الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى سلمة ولد مولود: مآلات حرب الصحراء الثانية

مصطفى سلمة ولد مولود: مآلات حرب الصحراء الثانية مصطفى سلمة ولد مولود

ما أعلنته جبهة البوليساريو من عودة إلى الحرب، لحد الساعة لم يتعد كونه تهديدا، فأغلب عمليات القصف التي قامت بها ضد الحزام الدفاعي المغربي كانت في وضح النهار وباستخدام الأسلحة الرشاشة في الغالب عديمة الفعالية ضد المواقع المحصنة.

ولم تطلب من مراقبي الأمم المتحدة ولا من سكان الأرياف في المناطق شرق الحزام إخلاء المنطقة.

تريد جبهة البوليساريو الإبقاء على شعرة معاوية مع الأمم المتحدة، من خلال عدم الجنوح إلى تصعيد خطير، بعمليات عسكرية كبيرة ضد الجيش المغربي تستدعي ردا مغربيا قويا، سيضطر مراقبي بعثة المينورسو للمغادرة، وبالتالي فتح النزاع على المجهول في وقت لم تقف فيه الجزائر بعد على أرجلها من أزمتها السياسية والاقتصادية.

غاية جبهة البوليساريو هي أن تعود إلى طاولة المفاوضات مع المغرب دون العودة لوقف إطلاق النار حتى تضطر الأمم المتحدة إلى الإسراع بالعملية السياسية.

المغرب الذي حقق ما يريده في الظرف الراهن بتأمين طريق صادراته مع غرب إفريقيا من خلال مد الحزام الدفاعي إلى الحدود الموريتانية، يعي كل هذه المعطيات ولن يقبل التفاوض قبل أن تعلن البوليساريو العودة للالتزام بوقف إطلاق النار. ولن يقبل التراجع عما حققه في الكركرات.

وبالتالي قد يطول عمر الأزمة الحالية؛ ما لم تدعم الجزائر جبهة البوليساريو بصواريخ بعيدة المدى تضرب العمق المغربي وليس الحزام الدفاعي، وخاصة ما يهدد الحركة عبر معبر الكركرات. ما يعني مواجهة مباشرة بين المغرب والجزائر.

وفي مطلق الأحوال لن ينتهي نزاع الصحراء إلا بمواجهة مغربية جزائرية، إن على طاولة المفاوضات أو بالحرب. وبالتأكيد في ظل الأزمة العالمية الراهنة لا تملك الجزائر ولا المغرب موارد تمويل حرب بحجم البلدين، ومن الصعب أن تسمح الدول الكبرى، وخاصة أوروبا بمواجهة عسكرية مغربية جزائرية لما ستلحقه من ضرر على أوروبا نفسها وعلى التجارة الدولية.

وبالتالي إعلان البوليساريو العودة إلى الحرب لا يعدو كونه وقت مستقطع في نزاع الصحراء الذي لا يوحي أي مؤشر بأنه سينتهي قريبا. أو جرعة تصعيد لإنعاش نزاع كاد يموت ولا تزال الحاجة إليه محليا وإقليميا ودوليا.

والخاسر الأكبر هم سكان المخيمات كما كانوا. فالحرب الحالية تخدم قيادة الجبهة التي تهالك رصيدها حتى فقدت كل مصداقية، وبسبب إعلانها الحرب أصبح الكل يصفق لها.

والسلطة في الجزائر بعد إحراج الاستفتاء على الدستور كانت بحاجة إلى أزمة خارجية تلهي الشارع الجزائري حتى تمرر مشروعها. وبحاجة إلى إعادة شحن سكان المخيمات بعد أن سئموا الانتظار. فقضية الصحراء تبقى ذريعة للجزائر لاستمرار غلق حدودها مع المغرب حتى تهيكل اقتصادها وتصبح قادرة على المنافسة في محيطها، وإلى حينه هي أيضا عامل استنزاف للمغرب حتى لا يتقوى على حساب الجزائر.

والمغرب أمن صادراته نحو إفريقيا، واستكمل ضم الصحراء النافعة خلف حزامه الدفاعي، وباتت حدوده متصلة من طنجة إلى لكويرة، بعد أن كانت تفصلها منطقة عازلة.

وبالنسبة للدول الكبرى، فنزاع الصحراء هو نقطة ضعف الجزائر المغرب، واستمراره يعني استمرار إمكانية لي ذراع البلدين ومساومتهما.