الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الصمد بن شريف: إعلام التهريج واللغة الساقطة في الجزائر

عبد الصمد بن شريف: إعلام التهريج واللغة الساقطة في الجزائر عبد الصمد بن شريف

طريقة تعاطي الإعلام الجزائري مع الشؤون المغربية، وبشكل خاص منذ العملية السلمية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية يوم 13 نونبر 2021 لإعادة الحركة إلى معبر الكركرات في النقطة الحدودية بين المغرب وموريتانيا، بعد أن كانت قد احتلته أكثر من ثلاثة أسابيع عناصر تابعة لجبهة بوليساريو، تجسّد مثالاً حياً ونموذجاً ساطعاً، يمكن الاستئناس به، للوقوف على معنى الحرب الإعلامية والنفسية الغبية والمتخلفة، وما تنطوي عليه من سطحية وفجاجة وبدائية. فمن يتابع ما تنشره الصحف وتبثه وسائل الإعلام الجزائرية بشأن ما أقدم عليه المغرب، وما حققه من انتصارات دبلوماسية، سيقف على حجم التسميم والتضليل والافتراء وقلب الحقائق. والخطير أنها أصبحت لسان حال “بوليساريو” تنطق باسمها وتقول لها ”خليني مني ليهم“ أنا الخبيرة بشؤون المغرب وخباياه والقادرة على زعزعته والتشويش عليه.

 

المؤسف والمؤلم، أن كل وسائل الإعلام في الجزائر تخندقت في الصف المعادي للمغرب، وأعلنت حالة استنفار جماعية، لنسج وقائع وهمية متخيلة، كما أخرجت من قاموسها كل النعوت التي تنمّ عن تجذّر مشاعر العداء والكراهية تجاه المغرب. حيث لم تتردد صحف وإذاعات وقنوات تلفزية ومواقع إلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، في نعت المغرب بكل الأوصاف السلبية والقدحية، وتمريغ سمعته وتقزيم دوره، والاستخفاف بقوته، والتهكم على مؤسساته وثوابته بما في ذلك المؤسسة الملكية، فهو بالنسبة إليها، قوة احتلال وعدو كلاسيكي توسعي، والجدار الأمني الذي شيده في الصحراء رديفٌ للذل والعار. والمغرب، بحسب هذا “الإعلام”، دمية في يد قوى دولية، ويعيش نظامه السياسي الذي ينعته بالمخزن، حالة من الضعف والارتباك.. وما أقدمت عليه قناة الشروق، مؤخرا سلوك متخلف ولا علاقة له بمهنة الصحافة. بل هو سخافة مطلقة، ونزول مأساوي إلى الحضيض، وغرق حتى الأذن في وحل الغباء وانعدام المروءة والأخلاق. ومن يقف وراء هذه المهزلة غير المسبوقة في الإعلام التلفزي برمته، يترجم بوضوح تام، عقلية بليدة وغارقة في الجهل والتحجر، وتعاني من فقر مدقع في إنتاج برنامج تتوفر فيه الشروط الدنيا للسخرية. فبرامج الدمى les guignols أو المحاكاة الساخرة، له قواعد ومعايير مهنية ويتطلب إعدادا جيدا، من طرف فريق عمل مهني متعدد الاختصاصات.. لكن البدعة التي تفتقت عنها المخيلة العسكرية البئيسة لقناة دوغمائية، تدعي أنها مستقلة أكدت بالملموس أن التهريج واللغة الساقطة، وتعمد الإساءة إلى شخص جلالة الملك محمد السادس، فيه تجاوزات كبيرة، ومغالطات فظيعة في فهم التاريخ السياسي، وأسس الحكم والطقوس والتقاليد التي  جعلت من الملكية  في المغرب مؤسسة قوية ومستقرة وموحدة وجامعة ومواطنة .

