الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

البدالي: حول ظاهرة التبضع في أسواق الخردة السياسية

البدالي: حول ظاهرة التبضع في أسواق الخردة السياسية صافي الدين البدالي
ما من مرحلة من مراحل الزمن السياسي، وخاصة في الانتخابات أو الاستفتاءات الشعبية، إلا ولها مظاهرها تجدها تطفو على الساحة، وتكون بعض الأحيان هذه المظاهر غريبة عن الجسم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي للمجتمع. لقد عشنا في بلدنا في انتخابات الستينيات والسبعينيات ظاهرة الحاضر يصوت مكان الغائب في الاستفتاءات أو الانتخابات؛ حتى وإن كان ذلك الغائب ميتا أو مختلا عقليا. والقاصر يصوت مكان البالغ إن كان هذا الأخير غير موجود والرجل يصوت مكان زوجته حتى لا يراها أعضاء مكتب التصويت، ورغم كل ذلك يتم الإعلان بأن المشاركة كانت بنسبة 99 , 99% ويسارع أشباح السياسة إلى قراءة النتائج بأنها عنوان الديمقراطية المغربية. وعشنا في الثمانينيات ظاهرة بدل صندوق بصندوق أي تتم عملية سحب صندوق الاقتراع، ووضع مكانه صندوق يضمن نجاح المرغوب فيه، وتتم العملية بشكل غريب بعد إغلاق مكاتب التصويت وهو ما تسميه العامة بالسماوي أو برق ما تقشع، وهي مظاهر كان بطلها النظام المخزني كي يضمن فوز نخبة مخزنية للتحكم في البرلمان وفي الغرفة الثانية والغرف المهنية وفي المجالس الجماعية والإقليمية.
وفي زمننا هذا صارت بعض الأحزاب تقوم مقام النظام المخزني في تعطيل البناء الديمقراطي، لكن بصيغة أكثر غرابة، إنها ظاهرة التبضع السياسي، وهي ظاهرة جديدة لم يسبق للمغاربة أن عاشوها. حيث ترى الزعيم الحزبي يطوف في البلاد بحثا عمن هو أكثر مالا واستغلالا للناس أو للعمال، أو من هو من الإقطاعيين الجدد الذين راكموا ثروات جمة عن طريق الريع والاستيلاء على أراضي الغير ليكون وكيلا للائحة العامة أو اللائحة المحلية أو الجهوية حتى وإن كان من الأميين أو من ذوي السوابق. ويختار الزعيم من بين الذين يتهافتون على المناصب وعلى المقاعد والمكاسب من هو انسب من حيث ماله، ولا تعنيه كفاءته أو نزاهته في شيء، أو استقامته وقد يكون من بين هؤلاء من هو متابع قضائيا بتهمة الفساد ونهب المال العام أو الرشوة أو التزوير، فالزعيم سيضغط على القضاء حتى تتعلق المتابعات القضائية إلى ما بعد الانتخابات. فالزعيم يراهن على قدرة فوز الباحث عن التزكية لحنكته في الاغتناء غير المشروع ونفوذه المالي أو الإداري، وهكذا أصبحت الاستعدادات الانتخابية في بلادنا عبارة عن أسواق المتلاشيات السياسية تجد فيها من طرده الزعيم من صفوف حزبه أو باحث عن تزكية بأي تمن أو من انتهت صلاحيته السياسية، وهي تستقبل أصحاب الخردة السياسية من بائع ومن مشتري. لأن الكفاءات الوطنية والشباب الواعد لا يوجدون في هذه الأسواق، ولأنهم ينأون بأنفسهم حتى لا تتلطخ أيديهم بأوساخ الفساد والردة السياسية، ولا يبحثون عن منافذ الانتهازية أو الوصولية إلا قليلا منهم الذين يرضون بان يكونوا بضاعة في أسواق المتلاشيات السياسية. إن هذه المظاهر هي بمثابة إعلان واضح عن انهيار الأخلاق السياسية والقيم الإنسانية وعن إفلاس المنظومة السياسية بشكل عام.
 
البدالي صافي الدين، فاعل سياسي وحقوقي