الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

أزمة مدريد والرباط: قراءة في أصوات العارفين بحقيقة المطبخ الداخلي لإسبانيا

أزمة مدريد والرباط: قراءة في أصوات العارفين بحقيقة المطبخ الداخلي لإسبانيا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وزعيم الانفصاليين "غالي بن بطوش"
قدم أبو وائل الريفي قراءة معمقة لموقف عمالقة الحقل السياسي الإسباني ونظرتهم للأزمة بين مدريد والرباط.
وتوقف الريفي في بوح جديد نشره بموقع "شوف تيفي"، عند التصريحات الوازنة لسياسيين إسبان من عيار ثقيل انتقدوا موقف حكومة بلادهم التي ضحت بعلاقة مع المغرب مقابل استقبال "غالي بن بطوش". 
"أنفاس بريس" تستعرض قراءة أبو وائل الريفي.
 
يحسب للمغرب أنه لا يخلط بين الملفات وله قدرة كبيرة على الفصل بينها والتمييز بين الخلافات الظرفية ذات الصبغة المؤقتة وبين العلاقات ذات الصبغة الاستراتيجية. وهذا الأمر يعيه من خبر هذه الدبلوماسية جيدا في اللحظات المفصلية، ولذلك لم يتفاجأ المغاربة من تصريح الرئيس الأسبق للحكومة الإسبانية خوسيه لويس رودريغيز ثباتيرو، الذي كان في الحقيقة اعترافا عكس حقيقة وطينة وحكمة الاشتراكيين الإسبان العمالقة الذين فهموا المغرب وخبروا الخطوط الحمراء التي لا يتسامح بشأنها وهي المعاملة بالمثل والاحترام المتبادل. 
لقد صرح ثباتيرو، في حديث مع تلفزيون “كانال سور” بأن المغرب كان دائما شريكا جديا وديناميا ومخلصا تجاه إسبانيا في محاربة الإرهاب الجهادي وفي سياسة الهجرة. فهل كان فقط يلقي بالورود على المغرب أم هي الحقيقة؟
الجواب عن هذا السؤال كان واضحا من خلال قيام المغرب بمهامه العادية، رغم هذا الخلاف المغربي الإسباني الذي تسعى جهات وسط اسبانيا لتوسيع دائرته ليصبح خلافا مغربيا أوربيا. لقد أحبطت عناصر فرقة الشرطة القضائية بمدينة الناظور وسط هذا الأسبوع محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجزت خمسة أطنان و30 كيلوغرام من مخدر الشيرا بمنطقة “فرخانة”. وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها المغرب بذلك.
لم يقتصر ثباتيرو على الإشادة بتعاون المغرب، بل أصاب الحكومة الحالية في مقتل عندما صرح بأن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب يظل الأساس لكل تسوية لهذا النزاع الإقليمي.
إن جيل العمالقة من الساسة الإسبان كانوا يعلمون حقيقة الدور المغربي وجدية المغرب في تمتين الثقة مع الإسبان ويعون أن علاقات جيدة بين الطرفين مصلحة مشتركة لهما بالتأكيد ولكنها متعدية كذلك للقارتين معا.
ثباتيرو لم يكن لوحده من العمالقة الذين نبهوا رئيس حكومة إسبانيا إلى أخطائه وزلاته في تعامله مع المغرب، فليس هناك أبلغ من تصريحات خوسي بونوجنرال، رئيس سابق المخابرات الخارجية الإسبانية ووزير دفاع أسبق، الذي قال بأن عدم الاعتراف بمساهمة المغرب في إنقاذ أرواح الإسبان من خلال تحييد الخلايا الإرهابية هو بمثابة انتحار للحكومة الإسبانية، بدون أن ننسى وزير خارجية إسبانيا السابق خوسي مانويل ڭارسيا مارغالو، الذي طالب بشكل صريح من حكومة بلاده إعادة النظر في مواقفها من قضية الصحراء في السياق الجيوستراتيجي الجديد في المنطقة.
إنها أصوات العارفين بحقيقة المطبخ الداخلي لإسبانيا الذين يعرفون قدر المغرب وحقيقة تعاونه الصادق مع إسبانيا.
فالمغرب لا تهمه أصوات اليمين الفاشي التي تحركت للدفاع عن المنطق الكولونيالي والاستعلائي والشوڤيني، فهي أصوات معروفة وينضاف لها كل مرة الصحفي سمبريرو الذي يقدم نفسه على أنه “فاهم المغرب”، فإذا به يظهر على أنه لا يفهم شيئا وأنه تجاوزته تطورات الأمور.
الخبير الذي تجاوزته الأحداث لعب دورا قذرا مناهضا للمغرب من خلال الدعوة إلى تزييف الحقيقة ومصادرة صور المهاجرين الأفارقة في الدعاية الحكومية الإسبانية والتركيز على صور المراهقين المغاربة الذين “حرڭوا” إلى إسبانيا.
المغاربة يعرفون سمبريرو من أيام عطاءات البصري على هامش الحج السنوي لسمبريرو للمغرب، ويعرفون كل ارتباطات سمبريرو الداخلية وعلاقاته منذ الزمن الأول، وكيف كافأه صاحبه الأمير المنبوذ الذي أعطاه خمس مرات ثمن السوق لقاء ترجمة كتاب “المنبوذ” إلى اللغة الإسبانية.
المغرب لا ينتظر من سمبريرو أن يدافع عنه أو أن يدافع عن المشترك بين إسبانيا والمغرب ولن يستجيب، لابتزازه فالزمن غير الزمن.
لا يطلب المغرب من اسبانيا للحفاظ على علاقة جيدة معه أن تكون على حساب طرف آخر، ولكنه يطلب أن لا تكون علاقة اسبانيا مع أطراف أخرى على حسابه وبإساءة للمغاربة الذين وصلت رسالتهم للحكومة الإسبانية من خلال البرلمان والأحزاب والحكومة وكل الوسائط المتاحة. ولن يفيد الحكومة الإسبانية نهائيا القفز على حقيقة المشكل والمناورة بتحويره لاستمالة تعاطف جزء من الرأي العام الإسباني لأن حبل الكذب قصير ولا يمكن أن تدوم هذه المناورات طويلا.
إن هذا الحدث وغيره فرصة أخرى لنفهم أن علاقات المغرب تؤطرها مبادئ دبلوماسية راسخة لا تزعزعها تحولات ظرفية، ولا تضعفها نزوات هذا أو عنتريات ذلك. وتسارع الأحداث يؤكد دائما صواب مواقف المغرب وحكمة قراراته.