الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

رشيد لزرق: دون استيعاب للقيم الديمقراطية لا يمكن للانتخابات أن تنتج الأثر المتوخى منها

رشيد لزرق: دون استيعاب للقيم الديمقراطية لا يمكن للانتخابات أن تنتج الأثر المتوخى منها رشيد لزرق

ما اختار المغرب نمط الاقتراع النسبي إلا لكونه يعكس بنيته الديمغرافية وبنيته السياسية التي تفرض التوافق في ظل نظام يقوم على التعددية، وبالتالي فهذا نمط يذكي التقارب داخل التنوع الحزبي؛ وتعديل هندسة نمط الاقتراع باحتساب الأصوات على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، عوض أن يكون على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها هو وسيلة لتكون التمثيلية حقيقة تقوي العدالة الانتخابية؛ خاصة وأن الواقع السياسي أظهر أن تأثير الأحزاب السياسية في المجتمع ضعيف؛ وبالتالي فإن طريقة احتساب القاسم الانتخابي تشجع على إنشاء أحزاب سياسية؛ ويعطي إمكانية لنقل الحركات الاحتجاجية في تنظيمات تمثيلية مستقلة؛ عكس نمط الاقتراع الحالي، الذي أفرز قطبية جوفاء لا تعكس الواقع السياسي وتمثيل حقيقي لمختلف التعبيرات السياسية في البرلمان.

 

الأمر الذي يشجع على المشاركة الواسعة في الانتخابات. لكن كأي نمط انتخاب تبقي له سلبيات ينبغي تجاوزها، حيث إنه سيفاقم من عدد الأحزاب المكونة للحكومة، الأمر الذي يهدد استقرارها؛ ويمكن أن يشجع انشقاقات حزبية، وبروز ظاهرة رضوخ الأحزاب الكبيرة لمطالب الأحزاب الصغيرة خاصة مع إلغاء العتبة.

 

ومن العادي أن تكون الخلافات والتضاربات لكونها جوهر السياسة؛ والبرلمان مؤسسة أنشئت من أجل احتضان هذه الخلافات والحسم فيها بشكل ديمقراطي، لكون الأصل هو الحسم الديمقراطي وليس التوافق.

 

غير أن ما أثير من قبل البعض من العدالة والتنمية يجسد حالة من الريبة والشك تسود المشهد السياسي العام، سببها عدم ثقة الأطراف السياسية في بعضها البعض، فكلّ طرف يتربّص بالآخر، يتصيّد هفواته، من أجل تحقيق مكاسب سياسية. هذه الحالة ولّدت نفوراً من الحياة السياسية، بدت جلية من خلال اهتزاز صورة البرلمان الذي أوغل في المناكفات والصراعات الحزبية، الذي رافق الولاية الحالية، وما عرفه التصويت على القوانين الانتخابية هو صراع حول المقاعد الانتخابية الذي هو متعارف عليه دوليا لكونه يحدد هندسة المجالس التمثيلية.

 

هذا الصراع عكس مرة أخرى حالة من تصدّعات قد تعمّق الأزمة داخله وتزيد من هشاشته، بسبب الخلل الهيكلي في تركيبة الأغلبية الحكومية السياسية التي تشكّل الحكومة. وتحالفها كان اضطراريا مما جعل الحزب الذي يقود الحكومة، يشن هجوما قويا على البرلمان، لرفض باقي الفرق البرلمانية مجاراته في الإبقاء على القاسم الانتخابي الذي ظهر لهم أنه لا يخدم سوى المصلحة الذاتية للعدالة والتنمية؛ غير أن البعض دون سند علمي اتجه إلى اعتبار أن هذا التوجه الذي يقوي التفاعل ويعطي قوة للممارسة البرلمانية حول مجلس النواب إلى مؤسسة تشريع قوانين تمنحها الفوز في الانتخابات دون إنجازات، بل وحتى إذا كانت فاقدة للزخم الجماهيري، من خلال استفادتها من أصوات المقاطعين للانتخابات والأموات وفاقدي الأهلية الانتخابية.

 

مثل هذا الرأي يغيب عنه السند العلمي ويعطي موقفا سياسيا أكثر منه موقفا علميا. يجسد موضة لدى بعض الأساتذة في الركوب على الموجه الإعلامية بعيدا عن الرأي العلمي الحصيف، مما يفقدهم صفة العلمية التي تعتمد على المناقشة الرزينة وعدم السقوط في خدمة أجندة سياسية.

 

ما لا يستوعبه هؤلاء أن الديمقراطية تجاوزت المنطق الانتخابي باعتبارها أسلوبا في إدارة مؤسسات الدولة والشأن العام، سواء تعلق الأمر بمؤسسات الدولة أو المجتمع بتعبيراته المدنية وعلاقته مع الدول، بل هي تجاوزا للبعد التقني وأدواته، إلى البعد الثقافي الذي يرتبط بمنظومة قيم، تتكرس عن طريق تربية الفرد وجعله قادرا على استيعابها وتمثيلها، واختبارها على صعيد الممارسة والمنهج، إذ دون قيم ديمقراطية لا تنتج الأثر المتوخى من الانتخابات.