الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد البالي: جنوح الهامش (8)

محمد البالي: جنوح الهامش (8) محمد البالي

تقل تصريحات وتدوينات ممثلي خطاب التيار السياسي حول الشأن الحزبي. فما يصدر عنهم عروض ومقالات من موقع أكاديمي أو ثقافي. وقد يكون مرد ذلك، تماهيا مع أرضيات الحزب العامة. فهو لم يتشكل تيارا تنظيميا، رغم نعته، في بعض منشورات غيره، بـ "تيار الأغلبية". فقد ساهمت رموز منه في إنتاج الأرضيات المصادق عليها في مؤتمرات الحزب، وبذلك باتت، بحكم مدونة المساطر الحزبية، أدبيات تداولية لعموم مناضليه ومنتسبيه، ومرجعيتهم في إنتاج المواقف ودليل تحركاتهم.

 

ونلفي، خارج هذا تصريحات وتدوينات بعض من يرون في كلامهم التزاما بأرضية الحزب، وبخطه السياسي، قد تسعف في كشف جنوح خِطابي غير رسمي لهذا التيار، ومن أمثلة ذلك:

 

- المثالية أو سلطة المثال:

بارزة هي سلطة النموذج في مختلف أنواع ومجالات الخطاب المغربي المعاصر. ورغم هيمنة التفكير الجدلي في الخطاب السياسي اليساري، بقيت لغته مسكونة بأطياف الحلم ترفل في تعبيرات من مستودع اللاوعي كالأمل والثورة والغد المشرق، أو في صياغات لطموح وانتظار سياسي كنهاية الاستبداد والانتقال الديمقراطي، أو تمثل تعبيري لمراجع فكرية من الرصيد الاشتراكي كالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، أو...

وهذا مظهر خطابي من مثالية سياسية. لا نستحضرها للحكم على صدقيتها أو واقعيتها، فكثيرا ما ربط مفكرون بين السياسة واليوتوبيا، وإن كانت السياسة فكرا عمليا، لكنه يتزود بالإرادة طاقة محركة، خاصة في الممارسة السياسية النضالية، وهي سمة لازمت مختلف تشكيلات اليسار.

 

نود هنا، كشف آلية تفكير سياسي، بمعنى طريقة إنتاج الموقف بناء على مثال. فالآلية هنا قياس على مثال، أي نموذج متصور في الذهن يطمح السياسي إلى تحقيقه. وبدافع الإرادة النضالية يعتقد أنه قادر على تجاوز معيقات بعد تقدير حجمها ودورها. ورغم اعتماده منهج التحليل الملموس للواقع الملموس، تستجد ظروف أو تتداخل صدف أو تظهر سلط معيقة بأقنعة مستجدة. فثمة من يتفاعل باعتبار السياسة فن الممكن، وثمة من يحاول تطويع الظروف حتى تتحقق صورة المثال، أي التصور الأول المرسوم في الذهن. ولكنه أبدا لن يكون كما كان، فقد تفاعل الفكر والوقائع، وتشكلت صور متعددة للصورة الأولى. بتعدد الأذهان وبتفاعل البدائل الممكنة. ونضرب لهذا مثلا بتعابير يصوغها منتمون للتيار السياسي، صورا مستجدة: جبهة ديمقراطية، جبهة يسارية، جبهة اجتماعية. ولفظ الجبهة مستعار من قاموس تنظيمات يسارية بحمولة راديكالية، لتمييز مقصوده عن دلالة لفظ "الكتلة" ذي البعد الإصلاحي، كما كان في: كتلة العمل الوطني، والكتلة الوطنية الديمقراطية.

 

- سلطة النص:

 بعد أن رسم الاشتراكي الموحد آفاقا للفكرة المثال: توحيد مكونات اليسار الديمقراطي، باتت تعترضها فكرة "الحزب الأصل"، في خطاب يرى أن تحالف هذه المكونات، قد تحد من شعاع شمعة الحزب الاشتراكي الموحد، بل من جذوة ثورية. وبات هذا الخطاب الثاني يراهن على امتداد حركي، خارج التوحيد. الأمر الذي اعتبرته تصريحات ونقاشات جنوحا عن مقررات الحزب، وتقليصا من إمكانية تحقيق مشروع "الانتقال إلى الديمقراطية"، بحشد اليساريين والديمقراطيين في جبهة قد ترفع ثقل كفة القوى الراغبة في التغيير.

