السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

فيلم "بامو" لإدريس المريني: قوة الحُب وعظمة التاريخ

فيلم "بامو" لإدريس المريني: قوة الحُب وعظمة التاريخ المخرج إدريس المريني، وعفيفة الحسينات (يسارا)
فيلم «بامو» السينمائي فيلم للمخرج إدريس المريني من إنتاج سنة 1983، قام فيه بأدوار البطولة كل من بديعة ريان ومحمد حسن الجندي ومحمد الحبشي والعربي الدغمي...إلخ
 
عن الفيلم
تدور أحداث هذا الفيلم السينمائي المفعم بالتاريخ والحب في الحياة اليومية لمغرب قروي، خلال فترة الاستعمار الفرنسي. تحمل الحكي في الفيلم قصة يرويها الراوي، بامو، حول الإخلاص والحب الكبير بين زوجين، ووقوفهما بقوة وصمود وإصرار، في وجه العراقيل والحواجز التي حاولت النيل من حبهما.
يعلن فيلم «بامو» بقوة، عدم قدرة الاشتغال في التلفزيون على هزم سينيفيلية السينمائي إدريس المريني. وهو ما سيتم تأكيده بأفلام عديدة لاحقا.
 
 
عن الحب والمقاومة
يقدم فيلم «بامو» مغرب الاستعمار كمغربٍ للأمل في استرجاعٍ شجاع وشهم لحرية شعب وثقافة ضائعان. مغرب نساء ورجال وطنيين حاملين لراية التفاؤل والمستقبل، بهمة الدفاع عن مبادئ وقيم المجتمع ومعنى المواطنة.
تبدو البادية المغربية في هذا الفيلم التاريخي قوية ومركزية في المغرب، وذلك بما قدمته للمدينة من سواعد عملٍ وطاقات إنتاج، وشجاعة وتلقائية في شد أزر المقاومة في زمن الاستعمار الغاشم وما ميزه من عنف وجبروت.
إن فيلم «بامو» وهو يرسم ملحمة التاريخ التحرري المجيدة، إنما يرسم تاريخ المغرب حيث كان «المسيد»، (الكتاب القرآني اليوم)، فضاء لحفظ القرآن بشكل يقوم أساسا على الحفظ والاستظهار، وهل كان غالبية من يحفظون القرآن يفهمون ما بين ووراء سطوره الربانية من أسرار ورمزية ومفاهيم وعِبر؟ فالفقيه نفسه صار أو أنه كان خائنا، فقد باع أبناء بلدته وعشيرته كما تخلى عن أصوله للمستعمر من أجل ربح لا يعادل أصالة وجذور ما تخيل أنه باعه:
لقد باع في الواقع نفسه للشيطان.
لا تعادل عظمة التاريخ، تاريخ المقاومة وحب الأوطان إلا صفاء الحب الذي جمع «بامو» و»باسو» اللذان سيعانيان من تسلط ذكورية خبيثة على حبهما كما على الوطن وشجعانه.
 
نساء فيلم «بامو»
إن مغرب فيلم «بامو» التاريخي مغرب نساءٍ أيضا، لكنهن نساء يسكنن في غيابٍ لا يكسره سوى حضورهن في المطبخ أو في صناعة الخرقة التقليدية للجلابة، نساء تشتغلن بابتسامة وأمل، تُختفي وراءها تساؤلات عن وجودهن وعن كيانهن، وعن حملٍ ثقيل كاد يقتل أنوثتهن وقوة عزيمتهن، ثقل الشرف والتقاليد والأطماع الذكورية الأنانية التحقيرية، التي كانت تنسج حولهن خيوط عنكبوت سامٍّ يستنزف كل صبرهن وقوتهن على الحب والتسامح والقبول بمجتمع أبوي ذكوري كان هو القاعدة آنذاك بمغرب بدايات القرن العشرين.
 
«بامو» الجميلة، بامو الأرض
في مشهد محاولة «بامو» الذهاب لزيارة زوجها «باسو»، تُركز الكاميرا على وجهها الصافي الصادق المطبوع بالحب والوفاء لحبيبها وزوجها. نظراتها تحمل ثقل مجتمعِ مغربِ الجهل والأمية والمعاناة في مواجهة مستعمر لوث عيشها.
«بامو» المرأة الجميلة المرغوبة والرزينة البهية، تتعرض للأطماع مثلما تتعرض لها الأرض... إنها الأرض كما في لغز عشتار.. لغز «بامو» لم ينتهي بموتها ولا بموت «باسو» شهيدا باحثا عن الحرية لأرضه ولحبيبته الضائعة. فالأرض لا تموت.
 
«بامو» إدريس المريني
من بين ما يبرهن عليه فيلم بامو لإدريس المريني في وقته، أن الإمكانيات المادية لا تصنع بالضرورة فيلما جيدا، فقد تم إنجاز فيلم بامو بميزانية هزيلة وفي ظروف صعبة تقنيا وعمليا. ومع ذلك فإنه يظل فيلما تاريخيا جيدا بمقاربته السينمائية التي جعلت من الحب مركز قيمة المقاومة وصلب سيميائيتها.
تحمل سينما الرواد، من خلال فيلم بامو للسينمائي إدريس المريني، بصمة مُواطَنَة وأصول أصبحنا نفتقدها في أعمالنا السينمائية في السنوات الأخيرة، وذلك على الرغم من التطور التقني الذي يبدو للبعض أنه كافٍ لصناعة جودة سينمائية. إنه ضياعٌ يعيشه الفيلم المغربي كما يعيشه المُواطن، في كل اختياراته وفي فنه.
 
عفيفة الحسينات، باحثة وكاتبة في الثقافة البصرية