الخميس 28 مارس 2024
سياسة

مكائد الاستعمار الإسباني لطمس مغربية سبتة ومليلية المحتلتين

مكائد الاستعمار الإسباني لطمس مغربية سبتة ومليلية المحتلتين ملك اسبانيا فيليب السادس والملك محمد السادس أمير المؤمنين
عانت المدينتان السليبتان سبتة ومليلية المغربيتان، سلسلة من المشاكل كان أهمها يخص الحقل الديني الذي استطاعت أن تسيطر عليه جماعات مناوئة للولاء الروحي لإمارة المؤمنين، الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، ويعود ذلك إلى رغبة  السلطات الإسبانية في الاستحواذ عليه، خاصة أنها لا تنظر بعين الرضا إلى ما تعتبره «بالتدخل» المغربي في شؤونها الداخلية.
فإذا عدنا إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، نجد أن السلطات الاستعمارية عملت على قطع كل صلة تجمع بين المغاربة السبتيين والمليليين وبلدهم الأصلي المغرب، وكانت أول مبادرة هي حذف الأسماء العائلية، حتى لا يظل النسب حجة تدل على ما يربطهم بأصولهم، لتقوم مقامها الأسماء الثلاثية، ثم تحت غطاء التعليم والأعمال الخيرية، التي كانت تقوم بها راهبات قصد تلقين الديانة المسيحية لبنات المسلمين، كما أنشأت مدارس للأيتام والفقراء لنفس الغرض، فحاولت تغيير أسماء الصغار المسلمين بأسماء مسيحية بمجرد ولوجهم هذه المدارس، وبعد فشل هذه الخطة، انتقلت السلطات الاستعمارية إلى طرد المغاربة الأصليين من مدينتهم أفردا وجماعات، وتطبيق قانون جديد ينظم وجود الأجانب بإسبانيا مقحمة السكان المغاربة الأصليين في المدينتين السليبتين، قصد ضياع هوية مغربية المدينتين، وانسلاخ أبنائها عن مغربيتهم وعن مقوماتهم الثقافية والوطنية والدينية، أملا في ذوبانهم داخل مجتمع بعيد عن أصالتهم العربية والإسلامية، ولم تسلم أيضا الآثار ذات الطابع الإسلامي  بالمدينتين من الإجرام، حيث قامت السلطات الاستعمارية بمحوها من الوجود مستعملة لذلك الآلات الجارفة لهدمها وإتلاف محتوياتها ساعية إلى إلباس المدينتين العريقتين حلة أوربية تتلاءم وطبيعة محتليهما، وحاليا هناك مؤامرة تحاك من أجل فصل المدينتين عن المغرب من الناحية الدينية .
ومن أجل تحقيق ذلك تصدت السلطات الاستعمارية لكل ما يتصل بلغة الدين والقرآن الكريم، فرحبت الحكومة الإستعمارية بمقترح ترسيم الدارجة والأماريغية كلغتين ثانيتين بعد اللغة الإسبانية في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، ورفضت مشروع ترسيم اللغة العربية كلغة ثانية في المدينتين، رغم أنه تم تقديم طلب في الموضوع  للبرلمان الإسباني، واعتبر تجاهل مشروع اللغة العربية، وإقرار الاعتراف بالأمازيغية وإدماجها ضمن المنظومة التربوية في مدارس مليلية المحتلة، على حساب اللغة العربية، تشجيعا لمطلب الحكم الذاتي في الريف، وفي السياق ذاته تعمد البرلمان الإسباني أن لا يناقش مشروع القرار الذي قدمته جمعيات سبتة ومليلية بخصوص الاعتراف باللغة العربية، في حين ذكرت وسائل الإعلام الإسبانية، أن استجابة الدولة الإسبانية لمطلب الجمعيات والمنظمات الإسلامية بالمدينتين السليبتين، بتدريس التربية الإسلامية وما تبعه من تعيين مجموعة من الأساتذة المختصين في الدراسات الإسلامية في المدارس، جر وراءه معارضة شديدة من قبل أعضاء فرع حزب اليسار الموحد بسبتة، الذين رفضوا قرار الحكومة بإدراج مادة التربية الإسلامية ضمن المقررات التعليمية، معتبرين ذلك الإجراء نوعا من الرضوخ لمطالب المنظمات والجمعيات الإسلامية بالمدينتين المحتلتين، وطالبوا حكومتهم المركزية بالتراجع الفوري عن هذا القرار، وإبقاء الدين بعيدا عن المدارس، أما تدريس الأمازيغية فلم يقابل بأي اعتراض من قبل الأحزاب الإسبانية.
بعد كل المحاولات المباشرة الفاشلة من طرف السلطات الإسبانية لإبعاد المسلمين بالمدينتين المحتلتين عن ما يربطهم بالمغرب من علاقات دينية وثقافة وتقاليد بالإضافة إلى الروابط العائلية، بدأت تتبلور لديها فكرة طمس هذه الروابط بخلق سلاح داخل المجتمع المدني الإسلامي بالمدينتين، فسخرت بعض الأفراد تزعموا عملية فك الارتباط الديني بين مسلمي المدينتين والمغرب، هذا الارتباط الذي ظل قائما بين سكان المدينتين ووطنهم قرونا متعددة، لتبقى الحكومة الإسبانية في صفوف المتفرجين على مكائدها ضد السكان وبلدهم الأصلي، ليصبح الشأن الديني بين أيدي جماعات استطاعت أن تسيطر على بعض المساجد، تحت غطاء الدعوة والأعمال الخيرية، أبرزها جماعة «الدعوة والتبليغ» وهي جماعة إسلامية، تعمل تحت رعاية السلطات الإسبانية .
ولم تقتصر مكائد الحكومة الإسبانية فقط على سكان المدينتين المحتلتين، بل طالت كذلك المسلمين القاطنين بإسبانيا، حيث تحاول السلطات الاسبانية منع المغرب من الإشراف على المسار الديني هناك وتأطير الجالية المغربية التي تفوق المليون مواطن، عبر جمعيات إسلامية، مما وصفته إسبانيا بالتدخل في شؤونها، وجعلها تحسب له ألف حساب محاولة بشتى الوسائل قطع الطريق أمام المغرب وعرقلة ما يصبو إليه، وتمادت أكثر لما سيطرت على الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية ومساعدة جمعيات إسلامية محسوبة على جماعة العدل والإحسان للسيطرة على إدارتها وتسييرها، والجدير بالذكر أنه لم يتم السيطرة على الفيدرالية وتغيير رئيسها السابق بغيره لتطوير الشأن الديني بإسبانيا، وإنما لكي يظل الشأن الديني تحت سيطرة الإدارة الإسبانية عن طريق مراقبة تحركات الرئيس الجديد المنتمي لجماعة العدل والإحسان، وتوجيهه حسب هواها، وخلق ما يسمى بالإسلام الإسباني.

عن مدونة «بثينة الجحرة» ـ(بتصرف)