السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

حميد النهري : ضريبة " المساهمة التضامنية " تخفيض جديد على مستوى الأجور

حميد النهري : ضريبة " المساهمة التضامنية "  تخفيض جديد على مستوى الأجور حميد النهري

أثارت مسالة الضريبة التضامنية الجديدة عند مناقشة مشروع قانون المالية 2021 على مستوى لجنة المالية بمجلس النواب جدالا حادا بين البرلمانيين ووزير المالية.  وفي هذا الاطار أجرت "أنفاس بريس" الحوار التالي مع الدكتور حميد النهري، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق طنجة.

 

عرفت المناقشة العامة لمشروع قانون المالية 2021 بلجنة المالية بمجلس النواب تجاذبات حادة بين وزير المالية والبرلمانيين حول مسألة المساهمة التضامنية التي جاء بها مشروع القانون المالي ما ماهي قراءتك لهذا االموضوع؟

 

كما كان منتظرا منذ ظهور التوجهات الكبرى لقانون المالية 2021 طغت بقوة على النقاش العمومي مسالة ضريبة جديدة جاء بها المشروع وتم تغليفها بعنوان (المساهمة الإجتماعية للتضامن على الارباح والدخول)

  • على الأجراء والموظفين بنسبة 1،5 في المائة بالنسبة للدخل الصافي الذي يساوي أو يزيد عن 10 آلاف درهم في الشهر؛ وذلك حسب المشروع ابتداء من يناير 2021 على مدى سنة كاملة. وحاليا وصل هذا النقاش إلى البرلمان لأنه هو صاحب الإختصاص في التشريع الضريبي.
  • واعتقد ان هذا الإجراء الضريبي يعتبر فرصة أمام ممثلي الشعب في آخر سنة لهم من الولاية التشريعية الحالية للاصطفاف إلى جانب أغلبية المواطنين الذين يرزحون تحت رحمة أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة وذلك بتبني خيارات وإجراءات فعالة تستطيع التقليل من الآثار السلبية لجائحة كورونا. وترجع أهمية هذا النقاش ايضا إلى أن الجميع كان ينتظر أجوبة من خلال قانون المالية 2021 على متطلبات الظرفية الصعبة التي تعيشها بلادنا جراء تداعيات جائحة كورونا.
  • اجوبة كنا نأمل أنها ستجعل من تداعيات جائحة كورونا درسا وانطلاقة نحو حلول جديدة تستطيع التجاوب مع متطلبات الأزمة.

وأول سؤال كان الجميع ينتظر الاجابة عنه هو من سيتحمل فاتورة الأزمة؟

وذلك من خلال الإجراءات التي ستنهجها الحكومة من خلال قانون المالية 2021 لتحقيق هذا الهدف؟ وهل تستطيع الحكومة إبداع سياسات جديدة تتماشى وتداعيات الأزمة المالية الإقتصادية والإجتماعية؟ لكن يبدو أن الإحباط الذي خلفه القانون المالي التعديلي 2020 بالنسبة للمغاربة سيتكرر مع مشروع قانون المالية 2021.

ولكي نكون واضحين فبهذا الاجراء الضريبي الجديد ابانت الحكومة للاسف مرة اخرى انها اخطأت الموعد فعوض أن تختار مبدأ (البحث عن الأموال حيث توجد) والجميع يعلم اليوم اين توجد هذه الاموال والتي كان على الحكومة من خلالها ان تعتمد بدائل حقيقية من قبيل تضريب الثروة اعادة النظر في الاجور العليا الغاء المعاشات الاستثنائية والامتيازات المهولة وتعدد التعويضات والأجور التي تستفيد منها فئات قليلة من المجتمع.

نجدها تأبى إلا أن تحبط المغاربة وتعتمد مرة اخرى نفس الطريقة السهلة هي (توفير الأموال السهلة) من خلال استهداف اصحاب الدخل المحدود خصوصا الحجز من المنبع وتستهدف استهلاك الأسر المتوسطة والفقيرة.

وهذه السياسة هي المعمول بها منذ عقود.

ومع هذا الاجراء الجديد ستزيد أكثر في تكريس اللاعدالة الضريبية بل ستٌكرس تمييزا كبيرا ومرهقا لفئات واسعة من اصحاب الدخل المحدود الشيء الذي سيؤثر سلبا على قدرتهم الشرائية وسيزيد من معاناة فئات عريضة من المجتمع الاكثر تاثرا بتداعيات جائحة كورونا.

