الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد يحياوي: فتنة أمريكا أكبر من قتل جورج فلويد

رشيد يحياوي: فتنة أمريكا أكبر من قتل جورج فلويد رشيد يحياوي

عندما رأيت الفيديو الذي صور جورج فلويد وهو يختنق تحت ركبة ذلك  الشرطي الأمريكي المتعجرف في مينيابوليس، أخذتني العبرة وأنا أستحضر وضعية عشرات الملايين من الأفارقة المكبلين المهجرين قسرا والممددين على ظهورهم أو على بطونهم، حيث قضوا اختناقا في بواخر الموت في عذابهم من أفريقيا إلى أميركا...

 

وتمثلت أمامي أحداث آلاف الريفيين المستضعفين من الأطفال والنساء والرجال الذين لا يستطيعون حيلة، وهم يختنقون بغاز الخردل للجيش الإسباني المصنع في ألمانيا والمستخدم لأول مرة في تاريخ البشرية في جبال الريف لقمع الثوار البواسل لمولاي محمد بن عبد الكريم الخطابي...

 

وتألمت لمقتل آلاف الأبرياء من اليابانيين العزل الذين خنقهم لهيب و جحيم القنابل النووية التي ألقى بها الأمريكان على ناكازاكي وهيروشيما، بعد أن ضاقوا ذرعا بجيش الاستشهاديين في ساحة المعركة في الحرب العالمية الثانية...

 

واستحضرت صورة باتريس لومبا وهو يصفى بأيدي المستعمر البلجيكي، عندما رفض "النظام الاستعماري واستغلال الإنسان للإنسان" في  بلده الكونغو...

 

وتألمت لمعاناة ملايين الأطفال والنساء اليمنيين والسوريين المخنوقين تحت ركام منازلهم ومساجدهم المدكوكة عليهم بصواريخ ذكية مسيرة من طرف عقول غبية.

 

واستحضرت غبن أجدادنا الذين نقلوا في عهد المستعمر الفرنسي من بلادهم إغراء من أجل العمل في قعر حفر مناجم فرنسا، فقضوا اختناقا وسط ركام مظلم في ظروف عمل لاإنسانية، فصاروا نسيا منسيا... 

 

حقا إننا نريد أن نتنفس كما همهم جورج فلويد وهو يئن، فركبة هذا المستبد القديم الجديد الجاثم على أعناقنا ثقيلة ولا نقوى على تحملها، هذا الذي كان إلى وقت قريب يعد -من طرف الذين غلبوا على أمرهم- امتدادا لمسيرة الحضارة الإنسانية، ها هو يدحرج قيم العدالة والمساواة إلى قعر البئر في الغرب، كما كبكبها من قبله كراكيزه الدواعش في الشرق.

 

ما حيلة "المعذبين في الأرض" حسب تعبير مناهض العبودية فرانس فانون؟ هل إلى هؤلاء المتمدنين المستعمرين، أم إلى هؤلاء البدو المتصحرين...

 

لا مفر، فأينما يولون فثمة بؤر الإرهاب لهم بالمرصاد.. وأقنعة الأمريكان في شرق الأرض ملونة بطائفية و تفرقة وتكفير وإرهاب، ومن ثم قتل وإبادة.. وأقنعتهم في الغرب عنصرية وإقصاء وتمييز، فإنكار فخنق تحت ذرائع شتى... والسود والبيض عند الأمريكان سيان، لا فرق عندهم بين عربي وفارسي ولا بين أفريقي وآسيوي إلا بالخضوع لمولاتهم أمريكا.

 

أليس هذا ما صرح به من قبل رئيسهم الأسبق جورج بوش الصغير حين قال "لا خيار وسط، إما أن تكون معنا أو ضدنا"، فمن لا يرضى بسياسة الخضوع والخشوع في حضرة المستبد الأمريكي سيخنق إما اقتصاديا أو اجتماعيا بشتى أنواع العقوبات، وإذا لم ينفع معه ذلك، فسنسحقه بالسلاح المدمر من طيارات ودبابات وصواريخ، وهلم شرا...

 

هذا في الخارج، أما في الداخل فركبة رئيسنا وركب رجال أمننا بالمرصاد لمواطنينا إن لم يخنعوا ويخضعوا منقلبين.

 

إن سماء أمريكا لا تمطر حبا ولا عدلا و لا مساواة، فلا يجوز عندها حق إلا من أتى بقلب ذليل.. وجيب سخي، وقال إنني من الخاضعين، كان هذا لسان حالها.. أما وقد تصدعت أركان عروش حضارتها، وأخذت الفتنة تأكل الأوتاد؛ فملامح تشتت وفتن لا قبل لهم بها أصبحت تهدد أمة كانت بالأمس القريب تحسب أن لم يخلق مثلها في البلاد

 

ولكن يبدو أن ربك صب عليها صوت عذاب...