لم يعد الحزن صامتا كما كان. لم يعد دمعة على الوسادة، أو تنهيدة بين الصلوات، ولا حتى رسالة لم تصل. صار منشورا...صار حزنا رقميا بفلتر باهت، وموسيقى حزينة، وتعليق يقول: "لا تسألوني عن السبب، فقلبي لا يحتمل".
ثم تنهال التفاعلات: قلوب، وجوه باكية، تعليقات جاهزة: "كن قويا"، "الله معك"، "قلبي معك"،...رغم أن أحدا لا يعرف ماذا حدث فعلا… وربما لم يحدث شيء.
الحزن الذي كان طقسا داخليا، صار عرضا مفتوحا للعموم. نشهره كما نشهر إنجازاتنا، وننتظر عليه تفاعلا… وربما تعويضا...لأن في أعماقنا، صرنا نخاف أن نحزن وحدنا، أو ألا يصدقنا أحد، أو أن يمر وجعنا دون أن يسجل.
هل فقدنا الثقة في الحزن الصامت؟
ألم لم يعد يكفينا أن نتألم…ما لم يشهد علينا أحد؟
هل اختلطت علينا الحاجة إلى المشاركة، بالرغبة في الاعتراف الاجتماعي بالوجع؟
حتى الحزن، وهو من أبسط حقوق القلب، صار خاضعا لقوانين العرض، وبدل أن يكون تجربة وجودية، تحول إلى مادة قابلة للقياس: كم لايك؟ كم تعليق؟ من اهتم؟ من تجاهل؟
أفلاطون كان يربط الألم بالتطهير، والرواقيون كانوا يصمتون أكثر كلما اشتد وجعهم، أما اليوم، فننشر الألم كأننا نقول: "انظروا إلي…أنا أتألم، إذن أنا موجود."
هل نحن فعلا نحزن…أم فقط نتدرب على أن نبدو حزانى بشكل مؤثر؟