Thursday 13 November 2025
Advertisement
اقتصاد

حركات: تفعيل شبكة الجيل الخامس.. بين ارتفاع أسعار الانترنت بالمغرب والتحول الرقمي المنشود

حركات: تفعيل شبكة الجيل الخامس.. بين ارتفاع أسعار الانترنت بالمغرب والتحول الرقمي المنشود محمد حركات، أستاذ الحكامة والاقتصاد السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط
شرع المغرب رسميًا يوم 7 نونبر 2025 في تفعيل شبكة الجيل الخامس (5G)، في خطوة ترمي إلى تعزيز التحول الرقمي ووضع المملكة ضمن الدول التي تعتمد أحدث التكنولوجيات في مجال الاتصالات.

غير أن هذا الانتقال، على أهميته، يطرح مجموعة من الأسئلة حول جدوى المشروع، خاصة في ظل استمرار اختلالات مرتبطة بجودة الخدمات وارتفاع اسعار الانترنت في المغرب التي ما تزال من بين الأعلى مقارنة بعدة دول (انظر الجدول جانبا). وهو ما يفسر الأرباح الصافية الكبيرة التي تجنيها هذه الشركات سنويا والتي تقدر بملايير الدراهم.

ويجمع عدد من الفاعلين والخبراء في قطاع الاتصالات على أن المرحلة المقبلة تستدعي مراجعة لسياسات التسعير وجودة الخدمة في القطاع بالمغرب، حتى تواكب البلاد فعليًا التحول الرقمي المنشود. كما يطالب المستهلكون بدور أكثر نجاعة للهيئات التنظيمية على رأسها الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ومجلس المنافسة في ضمان الشفافية والمنافسة العادلة، وتمكين المواطنين من الاستفادة من الانترنت وتكنولوجيا الجيل الخامس بأسعار منصفة وخدمات تتناسب مع المعايير الدولية للجودة والابتكار.
 
في هذا السياق، أوضح محمد حركات، أستاذ الحكامة والاقتصاد السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، ل "أنفاس بريس"، أنه ينبغي النظر إلى هذا الموضوع في سياقه الوطني والدولي، إذ يأتي إدماج الجيل الخامس ضمن استراتيجية "المغرب الرقمي 2030"، التي تهدف إلى انتشار خدمات 5G مع تغطية 25% من السكان في أفق سنة 2025، وبلوغ 85% في أفق 2030. هذا المشروع يشكل ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية، وفي تعزيز التنافسية الرقمية والصناعية، إلى جانب تحسين جودة الخدمات العمومية وجاذبية الاستثمارات.

ولا يمكن فصل هذا التحول عن الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر المغرب خلال السنوات المقبلة، مثل تنظيم كأس إفريقيا للأمم سنة 2025 وكأس العالم 2030، وهو ما يبرز أهمية الصبيب العالي والربط الشامل في دعم البنيات التحتية الحديثة.
 
غير أن إطلاق الجيل الخامس يثير أيضًا تساؤلات جوهرية، يتساءل حركات، حول واقع السوق الوطني وغياب دراسات استطلاعية تعكس آراء المواطنين بخصوص جودة الخدمات وأسعارها. فالمستهلك المغربي عاش لعقود طويلة تحت وطأة احتكار الشركات الثلاث الكبرى، ما جعل التعريفات مرتفعة مقارنة بمستوى الدخل والقدرة الشرائبة للمغاربة، في حين ظلت جودة الخدمات دون تطلعات المستخدمين.

 
ومن المفارقة أن المغرب يوجد  ضمن أعلى عشر دول في العالم من حيث كلفة الانترنت، في الرتبة الخامسة عالميا بسعر 1.16  دولار لكل  ميجابايت، في حين حلت ألمانيا وأستراليا في الرتبة السادسة والسابعة على التوالي، والإمارات في مقدمة الترتيب العالمي، بسعر 4.31 دولار، تليها غانا سويسرا وكينيا.

كما يطرح حركات إشكالية الشفافية في ما يتعلق ببنية الرأسمال داخل هذه الشركات، متسائلًا: من يملك فعليًا هذه المؤسسات؟ وهل رؤوس أموالها وطنية أم أجنبية؟ مما يثير مخاوف من تبعية اقتصادية وتقنية للخارج.
 
وأضاف محاورنا أن شركات الاتصالات في المغرب تعمل أشبه بما يشبه "البقالة الرقمية"، إذ تكتفي باستيراد التكنولوجيا والسلع من الخارج وإعادة بيعها داخليًا، دون أن تطور قاعدة إنتاج محلية أو منظومة بحث علمي وصناعي وطنية. فلا مصانع مغربية للهواتف الذكية، ولا استثمارات كبيرة في البحث التكنولوجي، مما يجعل المغرب مستهلكًا للتقنية أكثر منه منتجًا لها.

ويرى المتحدث أن ضعف الرقابة الحكومية على الأسعار وغياب تنافس فعلي بين الفاعلين يؤدي إلى استمرار ارتفاع تكاليف الإنترنت مقارنة بعدة دول، رغم ضخامة الاستثمارات المخصصة للتغطية التي تصل إلى 80 مليار درهم.

وأوضح حركات أن المغرب لا يزال يعيش فجوة رقمية واضحة بين بعض المناطق القروية والجبلية من جهة، والمدن من جهة أخرى.

وفي سياق متصل، شدد المتحدث على أن التحول الرقمي لن يتحقق دون دمج فعلي للجامعات ومراكز البحث في هذا المسار، داعيًا إلى إرساء شراكات وطنية بين مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث وشركات الاتصالات. كما أكد على ضرورة أن تتحلى هذه الشركات بروح المواطنة، من خلال توفير الإنترنت مجانًا للطلبة والباحثين والأساتذة داخل المدارس والجامعات، باعتبار أن هذه الفضاءات تُنتج المعرفة وتشكّل لبنة أساسية في مسار التنمية.

واختتم محاورنا بالتأكيد على أن التحول الرقمي الحقيقي لا يُقاس فقط بسرعة الإنترنت أو نوعية الشبكة، بل بمدى العدالة الرقمية وقدرة المواطن المغربي على الولوج إلى التكنولوجيا والمعرفة دون حواجز اقتصادية أو مجالية.