وباختلاف التقدير، وتنوع معطيات تحليل الواقع المغربي، في تفاعلاته الجهوية والعالمية، يستند جزء من خطاب "التوحيد"، على سلطة النص المدون في أرضيات الحزب. والاحتكام إلى سلطة هذا المثال قد تكون حجة مقبولة وقد يراها معارضوها تجنبا لواقع حزبي يظهر فيه تعبير قد لا يركن إلى سلطة النص في تجنب فكرة لا يتفق معها. وقد يرد آخر: وإن كان النص تعبيرا عن خط سياسي مصادق عليه ديمقراطيا، إلى حين تغييره ديمقراطيا؟... وما يزال التفاعل والاعتراض، لكنه في بعض التدوينات والمنقولات الهامشية يجنح إلى الشخصنة فيغادر ساحة الخطاب المعقول.

 

- إسقاط الخاص على العام:

من الملاحظات المستخلصة من هامش خطاب التيار القائم على أسبقية السياسي على الإيديولوجي في جدلية التأليف بين المكونات، أنه يتمثل أطراف الاندماج من موقع خاص، فهو ينطلق من مرجعية تنظيمية للحزب الاشتراكي الموحد، تتيح تشكيل تيارات. ويستخلص من تعابير خطابه، أنها الميزة المضافة إلى الحزبية المغربية، وأنها الضامنة للوحدة في أحوال الاختلاف. في حين يرى خطاب نقد الاندماج أن بنية المكونات الأخرى غير منفتحة.

إنها مغالطة الاحتكام إلى الخاص، إذا أغفل خطاب الوحدة خصوصيات الأطراف. بمعنى ستكون إسقاطا للخاص على العام، بتعميم الجزء على الكل.

 

وبمقارنة خطاب التيار السياسي، حول هذه المسألة في الخطاب الراجع من متلق مختلف معها، سيبدو هذا إعناتا ومغالطة حين محاججة الأول بتوحيد "اليسار الديمقراطي"، وإغفال الديمقراطية الداخلية. وفي حوارات سابقة على المقررات، منشورة قبل المؤتمر الرابع. يرى أنصار الاندماج، أن المسألة سيرورة، بدأت سياسية وتنتقل فكريا وتنظيميا، وثمة تصريحات حول استجابة مكونات التحالف لفكرة التيارات، بعد تحديد طبيعتها وحقوقها في ندوة تنظيمية (أجّلها الاشتراكي الموحد)، بعد الندوة الفكرية التي نظمتها الهيئة التقريرية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بالدار البيضاء في يوليوز 2019، والتي شارك فيها، إضافة إلى ممثلي الفيدرالية مثقفون وسياسيون متنوعو التجارب السياسية، نذكر منهم: عبد الله حمودي، سعيد السعدي، الحبيب الطالب، عبد الحميد باجو...

 

- تأليف خِطابي:

رغم تمايزات في مرادفات الخطاب وألوان الأداء الحزبي والجماهيري، يمكن تجميع مشترك خطاب التيار، الذي اقترحنا نعته سياسيا، في العناوين التالية:

- إيديولوجيا اشتراكية بمنابع مختلفة.

- استراتيجية النضال الديمقراطي سبيلا للانتقال إلى ملكية برلمانية.

- فيدرالية اليسار الديمقراطي نواة الحزب الاشتراكي/ اليساري الكبير.

- جبهة ديمقراطية عريضة ضاغطة للانتقال إلى الديمقراطية.

- في الحاجة إلى إصلاح ديني.

- تنظيم الاختلاف الداخلي عبر آلية التيارات.

 

ويشهد الفضاء الحزبي، حاليا، نقاشا حول تشكيل تيار جديد، يضم كثيرا من مكونات هذا التيار السياسي، ولحدود هذه المتابعة، لم تظهر أرضية، عدا تفاعلات بأن مرجع خطابه أرضيات الحزب السالف ذكرها، وخطه السياسي، المنبثق عن مؤتمره الأخير.

 

فهل ستكون هذه بداية تعدد التيارات داخل الاشتراكي الموحد، كما يشترطها مبدأ تنظيميا على حلفائه في الفيدرالية للانتقال إلى وحدة اندماجية؟ أم ستتأرجح، داخله، أمام رهان تدافع القديم والجديد في الثقافة وفي الممارسة السياسية المغربية؟

 

(يتبع)

 

- محمد البالي، باحث في الخطاب المغربي المعاصر