الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد اللطيف قيلش: الانتخابات الجهوية الفرنسية وسؤال العزوف

عبد اللطيف قيلش: الانتخابات الجهوية الفرنسية وسؤال العزوف عبد اللطيف قيلش

تميزت الانتخابات الجهوية الفرنسية، التي جرت دورتها الثانية يوم الأحد 27 يونيو 2021، بالعزوف الذي وصلت نسبته إلى 66%، ما جدد النقاش في القنوات الإعلامية والمنابر الصحفية ومختلف الفضاءات حول الطلاق بين السياسة والمجتمع.

 

ويشكل هذا النقاش امتدادا للجدل القائم حول أزمة الديموقراطية التمثيلية، وفقدان الانتخابات معناها لدى المواطن، خصوصا الشباب، بالنظر لانعدام جدواها وأثرها على القرار السياسي والاقتصادي على المستوى السوسيو مهني.. ومثلت نسبة المقاطعة في صفوف الأطر ذوي المهن العليا 69% في الدورة الأولى، بعدما كانت النسبة 50% سنة2015؛ ومثلت نسبة مقاطعة ذوي الشهادات العليا 68%، في حين كانت النسبة 46% سنة 2015.

 

وبالرجوع إلى المحطات الانتخابية الجهوية السابقة يتبين مدى تنامي وتصاعد نسبة المقاطعة التي انتقلت من 48% سنة 2010 و41% سنة 2015 ثم 66% سنة 2021. وبالتالي شكلت هذه الأرقام مادة للنقاش السياسي في صفوف الباحثين في العلوم السياسية والاجتماعية والنخب الحزبية والإعلامية. كما اعتبر العديد من المهتمين بالشأن السياسي عموما، والشأن الانتخابي خصوصا، أن ما وقع يعبر عن إضراب سياسي تفيد رسالته رفض الأحزاب ورفض الانتخابات لابتعادها عن متطلبات وانتظارات المواطنين، والتي عبرت عنه إحدى الاستطلاعات في خلاصاتها، المتمثلة في توزيع مسؤولية هذا العزوف بين الأحزاب والرئيس ماكرون والمرشحين والمواطنين والحكومة، كما أشارت إحدى الاستطلاعات أيضا إلى القطيعة بين السياسة والمواطنين؛ مثلت نسبة العزوف في وسط الشباب بين 18سنة و24 سنة 87%، وبين 25 سنة و34 سنة 87%.

 

وتجدر الإشارة أن ظاهرة مغادرة صناديق الاقتراع تكاد تكون عالمية وتتجه نحو عولمة العزوف. ومن تفسيرات الظاهرة طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية المملاة من طرف المؤسسات المالية المانحة، التي تخضع لها الحكومات بغض النظر عن طبيعتها السياسية وتوجهاتها الأيديولوجية.

 

وفي هذا الإطار تعبر بعض الآراء عن مأزق الديموقراطية التي لا يمكن تصورها بدون ناخبين (une démocratie sans élécteurs), ما يستلزم منحها نفسا جديدا لتخطي الأزمة. إذا كان موضوع الانتخابات ووظيفتها وأدوارها يندرج ضمن النقاش في جوهر الديموقراطية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن بعض الآراء تظل أسيرة النقاش التقني المتمثل في اقتراح إجبارية التصويت، والتصويت الإلكتروني، والتصويت عبر أيام بذل يوم واحد..

 

وتميزت هذه الانتخابات الجهوية بخسارة التجمع الوطني (RN) وخسارة حزب الرئيس (الجمهورية إلى الأمام LREM) العاجز أن يتحول إلى حزب سياسي له امتدادات مجتمعية؛ كما تميزت هذه الانتخابات بفوز اليمين الذي حافظ على رئاسة 7 جهات، وفوز اليسار، علما أنه خاض هذه الانتخابات في إطار اتحاد اليسار (مع الايكولوجيين وأحيانا مع فرنسا الابية (LFI) les verts et les insoumis)  باستثناء جهة  occitanieالتي فازت فيها Carole Delga دون التحالف.

 

تبدو هذه النتائج جديرة باستخلاص العبر للبحث عن سبل المصالحة مع السياسة ومع الانتخابات وإعادة بناء الديموقراطية التمثيلية عبر نفس جديد يستوعب انتظارات وتطلعات المواطنين، وتتعزز بالديموقراطية التشاركية...