الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

الدين والأمازيغية: ورقتان تستعملهما إسبانيا لفصل مليلية عن المغرب

الدين والأمازيغية: ورقتان تستعملهما إسبانيا لفصل مليلية عن المغرب مصطفى غديري ومشهد من اختراق السياج الحدودي المحيط بمدينة مليلية المحتلة
أقر مصطفى غديري، أستاذ باحث بجامعة وجدة، بأن إسبانيا وبفعل علمها الجيد بمدى خطورة الضربات الدينية ضد المغرب، فإنها لا تتردد في توظيف الورقة الدينية من أجل توسيع الهوة بين مغاربة سبتة ومليلية وبلدهم الأم عبر منحهم العديد من الامتيازات، مشيرا في حوار سابق مع «الوطن الآن» (نشر عام 2014)، إلى ما أسماه بالدور الخطير الذي تلعبه الزوايا في هذا الإطار، وأيضا اللغة الأمازيغية التي تستغلها الجارة الشمالية لخدمة أجندتها التمييزية بين ساكنة المدينتين المحتلتين والمغرب. 
 
لماذا، في رأيك، تتهم إسبانيا دائما بتوظيف الورقة الدينية لخلخلة التقاطبات الداخلية بالمغرب؟
بالفعل، فإسبانيا تحاول بشتى الطرق استعمال الورقة الدينية لصالحها ضد المغرب، وخاصة في ما يتعلق بمسلمي أو مغاربة مليلية وسبتة. لهذا، فهي لا تدخر جهدا من أجل توسيع الهوة وخلق النفور بين المغاربة ووطنهم وكذا حكومتهم الأصلية. وحتى تبلغ هدفها ذلك، فإنها تمنح من الامتيازات للمغاربة في مليلية ما لا تمنحه للإسبان القادمين من إسبانيا. على أساس أنها مسكونة بشبح ذاك اليوم الذي قد تقترح فيه الأمم المتحدة استفتاء يُخيٍّر المغاربة في سبتة ومليلية بين إسبانيا والمغرب. ومن ثمة، ترى بأن الحل الاستباقي هو زرع نوع من العداء بين المغاربة وبلدهم. النقطة الثانية التي يمكن أن أضيفها للإجابة على سؤالك وهي المتعلقة ما يسمى بالدخل الأدنى بدون شغل أي «مرتب من غير عمل» الذي تضعه إسبانيا رهن إشارة العاطلين. ويكفي أن تعلم بأن المغاربة الموجودين في مليلية وأكثرهم من الجانحين والعاملين، إذا ما هاجموا سيارة تحمل رقما مغربيا لا تتابعهم السلطات الإسبانية وتلتزم التغاضي. في حين لا يسمح إطلاقا بمجرد اقترابهم من سيارة إسبانية. أما المسألة الأخرى التي لا تقل أهمية، فهي المتصلة بعدم الاستعمال الواعي للدين. إذ أن معظم مغاربة مليلية يجهلون تماما تعاليمه وحقيقة المذهب المالكي الذي يتبعه المغاربة والمؤسس على الاعتدال والوسطية. زد على هذا وجود الكثير من التيارات داخل مليلية، أغلبها إما من المتعصبين والأصوليين، أو الفارين من العدالة المغربية الذين تجدهم يجولون بكل حرية هناك.
 
لكن البعض يقول بأن إسبانيا لا تتصرف بالورقة الدينية عن جهل، وإنما بوعي، والحجة كونها تحتضن كل الذين يتبنون مذاهب أو تصورات مناهضة للتدين المغربي..
لما تكلمت عن لا وعي أو الجهل، فإنني لم أقصد إسبانيا وإنما الأتباع. لأن إسبانيا وبكل تأكيد تستعمل تلك الورقة بدراية وتبصر عال، كما أنها تعلم جيدا مدى خطورة الضربات الدينية ضد المغرب. وفي هذا الاتجاه يأتي تفسير معنى منحها الرخص لجميع الزوايا في مليلية سواء «العلوية أو القادرية أو فرع البودشيشية أو العيساوية..»، مع تمتيعها بكامل الامتيازات. هذا في الوقت الذي لا يجب أن ننسى بأن هذه الزوايا لا تخدم المغرب والدين الإسلامي بقدر ما تخدم إيديولوجيتها. إذ كيف يمكن أن يخدم هؤلاء الدين وأغلبهم من الأميين الذين لايعرفون سوى «الطبل والغيطة والحضرة والشطيح». ومع ذلك، عندما يطلبون رخصة إقامة الموسم يتسلمونها على الفور، بل يسخر لهم حراس، في حين لو طلب الإسبانيون هذه الأمور لتم رفضها.
 
