الجمعة 29 مارس 2024
في الصميم

دولة العدوان الجزائري" تأكل رأسها!!

دولة العدوان الجزائري" تأكل رأسها!! عبد الرحيم أريري
من التعبيرات المأثورة في تاريخ الاستبداد أن الأنظمة الشمولية لا تقيم إلا علاقات العداء مع دول الجوار مهما جنحت هذه الدول نحو السلم. ولذلك يقال دائما أن المستبد لابد أن يخلق الجار - العدو حتى لو لم يكن هناك جار أو عدو.
وهذه بالضبط هي حالة الجزائر منذ «احتلالها» من طرف دولة العسكر، ولذلك جعلت المغرب عدوها الأول.
نتذكر، في هذه السياق، افتعال مشكلة الحدود التي قادت الجزائر في السنة الأولى لاستقلالها إلى إعلان الحرب على بلادنا عام 1963، حرب انتهت بهزيمة صاعقة للجيش الجزائري، لاتزال إلى اليوم تشكل عقدة تاريخية في متخيل الحكام هناك، ونتذكر أيضا وقوفها الشرس ضد مطلب بلادنا في استكمال وحدته الترابية في بداية سبعينيات القرن الماضي، وهو ما استمر إلى اليوم.
كان الفصل الأول في سيرة العداء التاريخي المعلن علينا يحمل عنوان حرب الرمال سنة 1963.
كان العسكر، الذي تسلم حكم الجزائر سنة قبل ذلك، قد فرض علينا تلك الحرب لحل تناقضات البنية العسكرية الناشئة هناك، مع أن كل وقائع تلك الحقبة تثبت عبثية كل نزاع بين بلدين ربطت بينهما علاقات التعاون والتضامن أيام الكفاح من أجل الاستقلال.
الوقائع تؤكد كذلك أن المغرب كان قادرا يومها على أن يمعن في «بهدلة» الجيران، ويعيد رسم الحدود بالشكل الذي يريد، ومع ذلك أوقف الحرب استجابة لنداء بعض دول العالم الغارق آنذاك في أتون الحرب الباردة. 
ومنذ ذلك التاريخ انتصبت الجزائر عدونا الدائم باحتضان معارضي النظام المغربي، لا دفاعا عن مشروعية مطالب دمقرطة الدولة والمجتمع في المغرب، ولكن إنهاكا لقدراتنا الوطنية وانتقاما من نظام المرحوم الحسن الثاني.
ظل مشكل الحدود قائما، وما أن طرح المغرب مطلب استكمال الوحدة الترابية حتى وجدتها الجزائر فرصة مواتية لدعم نزعة الانفصال، وللتشويش على مطالبنا في المنتظم الدولي.
الأكثر من ذلك أن الجزائر  اختارت، في عز انتشاء المغاربة بنجاح المسيرة الخضراء، أن تطرد المغاربة من بلادها، ضدا على الأعراف والمواثيق الدولية، وعلى مقومات التاريخ المشترك بين الشعبين، وعلى أخلاق الجوار بشكل عام.
ولأن المغرب قد اختار أن يبني نموذجه السياسي بإنجازاته وانكساراته وبهدوء، ولأن الجزائر كانت قد تحجرت وتكلست في الزمن الصفر من السياسة، فقد كان لا بد  للحرب أن تستمر علينا، لأن العساكر هناك محتاجون إلى عدو لتغطية فقر خيالهم السياسي، وعجزهم عن بناء نموذج تنموي يوفر الكرامة للجزائريين.
علينا في هذا السياق أن نستحضر الملامح الأساسية في سلوك العسكر الجزائري ومنها:
l أن بنية الحكم هناك صارت تتآكل باستمرار بانغلاقها ضمن نموذج شمولي يحول ثروات الشعب الجزائري إلى الحساب الشخصي للحكام، ويحجز كل فكرة للتطور والنماء. وقد بدت الصورة ممعنة في السوريالية بعد انتهاء الحرب الباردة، وبروز حاجة الدول إلى بناء تكتلات إقليمية لمواجهة تحديات التنمية.
lالعنصر الثاني يتمثل في تنامي ظاهرة الاحتجاج وتضاعف منسوب القلق لدى الفئات الاجتماعية التي صارت تعيش تعميقا لبؤسها المتزايد في بلد الغاز والبترول.
في هذا الإطار تمت إعاقة المسلسل الديمقراطي، وتأمم المشهد السياسي لفائدة الحزب الوحيد بأقنعة مختلفة، لنصل إلى جزائر اليوم الممزقة بتنامي المطالب العرقية كما في منطقة القبايل، وبتزوير الإرادة الشعبية في كل الاستحقاقات الانتخابية الصورية والعمليات الاستفتائية التي يتحكم فيها العساكر.
l أما العنصر الثالث الذي يعكس الحالة المرضية للدولة والمجتمع هناك فيتمثل في إفلاس الأطروحة الجزائرية بعد انتصار المغرب في المحافل الدولية، خاصة بعد تبني فكرة الحكم الذاتي الموسع، من عدة قوى دولية وازنة، لإقامة حل لمشكلة الصحراء المغربية.
 كل هذه الاستعادة تنير لنا الطريق إلى فهم سلوك الحكام الجزائريين الذين يجعلون قضية الصحراء في صدارة اهتماماتهم بدل التقدم بمقترحات عملية لنهضة محيطنا الإقليمي. بدليل أن الجزائر كلما حضرت قمما عربية أو إسلامية أو دولية إلا وأشهرت ورقة دعم جمهورية الوهم.
أما حين تتداول تلك المنتديات في أفكار المستقبل، أو محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات، أو في صيغ ما للتحالف الدولي تصمت الجزائر، وتستقيل من دورها المغاربي والعربي والإسلامي كما حدث في نزاعات سوريا واليمن وليبيا وتونس ومالي، وفي كل التحالفات الدولية من أجل مواجهة الإرهاب.
إزاء هذه الصورة كان المغرب يواجه سلوك العدوان بورقتين: ورقة مد اليد نحو الجزائر من أجل تجاوز الصراع المفتعل، وفتح الحدود تلبية لنداء الشعبين، وورقة الحزم والصرامة.
مجمل القول إننا، وكما سبق  أن قال الملك محمد السادس، لا نختار جيراننا وجغرافيتنا، لكننا نختار سياستنا التي تراهن على المستقبل، وعلى نهاية سياسة العسكر، وعلى نهوض الجزائر، وعلى نجاح رهان الانفتاح السياسي فيها، لأن هذا النجاح هو الطريق إلى الانتصار على جزائر اليوم، وإلى تحقيق مشاريع وأحلام شعبين شقيقين.