الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: لن نقبل أن يتم ضرب المؤسسة الأمنية

عبد السلام المساوي: لن نقبل أن يتم ضرب المؤسسة الأمنية عبد السلام المساوي

للأسف ابتلينا بشلة من المعارضين والحقوقيين والصحافيين عشاق التضليل الإعلامي والاستقواء بالخارج، من هؤلاء الذين كلما داس لهم أحد على مصلحة ذاتية أو وجدوا أنفسهم تحت المتابعة القضائية بسبب فضائح أخلاقية ومالية صرخوا قائلين: سنشكوكم لأمريكا وسنفضحكم في اوروبا، وسنؤلب عليكم هيئات حقوق الانسان وكأنهم يتكلمون عن بلد لا يحملون جنسيته وكأنهم لا تربطهم أي علاقة بوطنهم. مثل هؤلاء الذين يفرحون ببيان من مؤسسة حقوقية ينتقد بلدنا أو يطعن في مؤسسات الدولة المغربية، أو الذين يهللون لعناوين الصحف الأجنبية التي تتنبأ بخراب المغرب مستقبلا، هم في حاجة إلى جلسات فورية للعلاج النفسي من داء الحقد، هم في حاجة إلى التمييز بين مسار المعارضة المطلوبة في أي نظام سياسي من أجل تجويد أدائه، ومسار هجومهم على الوطن ذاته فقط لأن مصالحهم المادية والمالية تعرضت للمساءلة والمحاسبة .

 

نقولها وبدون مواربة، الدولة موجودة والحريات مضمونة والحاجة إلى توسيعها مطلوبة لكن ليست هناك علاقة خصومة بين الأمن والمواطن كما يحاول البعض ايهامنا، ولن نقبل أن يتم ضرب المؤسسة الأمنية وعزلها عن المجتمع وتحميلها خيبات السياسيين والحقوقيين، فلا نظام بدون حريات ولا دولة بدون امن يحميها ضد المخاطر الداخلية والخارجية، والأمن بضمانات الملك محمد السادس في خدمة الدولة وحماية المؤسسات لا في خدمة أي جهة سياسية ولا يهدف لتحقيق أجندة سياسية، وكل محاولات إقحام المؤسسة الأمنية في معركة سياسية لا تعدو أن تكون تضليلا وتدليسا لحجب فضائح أخلاقية. المغرب قرر لنفسه مسارا خاصا واستثنائيا ومتفردا، ولن يضيع فرصة واحدة لإثبات هذا التفرد وسط عديد النماذج المتهالكة التي تحيط بنا، والتي تحاول تقديم نفسها لنا باعتبارها ضرورية الاحتذاء ...

 

المغرب، عبر تاريخه العريق، لم يقلد بلدا ولا أحدا، كان نسيج وحده، وسيظل هكذا، لذلك يستطيع دوما أن يبهر حتى العاجزين عن الانبهار، ولذلك يستطيع كل مرة ان يقدم لمن يريدون ان يلقنوه الدروس دروسا مضادة يتلقونها صفعات على الخد الأيمن ولا يستطيعون تقديم الخد الأيسر إلا حين الضرورة والاحتياج لذلك فعلا ...

 

المغرب تخلص من عقدة الخوف من منظمات تدعي الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام، ومن منظمات تدعي أنها صنعت للدفاع عن حقوق الانسان  ...

 

المغرب تخلص من عقدة الخوف من هاته المنظمات الكاذبة منذ سنوات عديدة، بعد أن اقتنع وآمن بأن إقناع ذوي النيات السيئة بنيتك الحسنة أمر مستحيل، وأن هاته الهيئات التي تدعي أنها حقوقية أو تهتم بحرية الاعلام هي عبارة عن "شركات" هدفها الربح المادي أو المعنوي ...

 

يكفينا هنا في المغرب أن نواصل على المنوال ذاته من الايمان بحقنا في العيش الكريم، وفي إصلاح أخطائنا، وما على المستقوين علينا بالأجنبي، إلا ان يواصلوا هذا الاستقواء، فقد سمى أجدادنا من كان يضع يده في يد المعمرين قديما "الخونة"، ولن نشذ عن هاته القاعدة التي ورثناها عن الأجداد الذين حرروا البلاد، ولن نغير سنة الله التي لن نجد لها تبديلا...

