الخميس 28 مارس 2024
في الصميم

خيانة محمد السادس بالدارالبيضاء!!

خيانة محمد السادس بالدارالبيضاء!! عبد الرحيم أريري

من بين المشاهد القوية في فيلم «ستالينغراد» للمخرج «جون جاك أنو»، والذي تدور أحداثه حول الحرب العالمية الثانية، مشهد حلول جينرال من القيادة العامة السوفياتية ليأخذ زمام الأمور في الحرب التي كانت تخوضها الاتحاد السوفياتي ضد جيوش هتلر. إذ بعد توالي الهزائم في صفوف السوفيات تم إرسال هذا الجينرال الذي اجتمع بضباط المخابرات «كا جي بي»، وخاطبهم قائلا: "أن تسقط موسكو في يد الألمان، مسألة عادية. أن تسقط مدينة كييف لا يهم. لكن أن تسقط «ستالينغراد»، فهذا أمر مرفوض بتاتا، ذلك لأنها المدينة الرمز. إنها المدينة التي تحمل اسم رمز الاتحاد السوفياتي، أي ستالين".

 

هذا المشهد ينطبق بامتياز على الموضة التي تتبناها المدن المغربية في إطلاق اسم محمد السادس على الشوارع بدون أن تكون (أي المدن) لها القدرة على تبرير هذا الاختيار، ولماذا أطلقت اسم محمد السادس على هذا الشارع دون ذاك، وما هي المعايير المعتمد، وما هي الكلفة اللازمة؟

 

فإذا كان المغربي يحتفل بضيف ما عبر تقديم الحليب والتمر له، فإن الدار البيضاء اختارت أن تحتفل بمحمد السادس فور توليه الحكم بـ «إهداء» شارع مديونة له، عبر تغيير هذا الاسم وإطلاق اسم محمد السادس على أهم محور طرقي بالمغرب، بالنظر إلى كثافة الصبيب المروري الذي يشهده طوال اليوم، فضلا عن كونه يخترق تراب خمس عمالات وإقليمين، وتتقاطع معه أهم الشوارع بالدار البيضاء.

 

إلا أن هذه الهدية كانت هدية «مسمومة» بالنظر إلى أن شارع محمد السادس (طريق مديونة) لم يحظ بأي بعد عمراني في التهيئة الحضرية رغم مرور 20 سنة على إطلاق اسم الملك عليه. فالشارع محتل بالباعة المتجولين وواجهات مبانيه متسخة تشوه البصر وتلوث الأعين، وأثاثه الحضري mobilier urbain  متآكل وشائخ، وجنباته تحولت إلى مزابل متوحشة، رغم أنه الشريان الرئيسي الذي يمد الدار البيضاء بعاصر القوة والأموال (قيساريات مهمة، أسواق معروفة على الصعيد الوطني، محلات تجارية ضخمة، فضلا عن وجود كثافة سكانية بمحيطه). ورغم أن الشارع يحتضن منبع الحكم والسلطة (القصر الملكي)، فإن ذلك لم يشفع في تنبيه الأجهزة العمومية إلى أغلاطها في التسرع بإطلاق اسم محمد السادس على هذا الشارع.

 

فإطلاق أسماء الرموز (عائلة ملكية، مقاومون، زعماء أحزاب، أبطال رياضيون، فنانون، مبدعون، أحداث تاريخية مهمة...) يقننها القانون التنظيمي للجماعات، وأخضعها لمسطرة صارمة. والمشرع حينما قنن هذه التسميات فلأنه اقتدى بما يجري بالدول المتمدنة التي تحرص على أن تكون الأسماء الرمزية المنتقاة لإطلاقها على مكتبة مهمة أو مطار أو حي أو جامعة أو مستشفى، بمثابة وفاء لصاحب التسمية أو لحادث تاريخي من جهة، ولتكون بشرى للقاطنين بالشارع أو الحي أو المنتفعين من المرفق المعني من جهة أخرى. بينما في المغرب يتم تدنيس هذه الأسماء بترك الفضاءات والأحياء والشوارع التي تحملها، تعيش في مستنقع الأزبال والتردي والتشوه الحضري.

 

فلو أخذنا مجموع المصاريف التي أنفقت على شارع محمد السادس بالدار البيضاء طيلة 20 سنة، نجد بأنها لم تتعد 2000 درهم (ألفي درهم)، وهو ثمن اللوحات القصديرية المكتوب عليها الاسم والمثبتة على طوله، أي أن اسم محمد السادس لا يساوي سوى 100 درهم! إذ ماعدا هذا المبلغ، فإن الشارع لم ينعم أبدا بأي تجديد عمراني أو تهيئة حضرية تكون في مستوى أهمية الشارع ووظيفته، وتكون في مستوى رمزية صاحبه.

 

والظاهر أن الاستهتار برموز المغرب، لم تقتصر على محمد السادس لوحده، فها هو جده محمد الخامس الذي أطلق اسمه على أجمل شارع بالدار البيضاء، والحاضن لأروع البنايات الكولونيالية تحول إلى مزار للمتسكعين والمتشردين بعد أن كان البيضاوي الراغب في زيارة شارع محمد الخامس، في ما مضى، يضرب أخماسا في أسداس، وكأنه «حارك» إلى السويد، فتراه يرتدي أجمل الثياب ويتعطر بأطيب العطور، لأن شارع محمد الخامس كانت له قدسية عمرانية وجمالية، فافتقدها اليوم نتيجة ضعف الأفق الحضري للذين يتولون تدبير الشأن العام بمجلس المدينة.

 

وحدها مراكش التي تمثل الإشراقة البارزة في التخطيط الحضري المفكر فيه، عبر لجوء صندوق الإيداع والتدبير إلى تمويل تهيئة شارع محمد السادس (وهو شارع حديث) بطول خمسة كيلومترات تقريبا، بما يتناسب وحاجة المراكشيين إلى شارع يمثل قطب جذب مغر ويفتح شهية الزائر للتجول فيه.

 

لكن حالة مراكش، إذا كان البعض يعتبرها استثناء، فبالإمكان اعتبارها حجة ضد السلطات العمومية في التمييز بين سكان المدن وضرب مبدأ المساواة بينهم في الانتفاع بحق التجول والمرور بشوارع جميلة، مزهرة، ومضاءة، ومهيأة بشكل يتناسب مع الألقاب التي تطلق عليها.

 

فالسلطات إن لم تكن لها القدرة على تحمل الكلفة المادية أثناء اختيار أسماء الرموز بالشوارع والساحات والأحياء، فمن الأحسن أن تنكمش احتراما لأصحاب الأسماء وللسكان المجاورين لهذه الفضاءات.