 

ويجب أن تفهم  مؤسسة الشروق، أن تعمدها استفزاز الشعب المغربي من خلال المساس بملكه، الذي هو حسب الفصل 42 من الدستور المغربي رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة وهو ضامن استقلال البلاد. وهو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين وفق الفصل 41 من الدستور، عمل جبان لن يحقق مبتغاه ومقاصده الدنيئة. وإذا كانت ردود فعل الشعب المغربي قاطبة عاكسة لحالة من الغضب والاستياء، فليس معناه، أن تلك القناة ومن يتحكم فيها، زعزعت يقين وقناعات المغاربة، وحولت أفراحهم إلى مآتم وأحزان، وجعلتهم يضربون لها ألف حساب. بل لأن هذا الشعب، أراد أن يبرهن لكل الجهات التي في قلبها مرض وتحقد على جار لم يرتكب من جرم، سوى أنه أحسن معاملة الجزائر أيام الشدة، واحتضن قادة ثورتها وساندهم بكل الوسائل والإمكانيات، قلت ليبرهن أن هذه البلاد صف واحد وأمة متماسكة ومتراصة وقوية بهذا التلاحم العضوي والقوي بينه -أي الشعب- وبين المؤسسة الملكية.

 

أكيد أن المغرب له مشاكله الاجتماعية والاقتصادية؛ وعاش عقودا من الصراعات السياسة الضارية، تخللتها تضحيات ومعاناة وجراح. ولكنه اجتهد ويجتهد، وثابر ويثابر، ليصوغ نموذجه التنموي والديمقراطي، بهدف التغلب على عدد من الاختلالات والأزمات. ولا يدعي أنه كامل ومطلق. ورغم ما تحقق من مشاريع وإنجازات وتطورات في عدد من المجالات، فالطريق مازال أمامه طويلا، لأن التواضع والثقة في النفس وإرادة التفاؤل من شيم الأمم الكبيرة والقوية والعريقة.

 

ما نشاهده اليوم من تشنج وانفعال وسط عدد من وسائل الإعلام الجزائرية، وتبعيتها المكشوفة للمؤسسة العسكرية، وانخراطها بحماس منقطع النظير، في ممارسة متدنية وهوجاء للفتك بأخلاقيات مهنة الصحافة، واغتيال ممنهج للتاريخ والجغرافيا والعلاقات الإنسانية والأخوية والقيم النبيلة، يجعلنا نشفق على أشباه الصحافيات والصحافيين في الجارة الشرقية، ملتمسين منهن ومنهم فقط، أن يكونوا أنفسهم. وأن لا يتحولوا إلى جزارين مدججين بالسكاكين، لذبح الحقيقة ونحرها من الوريد إلى الوريد، قصد جبر خواطر وإشباع رغبات مؤسسة عسكرية رعناء ومغرورة ونظام سياسي صار من سنوات رهينة لها، ولا شغل لهما سوى تصدير أزماتهما، والتخصص في اختلاق عدو تاريخي هو المغرب. عدو يهدد أمن الجزائر واستقرارها حسب ما تدعيه أدرع النظام المختلفة إعلامية وحزبية ومدنية. ويسوق على أنه أصل كل البلايا والمصائب التي حلت بالشعب الجزائري، فيما الحقيقة، هي أن تحويل المغرب إلى عقدة بنيوية مزمنة، واستعمال البوليساريو كأداة لتدميره وإضعافه والنيل من وحدته الترابية، دفع الجنرالات ومن يدون في فلكهم، إلى ضخ وهدر مآت ملايير الدولارات لدعم الانفصاليين، وفي نفس الوقت الاغتناء من تجارة السلاح ومن تسويق أسطورة العدو الكلاسيكي على الحدود الغربية للجزائر. وهذا النهج المدمر، كان سببا مباشرا، في تفقير الأغلبية الساحقة، من مكونات المجتمع الجزائري، وحرمانها من شروط العيش الكريم، والتنمية الشاملة والمؤسسات القوية وجودة الخدمات الأساسية.