وهو الأمر الذي سيهدد لا محالة الاستقرار الاجتماعي ببلادنا.

 

لكن وزير المالية خلال جوابه على البرلمانيين داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب اشار الى ان 92 في المائة من الاجراء غير معنيين باداء المساهمة التضامنية لانهم يتقاضون أقل من 10 آلاف درهم وهو الأمر الذي في نظره ينفي عن الحكومة تهمة سعيها ضرب الطبقة المتوسطة ؟

 

في الحقيقة هو عذر أكبر من الزلة وهذا التصريح هو اولا اعتراف صريح بالتفاوت المهول على صعيد سلم الأجور ببلادنا والذي يتجاوز المؤشرات العالمية .

حيث يصل الاجر الأعلى 17 مرة مستوى الاجر الأدنى على مستوى الوظيفة العمومية ،وإذا قارنا ذلك مع بلدان التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE نجد أن نسبة التفاوت بين الاجرين الادنى والاعلى لا تتجاوز 3.4 مرة.

أما إذا اعتمدنا قياس الحد الأدنى مقارنة مع مستويات الأجور لدى رؤساء بعض المؤسسات العمومية ببلادنا سنجد تفاوتا يتجاوز 50 مرة .

ثانيا دعنا نحلل بطريقة بسيطة وصريحة هل من يتقاضى دخلا قيمته 10 آلاف درهم يعتبر من الطبقة الغنية؟

لا اظن خصوصا مع المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية الحالية.

ثالثا على مستوى الضغط الجبائي نجده منذ سنوات وهو يقع اكثر على مستوى هذه الدخول التي يتكلم عنها الوزير والتي تتراوح ما بين 4000 و12000 درهم لأن تصاعدية الضريبة على الدخل ببلادنا غير فعالة.

كما أن مستوى مجموع الإقتطاعات الإجبارية مرتفع وقد يصل إلى أكثر من 29 في المائة إذا ما احتسبنا مجموع الإقتطاعات التي تثقل كاهل أسر اصحاب الدخل المحدود خاصة في اطار تحملها تكاليف خدمات كان يفترض أن توفرها الدولة من قبيل التمدرس والتطبيب.

 

برر وزير المالية هذه المساهمة التضامنية بالظرفية الاستثنائية التي تعيشها البلاد والتي أثرت على الموارد المالية للدولة وأكد على ضرورة توطيد قيم التضامن التي ينص عليها الفصل 40 من الدستور فما هو رايك؟

 

دعني اوضح بداية ان وزير المالية الحالي يبرع في اللعب بمفاهيم بعيدة عن الواقع -ودائما ارددها- انه يشرحها بالإعتماد على قاموس اقتصادي أصبح متجاوزا.

والحقيقة هي اننا أمام مشروع إجراء ضريبي سيؤثر سلبا على القدرة الشرائية لفئة اجتماعية بل اكثر من ذلك يمكن اعتباره تخفيضا على مستوى الأجور والمرتبات.

وكان قد سبقه إجراء آخر تمثل في اقتطاع ثلاثة أيام من دخل الموظفين دون مراعاة قيمة الأجور وتفاوتها.

إذن لا داعي لتغطية الشمس بالغربال.

أما فيما يخص مبدأ التضامن المتعارف عليه والذي نصت عليه جميع المرجعيات الدستورية والمواثيق الدولية من خلال تاطيرها للفعل الضريبي الذي يُعْتَبر ضروريا لكن مع احترام مبدأ (كل حسب استطاعته).

ونبسطها عادة (بأن من يملك أكثر يعطي أكثر ومن يملك أقل يعطي القليل ومن لا يملك لا يعطي) لكن الفائدة تعود على الجميع دون تمييز ؛وذلك من خلال الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة؛ هذا هو البعد التضامني للضريبة والذي يساهم في تقوية مبادئ أخرى تعتبر من ركائز المالية العامة من قبيل مبدأ (المواطنة الضريبية) ومبدأ (الرضى بالضريبة).

لكن وزير المالية للأسف يفسر مبدأ التضامن بطريقة عكسية تتمثل في أن يتضامن اصحاب الدخل المحدود مع الأثرياء لكي (يستثمروا !!!!!) عوض ان يتضامن الأثرياء مع اصحاب الدخل المحدود لكي يعيشوا.

ولذلك نجد أن نظامنا الضريبي عادة في صالح الأثرياء والمالكين بينما يقع الضغط بقوة على اصحاب المرتبات والأجور اي الحجز من المنبع ما يجعل هذا النظام يتميز باللاعدالة وتقليص الوعاء الضريبي.

