الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

بلقايد: "اَلْمَشْيَخَةْ" الحوزية من خلال رواية شيوخ وشيخات العيطة الحوزية

بلقايد: "اَلْمَشْيَخَةْ" الحوزية من خلال رواية شيوخ وشيخات العيطة الحوزية الباحث عبد العالي بلقايد ومشهد من فن الحلقة

ثقافتنا هي ثقافة شفوية حسب تعبير عبد الكبير الخطيبي، سواء في كتابه "الإسم العربي الجريح"، أو " النقد المزدوج"، وحتى عبد الله العروي رغم كونه من أنصار الحداثة، ففي كتابه "ديوان السياسة"، اعتبر بأن ثقافة الأم هي الثقافة الناظمة لسلوكنا وتصرفاتنا، وهو يقصد حسب اعتقادنا بثقافة الأم: كل السلوكات المبنية على العرف، كمفهوم يقترب من الطبيعة ويبتعد عن الثقافة التي تسمو عن كل ما هو طبيعي لتخلق سلوكات ما فوق الطبيعة. وهذا لا يعني غياب الكتابة التي ارتبطت بالدولة ودواوينها، باعتبارها جهازا أو نظاما أي systeme ، يعلو على الطبيعة لتنظيم الإجتماع الإنساني وفق ضوابط تقتضيها مصالح من يكون حائزا على الغلبة . فالناس حسب العروي داخل هذه المنظومة، إما أصحاب كسب كفلاحين أو حرفيين، أو جند، أو كتاب دواوين، أو أشراف، أو أصحاب زوايا .

فرغم تبدل مناحي الحياة بقيت هذه المنظومة هي من يعمل على تشغيل ميكانيزم جميع مكونات (السيستمsysteme  المجتمعي). فحسب عبد الله العروي فإن الزاوية وتصرفها هو الناظم لكل مؤسسة تسعى لتأطير المجتمع، أي أن ثقافة الأم حسب العروي هي المهيمنة، أو الثقافة الشفوية حسب الخطيبي، أو العملية التي تقتضي الفعل والممارسة بعيدا عن المكتوب.

هذا التقديم الغاية منه هو وضع فن العيطة ضمن السياق الثقافي العام وتوضيح تفاعل النخب مع الثقافة الشعبية، الذي لم يكن من منطلق واحد. فالعروي المحكوم بمشروع الحداثة كان يرى بأنها أي (الحداثة) هي المدخل الوحيد لتجاوز التأخر التاريخي، في حين أن المسلك إلى الحداثة يمكن أن تتعدد الطرق إليها. ومن ضمن هذه الطرق الإنطلاق من ثقافتنا التي هي عمود الذات.

بهذه الثقافة واجه المغاربة الآخر الذي يريد أن يفرض نموذجا مغايرا لحياتهم، فمن خلال الغناء الذي تشكل في مناخ يتداخل فيه إيقاع الكسب، أي ما يقوم به الناس من أعمال وأشغال سواء بالبدو أو الحضر، مع صلاح أهل الزوايا الذين يؤطرون الناس شفويا شأن باقي أوجه النشاط الذي يعم مناحي الحياة. وبذلك كانت الموسيقى التقليدية صدى فني للمواجهة البطولية التي قام بها الإنسان المغربي سواء بالبادية المغربية في بداية دخول الإستعمار، أو حين هب المغاربة لمواجهة المستعمر حين تم نفي المغفور له محمد الخامس .

وبذلك كانت العيطة تسير متساوقة مع ثقافة عملية تتم صياغتها إما بالأنغام الموسيقية والميازين، أو عبر اللباس، أو عبر الفروسية والبارود حين تنتهك حرمة الأرض أو مرتكزات العمران البشري، هي وطنية لم يتم أخذها من المصنفات الفلسفية لفلاسفة القرن التاسع عشر الغربيين، أو من سلفية المشارقة الذين اكتشفوها بعد حملة نابليون ، بل هي آلية تشغل (اَلسِيسْتِمْ) حين يتم التطاول على أحد مكونات الذات.

هكذا تم صياغة المفاهيم وفق نماذج إما شرقية أو غربية، وتم إطمار ثقافة شعبية تسعى لبناء مفاهيمها انطلاقا من حاجة داخلية ، ووفق حاجات حضارية محلية ، ورأت في الآخر/ المستعمر، ولم تعير أي إهتمام لقوته.

لم تستسلم الحضارة لحضارة، وإن كانت الثانية تحوز أسباب القوة وأدواتها القاهرة، لأن الأولى كانت تمتلك قوة الحضارة التي تستمدها من الأسباب المعنوية المتجلية في فن العمارة، والغناء، والرقص، والصنائع، والصلاح...، فحين نتناول "اَلْمَشْيَخَةْ" من خلال العيطة، فلاعتبارها وجها من أوجه الثقافة الشعبية، التي لا تبنى إلا عبر ممارسات تدخل في إطار ثقافة الأم، التي تتشكل عبر أعراف وتقاليد تكاد تكون راسخة.

من بين هذه الأعراف التي تعتبر مدخلا لفن العيطة الحوزية هي التجوال، سواء أقام به الفرد أو الجماعة، وإن اختلفا من حيث المعنى، وكذلك ممارسة الحلقة .

تجوال الفرد

حسب رواية الشيخة خَدِيجَةْ اَلدْخَيْسِي، فقد صاحبت هي والمرحوم الشيخ عبد الرحمان اَلْغَنَامِي، والشيخ أَحْمَدْ اَلطْوِيلْ الذائع الصيت، والشيخ وَلْدْ اَلْجَارِي، والأب بُوسَنَةْ، كل هؤلاء شيوخ مدينة الحمراء، وانتقلت فيما بعد إلى مدينة البيضاء لتعمل بمقهى وَلْدْ عَبْدْ اَلسَلَامْ، الفضاء الذي كان يحوي سائر الألوان الشعبية المعروفة بالمغرب. فضلا عن اشتغالها بـ "theatro  " لينتهي بها المطاف في عاصمة الرحامنة مدينة ابن جرير.

بدأ الشيخ كَبُورْ اَلْبَلَاوِي بالحلقة، واشتغل هو كذلك مع الشيخ أَحْمَدْ اَلطْوِيلْ، والشيخ اَلجْمَلْ، وحين تمكن من الحرفة انتقل إلى مدينة الرباط، وإن كانت كمجال ثقافي يغلب عليه اللون اَلزَعْرِي، فبقي فنه مقبولا من طرف العائلات الحوزية الموجودة ببلاد زعير. حسب رواية الشيخ كَبُورِ اَلْبَلَاوِي.

فن الحلقة

تعتبر اَلْحَلْقَةْ أحد التقاليد المؤسسة للمشيخة الحوزية التي ترتبط فيما ترتبط به بالمسرح، وتمثيل لَبْسَاطْ اللون الذي كان بارعا فيه الشيخ بَنْ حْمَامَةْ، هذا اللون لم يكن مقتصرا فقط على التمثيل والتفكه على مواقف حياتية، بل كان يقوم كذلك على اَلنُكْتَةْ، وعلى النقائض بين عنصرين أو اكثر، وهو لون مارسه كذلك ثنائي لَوْتَارْ بباقي ساحات وميادين المغرب. فأغلب الشيوخ المهرة مارسوا هذا الفن، بحيث كانت ملتقى يجتمع به كافة شيوخ الحوزي، مع استقلال كل واحد بمجموعته.