الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: استمرار جنرالات الجزائر في السلطة يهدد استمرار الكيان الجزائري في الوجود

محمد بوبكري: استمرار جنرالات الجزائر في السلطة يهدد استمرار الكيان الجزائري في الوجود محمد بوبكري
لا يكف الجنرال "سعيد شنقريحة" وعصابته وإعلامه عن تكرار أن هناك مؤامرة أجنبية تتهدد الجزائر، حيث تحول تكرار هذا الادعاء إلى أسطوانة مشروخة. ويبدو لي أن هذا الرجل وأفراد عصابته لا يعون ما يتفوهون به، لأن كلامهم يدل على ضعفهم، بل إنه يشكل اعترافا بضعف الجزائر، لأن القوي لا يخاف، على عكس الضعيف. لذلك يبدو منطق هؤلاء كمنطق من يفسر هبوب الريح عليه بكونه مؤامرة مدبرة له من قبل مجهول، أو من يعتبر سقوط برتقالة من يده بأنه من تدبير غيره، ومن إذا نبح في وجهه كلب في الطريق فسره بأنه مؤامرة مدبرة من قبل أخيه أو فرد من أفراد عائلته، أو من ابن عمه أو جيرانه...
لذلك، فإن هذا الجنرال وأفراد عصابته يفكرون بعقلية خرافية تنتمي إلى المجتمعات البدائية المنقرضة التي لم يعد لها وجود في العصر الحالي، كما أنها تعكس ضعف أصحابها وهشاشتهم وخوفهم من المستقبل، أو المجهول. وهذه ظاهرة مرضية تستوجب قراءة نفسية... كما يشكل خطاب هؤلاء اعترافا بضعف الجزائر، إذ عوض إقرارهم بمسؤوليتهم عن إضعاف الجزائر، فإنهم يرمون غيرهم بكونه مسؤولا عن ذلك. وعلى عكس ما يدعيه هؤلاء الجزائر، فإنهم في الواقع، هم المسؤولون عن ضعف الجزائر، حيث استولوا على جبال من ملايير عائدات البترول والغاز، وهربوها إلى ملاذات ضريبية أو لاستثمارها في الخارج، ما شكل سببا رئيسا في تراكم المشاكل الاجتماعية للشعب الجزائري الذي صار أغلب أفراده عاجزين اليوم عن تلبية الحد الأدنى من حاجياتهم الأساسية. كما أن البلاد لا تمتلك بنية تحتية قوية تؤهلها لجلب الاستثمارات الخارجية لتقوية اقتصاد البلاد، وما ينجم عن ذلك من مكتسبات اجتماعية. أضف إلى ذلك أن الجزائر لا تملك نظاما تعليميا لائقا، ولا منظومة صحية ملائمة، حيث نرى اليوم أن الجنرالات أصبحوا عاجزين عن اقتناء اللقاح المضاد لـ " فيروس كورونا"، ما دفعهم إلى التسول على أبواب "المنظمة العالمية للصحة" من أجل استثارة شفقتها بغية تسجيل بلدهم ضمن لائحة الدول الفقيرة التي هي في حاجة إلى مساعدة من أجل توفير اللقاح لشعبها، في حين نجد أن هؤلاء الجنرالات ينفقون على الرحلة العلاجية لـ "عبد المجيد تبون" بالخارج ما يناهز تقريبا ستين ألف يورو يوميا طيلة أيام إقامته العلاجية في كل من ألمانيا وفرنسا. ويدل تسول جنرالات الجزائر على أنهم تسببوا في إفلاس بلادهم بسبب نهب أموالها وتهريبها إلى الخارج، وكذا تبذيرها عبر دعم مليشيات "البوليساريو" وتسليحها وتمويلها، والإنفاق على بعثاتها في الخارج، وشراء الأصوات المساندة لها في مختلف المحافل الدولية. ونظرا للفكر التوسعي لجنرالات الجزائر، فإنهم بالغوا في الإنفاق على تسليح جيشهم بغية التوسع على حساب جيرانهم غربا وشرقا وجنوبا.