فيكفي أن نشير أن اصحاب الدخل المحدود يتحملون ثلاث ارباع العائدات الضريبية على صعيد الضريبة على الدخل ؛كما ان عدم فعالية تصاعدية نسب هذه الضريبة جعل العبء الضريبي يقع أكثر على الدخول المتوسطة والدنيا.

ويزداد هذا العبء عندما تصدر الحكومة قرارات تهم الاقتتطاع من أجور الموظفين دون مراعاة اختلافاتهم وفروقاتهم ورواتبهم .

فلا يعقل ان النسبة التي سيؤديها صاحب أجر أو مرتب بقيمة 10 آلاف درهم هي نفس النسبة التي سيؤديها من يحصل على دخل يتجاوز 100 الف درهم أو 200 الف درهم ونحن نعرف التفاوت المهول الذي يعرفه سلم الأجور ببلادنا.

إذن المسألة لا ترتبط بمبدأ التضامن؛ ولكن بإختيار الطريقة السهلة للتمويل بزيادة الضغط على اصحاب الدخل المحدود وتفادي تضريب القطاعات التي تتواجد بها الأموال لتبقى خارج الوعاء الضريبي.

 

أمام هذه المعادلة الصعبة ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها في نظرك ؟

 

اعتقد اننا كنا ننتظر إبداعا أكثر على صعيد قانون المالية الحالي لظرفية تقتضي انخراط الجميع وعندما اقول الجميع اقصد أولائك الذين لا زالوا خارج الوعاء الضريبي فنحن الآن أمام معادلة صعبة لكن ليست مستحيلة نريد نظاما ضريبيا متعدد الأهداف: من جهة لضمان إلى حد ما تمويل المشاريع ذات الأولوية الصحة التعليم العيش الكريم من خلال التغطية الإجتماعية - وفي نفس الوقت للمساهمة في تشجيع وانعاش الإقتصاد المتضرر نتيجة جائحة كورونا زمن جهة أخرى للوصول إلى نظام ضريبي أكثر عدالة للمساهمة في ضمان التوازن الاجتماعي  وفي الحقيقة هي ليست مطالب جديدة فدائما ما كنا نسجل محدودية النظام الضريبي المغربي على جميع المستويات المالية الإقتصادية الإجتماعية؛ لكن اليوم أمام ما خلفته وتخلفه تداعيات جائحة كورونا اصبحت هذه المطالب تفرض نفسها بقوة بل ان الأزمة تعتبر فرصة لا تعوض لإنجاز اختيارات جريئة وعملية.

فاليوم الخيار الوحيد الممكن أمام المشرع لتجاوز تداعيات الجائحة المالية الإقتصادية والإجتماعية وحتى النفسية يتمثل في :

أولا :- ضرورة توسيع الوعاء الجبائي وسن الضريبة على الثروة الإرث فلا اظن ان الثروات في المغرب تضررت من الأزمة فهي لا تشتغل وحافظت على قيمتها المادية والمعنوية إذن هي فرصة لتحريكها لإنقاذ الإقتصاد؛. فالاثرياء يجب أن يتحملوا اكثر فاتورة الأزمة وحان الوقت لجعلهم يساهمون في العبء الجبائي.

وقد سارت العديد من الدول الأكثر ليبرالية في هذه السياسة؛ وأصبحت تنادي اليوم باستغلال أموال الأثرياء لمواجهة الأزمة ليس فقط ضريبيا ولكن بشتى الطرق.

ثانيا:-اصلاح ضريبي حقيقي يأخذ مبدأ العدالة الجبائية شعارا له بحيث تكون هناك إجراءات ضريبية عملية لتنمية مداخيل الدولة وتضمن مساهمة جميع القطاعات كل حسب استطاعته .

ثالثا :-عادة النظر في علاقة الدولة بالراسمال وبناء علاقة على معايير جديدة تأخذ بعين الإعتبار الظرفية الصعبة التي تعيشها بلادنا وتستطيع ضمان فعالية السياسة الضريبية.

ولن يتأتى كل هذا إلا بتوفر إرادة سياسية حقيقية تقطع مع السياسات السابقة. هدفها تنمية حقيقية تراعي الأولويات وتطلعات المجتمع وشعارها العدالة الإجتماعية.

ارادة تجعل من دروس جائحة كورونا إنطلاقة استراتيجية و"ليست فقط بين قوسين"!!