الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عائشة العلوي: الديموقراطية والتنظيم...

عائشة العلوي: الديموقراطية والتنظيم... عائشة العلوي

الانتخابات هي محطة مهمة ليس فقط للدورة السياسية للبلد، بل أيضا للاقتصاد ومختلف الميادين الأخرى. وهذه العلاقة الجلية خاصة بين السياسة والاقتصاد هي ما حمل حلفاء الرئيسين في أمريكا على الصراع؛ حتى كاد الأمر أن يتحول إلى تطاحن دموي خصوصا أن  السلاح يوجد في كل بيت أمريكي. من حسن الحظ، انتبه معظم الفاعلين السياسيين للأمر بما فيهم حلفاء الرئيس المنتهية ولايته وتراجعوا عن مساندتهم له، فأكدوا سلامة العملية الديموقراطية لينقذ الوضع بأمريكا. مع ذلك، يظل المشهد مروعا عندما تشاهد السور الإسمنتي والأسلاك الحديدية تحاول الدفاع عن الديموقراطية الأمريكية/ الغربية. فهل بالعنف أو الحرس الأمني يمكن الدفاع عن الديموقراطية، أم بالعدالة الاجتماعية والأمن الاقتصادي والاجتماعي؟

 

لقد استطاع أن يحقق الرئيس الفائز الفرق رغم أنه لم يبرح مكانه (إلا قليلا) في قبو منزله، لقد خاض الصراع/الحملة الانتخابية ملتزما بالإجراءات الصحية التي تمليها الظرفية الوبائية لكوفيد19. لقد استطاع أن يقنع الملايين بالتصويت لصالحه. وهذا لا يعني أن الرئيس المنتهية ولايته لم يستعمل مواقع التواصل الاجتماعي، بل إنه دائما ما يفاجئ الجميع بقراراته الحاسمة مستعملا الفضاء الرقمي. لقد استطاع كل واحد منهما استخدام الرقمي في حملته الانتخابية، الفرق الوحيد أن استعمالهما عند الأول كان بشكل مركز وقوي، كان التواصل رقميا بامتياز.

 

إن كوفيد19 سرّع من دخول التكنولوجيا إلى عالمنا الخاص والعملي بشكل كبير، كما أنها فرضت على كل حزب سياسي اللجوء إليها للتواصل مع منخرطيه والمتعاطفين معه. فانتقل النقاش من الفضاء الحضوري إلى الفضاء الرقمي. بيد أن في الواقع المغربي، هناك فتور وغياب رقمي للأحزاب لينضاف إليه غيابها الحضوري. فعلا، لم يكن هناك أحد على استعداد تنظيميا لتلقي أزمة أو هجوم كالذي يقوم به  كوفيد19. لقد فرض على الجميع التقيد بعدة شروط أصعبها للحزب هو التقيد بتحديد ساعات التجمع وأعداد الحضور، لكن أليس من رحم الأزمة والحاجة، تبتكر الأفكار وتخترع الأشياء؟ أليس من المفروض أن تغرق صفحات التواصل الاجتماعي بلقاءات الأحزاب ونقاشاتهم الجادة عن مستقبل المغرب؟ ما الذي يعيق التواصل؟ هل هو الفقر المعرفي والسياسي؟ هل هو الخوف من آراء المعارضين وعموم الناس؟ أليس التنظيم الداخلي للأحزاب هو أزمتها في التواصل مع الناس؟ أليس التنظيم الداخلي للأحزاب هو المعيق لانخراط الشباب بالعمل السياسي؟

 

كان من السهل التواصل في ظل الأزمة، وعقد الاجتماعات والتحضير للموعد الانتخابي لو كان التنظيم يبتعد عن مفهومه الولائي للزعيم، ويحترم المبادرة لكل فرد في التنظيم. كان من السهل استمرار الحياة السياسية لو كان للشباب انخراط فعلي ودائم بالحزب. لكن الخوف من "غضب" الزعيم والخروج من القطيع ما يعيق الابداع والابتكار في الحزب.

 

لقد كان من المنتظر أن تتواصل مختلف الأحزاب مع المواطن(ة) حول البرامج والتصورات التنموية خاصة بعد أزمة كوفيد19. لا ينتظر المواطن(ة) الدولة فقط للإجابة عن متطلباته، بل إنه ينتظر الأحزاب أيضا. ولربما انتظاراته من الحزب يكون عنده أكبر وأقوى لأن من المفروض أنه يمثل تعبيره الاجتماعي والثقافي والسياسي. بيد أن الخيبة هي العنوان البارز للمرحلة، لتكون النتيجة الحتمية الفتور والتمييع السياسي بالمغرب طيلة العقد الأخير.