 

اليوم صدق المغاربة والمغربيات. اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه. اليوم الكل يقول شكرا جلالة الملك.

 

هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء. وحين العروق وحين الدماء لا يمكنك ان تكذب أو تنافق او تكتب تحت الطلب مثلما يدعي الكئيبون، حين الحب الحقيقي لا يمكنك التمثيل، ويشهد الله اليوم أننا جميعا نحس بها هاته الأيام: المغاربة لا يمثلون حين حب المغرب، هم يحبونه وانتهى الكلام... لا عقد لنا مع التاريخ، فالتاريخ ملكنا، ولا عقد لنا مع الجغرافيا فهي الأخرى منحتنا ترف الانتماء لأفضل وأشرف وأرفع مكان يوجد على سطح هاته البسيطة وهو المكان الذي يسمى المغرب .

 

لا نصفي عقدنا لا مع التاريخ، ولا مع الجغرافيا، ولا مع الالتباسات الأخرى الموجودة في الأذهان الصغيرة، بكل بساطة لأننا لا نعاني من أي عقد. نواصل النضال الحقيقي، اليومي، الشاق، الذي يقوم به المغاربة كلهم دونما خطب ودونما شعارات، لأجل أن يكون لهذا المغرب صوته الذي يستحقه، ومكانته التي يستحقها ورفعته التي هو قمين بها، وسطوته التي هو جدير بها وأكثر .

 

نبني البلد مع ملك البلاد، ومع الحقيقيين الذين يؤمنون بالبلد.. إن الانتماء الأول والأخير هو للوطن الذي منحك كل شيء، ولم تمنحه أنت أي شيء.

 

نقولها بالصوت المغربي الواحد... لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وابائنا وأمهاتنا، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .

 

نفخر بهذا الأمر أيما افتخار، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء إلا للمغرب. وهذه لوحدها تكفينا، اليوم، وغدا في باقي الأيام، إلى أن تنتهي كل الأيام...

 

لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن. والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ. والمرحلة تاريخية سيكون لها ما بعدها. سواء بنجاح ينخرط فيه الجميع، أو بتفويت، لا قدر الله، لمناسبة زمنية سيحاسب فيه الجميع في المستقبل القادم.

 

لا يمكن لعاقل ان ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات. ولا يمكن انكار ما تحقق. لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة. لكن أيضا لا يمكن إنكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء .

 

هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم. وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات. وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة. وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية. وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال. وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي. وهناك خلل في الحكامة. وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان أو ثقافيا أو رياضيا. وهناك رغبة من الجميع في التغيير .

 

المغرب،  اليوم، ليس في حالة ميؤوس منها، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها. وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب. يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم.

 

طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة ؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن ان تتنصل منها. وهناك التزامات عليها ان تتحملها بكل ما تتطلبه من امكانيات مادية وبشرية. الدولة لا يجب ان تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا. كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق اليات للمراقبة والمتابعة والتقييم .

 

والمجتمع بكل مكوناته مطالب بان يسهر على إيجاد اليات التطور والمشاركة والمساهمة في السياسة العمومية ومراقبتها وفرض المحاسبة بخصوص تحسينها وخدمتها للصالح العام ...

 

كل هذا يتطلب ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته والإصرار على اشتغال المؤسسات من هذا المنطلق أي خدمة الصالح العام.

 

هو المغرب الذي نريده والذي نرغب في أن يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديموقراطية وحقوق الإنسان. ديموقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة، ويحتكم الناس إلى القانون. ديموقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر. وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد .

 

المغرب الذي نريده؛ دولة المؤسسات ودولة الديموقراطية التشاركية، لكن انطلاقا من قيم الديموقراطية كما هي معروفة، وليس ديموقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية (توظيف الدين والمال).

 

المغرب الذي نريد؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة. لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والاقليمية والدولية.

 

منذ قديم القديم نقولها: هذا البلد سيعبر إلى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد الاف المرات، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء ...

 

الكئيبون هؤلاء، وهم قلة قليلة، وهذه هي تسميتهم، لن يقدموا لنا إلا النبوءات الكاذبة وعلامات عدم قدرتهم على رؤيتنا احياء مغاربة مواصلين بالأمس، واليوم وغدا، بكل تأكيد، وإلى آخر كل الأيام.