يلاحظ بأنه وعلى الرغم من أن المحتل واحد وهو إسبانيا، فإن الانزلاق الديني في مليلية يبقى أفظع من مثيله بسبتة. ما السبب في نظرك؟
الأمر يعود إلى مجموعة من الخلفيات، أولها سهولة الدخول إلى مليلية على عكس مدينة سبتة، إذ يمكن لأي صاحب بطاقة تعريف وطنية من الناظور ونواحيها أن يعبر لمليلية دون الحاجة إلى جواز سفر أو تأشيرة. يضاف إلى هذا عدم تواجد زوايا بسبتة شبية بتلك المتجذرة بمليلية كـ«الزاوية العلوية القادمة من الجزائر والزاوية العيساوية ذات الأصل المكناسي والزاوية القادرية الآتية من أحواز الناظور». اللهم إن استثنينا بعض الزوايا الدينية الأصيلة كالزاوية الحراقية. ثم لا نغفل مسألة استخدام اللغة الأمازيغية في هذه المنطقة التي أضافت للطين بلة وخاصة بالنسبة للأميين الذين لا يفقهون في العربية حرفا. ويبقى ما سبق ذكره في كفة، والحديث عما يمكن تسميته بجمهوريات مستقلة داخل مليلية (الأحياء المهمشة التي يقطنها المغاربة) في كفة ثانية. هذه الأخيرة التي لا تدخلها إسبانيا وتبقيها بعيدة عن مراقبتها، لما بها إجرام وفوضى. إذ لا تجد من المتجولين في تلك الأحياء الفقيرة جدا وخاصة حي الجِمال «باريو كانييوس» وحي «المعازيز العليا» وحي «المعازيز السفلى» في الأغلب الأعم سوى الشواذ والمنحرفين والعاطلين، إلى جانب المدمنين على كل أنواع المخدرات. 
 
هل ما قلته بخصوص الأمازيغية يفسر الأسلوب الذي تعامل به السلطات الاسبانية المغاربة هناك والمبني على أساس التمييز بين ساكنة المدينتين. على غرار سماحها للآخرين باستعمال الأمازيغية في حين رفض طلب قاطني سبتة باستعمال العربية؟
بل أزيدك أكثر من هذا، والمتمثل في توفرهم على محطة إذاعية وقناة تلفزية ناطقة بالأمازيغية داخل مليلية. وذلك في خطوة ملغومة لتشجيعهم على الغرق في سباتهم العميق. مع العلم أن أغلبهم بمستوى تعليمي متواضع ولا يتعدى مرحلة الشهادة الابتدائية.
 
قد نفهم من هذا أن اسبانيا تستغل اللغة الأمازيغية للعزف على وترها بغية تعميق مسافة الفرق بين المغاربة المغرب؟
هذا أكيد ومؤكد.
 
ولكن على صعيد آخر، ألا ترى بأن إسبانيا وبعد أن سبق لها اللعب بالورقة الدينية والجماعات المتطرفة ضد المغرب، حان الوقت عقب 2005 لتعيد النظر في سياستها تلك خاصة مع تلقيها ضربات الإرهابيين واكتوائها بنارهم، وبالتالي العمل على مد يدها إلى المغرب في محاولة لتبني نموذج إسلام معتدل؟
لابد من الاقتناع بأن إسبانيا لا يهمها الإسلام المعتدل، بقدر ما يعنيها الجانحون الذين لا يمسون أو يؤذون بلدها. وسأعطيك مثالا.. الأصوليون الذين ظهروا بالناظور والقادمون من مليلية، أحدهم كان جنديا برتبة «كابورال» وآخر برتبة «كابورال شاف». إذ تبين أنهم من المتعصبين الذين يجندون الشباب من أجل «الجهاد» في سوريا. وقس على ذلك. فمخابرات إسبانيا، على كل حال، تشتغل في ما يخدم دولتها ولا شأن لها في ما يخدم المغرب. بدليل أنها لا تسلم هؤلاء الخارجين عن القانون إلى السلطات المغربية رغم أنهم مبحوث عنهم، متحججة بعدم وجود أي علاقة لها في هذا الإطار بين مليلية والمغرب، وأقول بين مليلية والمغرب وليس بين مدريد والرباط. وحتى نكون واقعيين وديمقراطيين وأحرار في تفكيرنا، يلزم أن نثير بعض الالتفاتة إلى موضوع إزالة إسبانيا للشفرات التي كانت تضعها على أسلاكها الشائكة بمجرد تنديد السوق الأوروبية بذلك. في حين ترك المغرب فراغا بين سلك إسبانيا وأقام سياجا آخر، حيث ما إن يخرج المهاجر السري من حاجز المغرب حتى يسقط في ما بين السلكين، الأمر الذي يسهل القبض عليه من قبل الجارة الشمالية. فالمغرب وبكل صراحة، يقوم الآن بدور الدركي الحارس. إذ كيف يمكن للسوق الأوربية أن يحتج ويطالب بمنع الشفرات في الأسلاك الإسبانية ونحن نضع موانع شائكة ثانية بفرق يقدر ما بين مترين إلى ستة أمتار بين الفاصلين. وكأننا نحرص على حراسة إسبانيا في حين أنها لا تحرسنا من الداخل، بل على العكس من ذلك تطلق الجانحين والجهاديين والمتطرفين اتجاهنا. وأعتقد بأن الأجهزة المغربية تعرف ذلك حق المعرفة ولكن لا أدري سر سكوتها عنه.
                                                                                 
 
                                                                                                          من أرشيف أسبوعية "الوطن الان" 2014
 
ذ.مصطفى غديري، أستاذ باحث بجامعة وجدة