 

إن الأحزاب مطالبة بإنجاز بحوث وتقارير علمية تعزز بها برامجها واستراتيجياتها المقترحة للمجتمع. إنها مطالبة بتعزيز تصوراتها المجتمعية بنقاشات علمية تنفتح معها على محيطها العام خاصة الأكاديمي. أما أن نجد أنفسنا مرة أخرى أمام شبه برامج لا تختلف عن بعضها البعض إلاّ في الشعار الذي تحمله، فهذا لم يعد مقبولا في عالم رقمي منفتح على كل الاحتمالات. فحتى ضغضغة المشاعر بإيديولوجية سلفية كيفما كان لونها، لم تعد صالحة لدفع الشباب على الانخراط، ولا إلى إنقاذ البلد من التصدعات الاجتماعية الداخلية، ولا إلى إنجاح انخراطه القوي في التحالفات الإقليمية أو الجهوية أو العالمية.

 

الهروب إلى الأمام والسكوت عن القضايا الاجتماعية بالمغرب لم يعد مقبولا، بل يجب أن تكون هناك جرأة سياسية لنقاشه. وذلك من أجل، أولا، إيجاد حلول ديموقراطية وعملية لها، وثانيا لتفعيل المشاركة الديموقراطية، والحث على النقاش المجتمعي واستعادة ثقة المواطن(ة) في المؤسسات. أما هذا السكوت الرهيب فلن يؤدي بنا إلاّ إلى العودة لسنوات ما قبل 2011، ولكن هذه المرة بواقع آخر جد مختلف ومعقد لأن التاريخ لا يكرر نفسه.

 

يجب أن يكون للحزب الجرأة الكافية لنقاش القضايا، ويحترم المسافة الفاصلة بينه وبين الدولة، وأن الاختلاف والتناقض بينهما هو في جوهره من أجل الدفاع عن الوطن. فالتجربة علمتنا أن المقاربة الأمنية للدولة لم تكن يوما ناجعة. ربما مرحليا هي كذلك، أما على المدى المتوسط والطويل فإنها تكون مصدر توثر داخلي وضغط خارجي. بالمقابل، لجوء الأحزاب فقط إلى المعادلات الانتخابية وانتظار ساعة الانطلاق لتحقيق الفوز "الوهمي"، فإنه لن يؤدي إلاّ إلى إقبار الديموقراطية. فكلاهما يتحملان المسؤولية في الفشل لتحقيق دولة الحق والقانون.

 

إن ما يقع في العالم اليوم، يسأل كل غيور عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية أن استمرارية العمل السياسي بشكله الحالي لن يساعد إلا إلى تقوية التطرف والنزعات الشوفينية أو ربما ستظهر أشكال جديدة من العنف والتطرف لم يعرفها التاريخ السياسي من قبل.

 

تعرف الديموقراطية اختناقا كبيرا في العالم مع وجود بعض الاستثناءات القليلة هنا أو هناك، والتي تواجها عدة صعوبات للتطبيق والتفعيل. للأسف، البعض يراهن على الأزمات الاجتماعية للتغيير. وإنه لأمر، في اعتقادي، فيه مغامرة سياسية، تهدد الاستقرار السياسي للبلد، لأن عند الأزمة يبحث المواطن عن من ينقذه حتى ولو كان "هتلر". ويتذكر الجميع كيف أن هذا الأخير وعد بتحقيق الشغل لجميع الألمان، فحققه، وكان ذلك بثمن جد باهض لازالت آثاره قائمة حتى الآن. أليس التقسيم الحالي للعالم هو من انتاج هذه الحقبة العنصرية والدموية من التاريخ البشري؟ 

 

إن التحول البنيوي الذي يشهده المجتمع ولو بشكل مختلف ومتفاوت حسب الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لمناطق المغرب، يلزم على الفاعل السياسي البحث عن آليات جديدة تمنح للعمل السياسي المنظم مكانته في جميع مناحي السياسيات العمومية (المحلية والوطنية)، وتعيد انخراط أغلبية المثقفين والشباب والتلاميذ في النقاش السياسي والمجتمعي.

 

للأسف، الديموقراطية بالمغرب مصابة بفيروس الفساد والمال، إنها تحت التنفس الاصطناعي، إما أن يعاد بناء تنظيم الأحزاب وفق معايير الشفافية والمحاسبة والدفاع عن الوطن والابتعاد عن استعمال المقدس المشترك، وإما أن ننتظر جميعا مسارا ينحرف بنا عن سكة الديموقراطية التي رسمها المغرب ودافع عنها خيرة أبناء وبنات هذا الوطن الحبيب.

 

عائشة العلوي أستاذة جامعية، رئيسة مركز ديهيا لحقوق الإنسان والديموقراطية والتنمية