تعني هذه المعطيات وغيرها أن الجنرالات هم المسؤولون عن إضعاف الجزائر، ما يعني أنهم ذاتهم هم المتآمرون الفعليون عليها. ونظرا لعجزهم عن تدبير شؤونها العامة وتوفير شروط العيش الكريم لشعبها، فإنهم لجأوا إلى ضرب الحريات من أجل عرقلة تطور المجتمع الجزائري للحيلولة دون إفرازه لتنظيمات قوية تعكس تعدديته، ونخب مؤهلة لتطوير مشاريع تنموية في كل المجالات... ويعود ذلك إلى خوف المؤسسة العسكرية من مناهضة المجتمع لاستبدادها وعدوانها على الوطن والشعب الجزائريين...
وتدل تصريحات "سعيد شنقريحة" المبهمة على جبنه وعجزه عن التحدث بصراحة. لذلك، فإذا كانت هناك جهات تتهدد الجزائر، فعليه أن يذكر هذه الجهات بأسمائها. وإذا لم يفعل، فذلك يعني أنه يتوهم وجود أعداء للجزائر، لا وجود لهم في الواقع. وهذا ما يحتم عليه أن يعرض نفسه على طبيب نفساني ليفك عقدته.
ويبدو لي أن السبب في هذه الوضعية النفسية المهزوزة لهذا الجنرال راجع إلى أنه يشعر بدنو موعد رحيله بسبب تراكم المشاكل الاجتماعية للشعب الجزائري العازم على الانخراط في حراك شعبي كبير وقوي، حيث بدأت تبدو المؤشرات الدالة على ذلك في مختلف المدن والولايات... لكن، لماذا هذا الهلع من الحراك الشعبي؟ يمكن تفسير ذلك بأن الحراك الشعبي الجزائري السابق قد أدى إلى انقلاب داخل المؤسسة العسكرية، أفضى إلى اعتقال جنرالات وشخصيات مدنية، وهروب أخرى إلى الخارج. ونظرا لوجود تناحرات داخل المؤسسة العسكرية حاليا، فإن "سعيد شنقريحة" يخاف من تكرار سيناريو "القايد صالح" الذي أطاح بـ "عبد العزيز بوتفليقة" وببعض الجنرالات، وعلى رأسهم خالد نزار وتوفيق مدين وطرطاق. لذلك، فإنه يخاف من رحيله عن السلطة ووضع حد لتحكمه في رقاب الشعب، وما يذره عليه ذلك من ثروات... ويدل هذا على تشبثه الجامح بالسلطة وعدم رغبته في التخلي عنها. وهذا ما يفسر حملته على معارضي نظامه في الخارج الذين يتهمهم بالعمل لصالح الخصوم الوهميين للجزائر.
يجب على الجنرالات خالد نزار وتوفيق و"شنقريحة" وأنصارهم أن يعوا أن التاريخ محليا ودوليا قد تغير، وأنه لا يمكنهم اللجوء إلى توظيف السيناريوهات القديمة للبقاء في السلطة، لأن الشعب الجزائري صار على وعي بمؤامراتهم ودعاياتهم المغرضة، ما جعله يصر على المضي في حراكه الذي سيكون عبارة عن ريح عاتية لا تبقي ولا تذر، حيث تكمن غاية الحراك في انعتاق الشعب الجزائري من القيود التي كبله بها الجنرالات لمنعه من حرياته وتدبيره لشؤونه العامة...
وما يتجاهله هؤلاء الجنرالات هو أنه بدون انفراج ديمقراطي، فسيدوس التاريخ هاماتهم ويتركها أشلاء على الطريق العام. ونظرا لإصرار الشعب على حرياته وعدم ثقته في الجنرالات، فإنه قد صار محتملا أن تؤدي الجروح التي تسببت له فيها المؤسسة العسكرية إلى تهديد كيان الجزائر. وهذا ما ينبغي أن يعيه هؤلاء الجنرالات إذا كانوا يحبون وطنهم ويضعونه فوق ذواتهم وشهواتهم الحيوانية، لأنهم لا يعلمون أن الديمقراطية والحرية والمواطنة والتعددية وشرعية الإنجاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي... تحافظ على استمرار الدول والأوطان في الوجود. وبدون ذلك يمكن أن تنهار الدول والكيانات الوطنية.