الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الغلوسي: معركة القاسم الانتخابي كشفت انتهازية حزب العدالة والتنمية

محمد الغلوسي: معركة القاسم الانتخابي كشفت انتهازية حزب العدالة والتنمية محمد الغلوسي

يبدو أن معركة القاسم الانتخابي قد طويت وذلك على أساس عدد المسجلين، وهي معركة في عمقها وأهدافها سياسية يراد منها من جهة إنقاذ بعض الأحزاب السياسية التي فقدت بريقها وتهاوت، جزء منها ينتمي إلى ما كان يسمى بأحزاب الكتلة الديمقراطية، وجزء آخر ينتمي إلى أحزاب اليمين والتي صنعت تحت الطلب لتقوم ببعض الأدوار الموكولة لها، وهي الأدوار التي مازالت تلعبها لحدود الآن.. ومن جهة أخرى هي محاولة لفرملة الآلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، والذي وجد الساحة أمامه فارغة في ظل ضعف وعدم مصداقية أغلب النخب الحزبية وفساد جزء آخر منها.. كما تهدف المعركة أيضا إلى فسح المجال لبعض الوجوه الجديدة وبعض النخب الأكاديمية والحقوقية، وضمنها النساء والشباب للولوج إلى مواقع القرار المحلي والجهوي والوطني كجواب على ترهل النخب الحزبية، واستجابة لحاجة موضوعية في المجتمع الذي لم يعد يقبل برؤية نفس الوجوه في مراكز المسوؤلية؛ فضلا عن أن الدولة هي في حاجة إلى نخب جديدة تتمثل الخطاب الاجتماعي والاقتصادي وقادرة على لعب دور الوساطة بينها وبين المجتمع ومطالبه خاصة بعدما كشفت مجموعة من الحراكات الاجتماعية عن غياب مخاطب مسوؤل وذي مصداقية.

 

إنها معركة سياسية تخفي في جوهرها أزمة الحقل الحزبي والسياسي في المغرب من جهة، وتكشف عن كون الدولة أو على الأقل جهة في الدولة لم تتجاوز بعد منطق التعامل التكتيكي والظرفي مع الأزمات، وهو أسلوب ظل متوارثا منذ مدة طويلة، أسلوب وتكتيك لإيجاد أجوبة آنية لأزمة بنيوية، وذلك عبر الفصل بين البعد التقني والتنظيمي في العملية الانتخابية ومسألة الديمقراطية، والتي لا تزال مطروحة إلى اليوم، والتي يمكن أن تفضي إلى ربط المسوؤلية والقرار العمومي والسياسي بالمحاسبة.

 

إنها معركة أيضا كشفت انتهازية حزب العدالة والتنمية، وعرت طموحات قيادته في الترقي الاجتماعي إلى حد أصبحت فيه محرجة أمام قواعد الحزب وبعض الأنصار والمتعاطفين معه، نظرا لحالة الثراء البادية على بعضهم، فبدأت النيران الصديقة من داخله.. حزب تخلى عن كل الشعارات السياسية والقومية التي ظلت تشكل خزان استقطاب للعديد من الشرائح الاجتماعية.. حزب انتهى المطاف بأمينه العام ورئيس الحكومة إلى أن يبقى دون أغلبية وسط مشهد شبيه بزورق يغرق وسط البحر؛ هذا دون أن ننسى أن بعض أعضائه متابعون أمام أقسام جرائم المال العام بتهم الفساد المالي!! هكذا تكون نهاية حزب خادع الناس بالشعارات ولبوس الأخلاق والدين والطهرانية المزيفة.

 

إنه وضع يفرض على قوى اليسار الديمقراطي توحيد الصفوف والبحث عن وسائل وطرق جديدة عن طريق الاجتهاد والإبداع وتجديد الخطاب من أجل التواصل مع كل الشرائح والفئات الاجتماعية المتضررة من الواقع الحالي، وطرح كل القضايا الجوهرية بكل الوضوح المطلوب والموضوعية الضرورية دون أي تعال على الواقع.. وهو ما يتطلب الانخراط المسوؤل في المعارك اليومية بروح من التفاني والتضحية، وفي مقدمتها ربح معركة الانتخابات المقبلة، وتقلد مسوؤليات على المستوى المحلي والجهوي والوطني، وتقديم نموذج في الوفاء بالعهود والالتزامات، وإشراك الناس في كل المعارك الضرورية لمواجهة المراكز والقوى المناهضة لأي إصلاح أو تحول ديمقراطي ببلادنا... وهي مهام لن تنجز إلا بتوحيد صفوف وجهود كل اليساريين والديمقراطيين؛ وإلا فإننا سنساهم بشكل أو آخر في إهدار الفرص وإنتاج النكوص والفشل !

 

- محمد الغلوسي، محامي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام