الفاسدة'' لتمويل حملاتها الانتخابية ولشراء الأصوات، وهي أموال مصدرها يكون في غالب الأحيان من منتخبين لهم خروقات تدبيرية ورجال أعمال مستفيدين من التهرب الضريبي ومن الاقتصاد الغير مهيكل.

 

إن هؤلاء يصلون للبرلمان والمجالس الترابية، ليس لأنهم لهم حاضنة شعبية أو برامجهم الانتخابية، بل بفضل تأثير ترشيحهم من طرف قيادات الأحزاب وكلاء لوائح وباتت الانتخابات لا تمنع الفساد، بل بالعكس من ذلك، فالفساد صار يستفيد من الديموقراطية.

 

ومع هذا الواقع يصعب صياغة عقد اجتماعي جديد، دون رجة حزبية تكون بتفعيل صارم للقانون والقطع مع سياسة التسامح والتصالح مع الفساد، فشعور الفئات الضعيفة أن ثمة من يثري على حسابها يقوي لديها الإحساس بالضيم و يفقدها الثقة بالمؤسسات.

 

وأعتقد أنه ينبغي إذن مواجهة دعوات وقف المتابعات، لكون في ذلك تساهل مع الفاسدين وتقع مسؤولية كبرى على الأحزاب والنقابات والنخب الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة؛ ولتقرع أجراس الخطر حول هذه الحقيقة المهمة، ومهمة النخبة الأن الجامعية تكمن في العمل على رفع مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين وتوضيح نتائج الفساد على المدى الطويل بما يحقق ديمقراطية فعالة تساهم في محاسبة الفاسدين وتجريمهم، بدلاً من تزكيتهم وانتخابهم.