الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني : عن الجائحة والحجر والخبرة والسياسة وأخواتها

عبد الرحمان العمراني : عن الجائحة والحجر والخبرة والسياسة وأخواتها عبد الرحمان العمراني
أثار موضوع الحجر الصحي، مدته ومداه، فائدته، انعكاساته وتداعياته الجانبية، سلسلة من ردات الفعل المختلفة ،تزايدت خلال الفترة الأخيرة مع اقتراب نهاية مدة التمديد الثانية يوم عاشر يونيو الجاري.
إثارة النقاش العمومي في حد ذاته ظاهرة صحية لا يجوز التعامل معها بتشنج او ضيق صدر أو استخفاف أو بمنطق اصمت يا هذا ما دمت لست خبيرا  تستطيع أن تفهم وتطوع كلام علماء الفيروسات ومختصي المناعة.
الموضوع كبير يهم حياة الناس ومعاشهم وتوازنهم الوجودي برمته ولا يستقيم والحالة هاته أن تصبح  مقولة الخبرة  والاختصاص،  فزاعة او كمامة إضافية يضعها الناس فوق الكمامة الطبية ويمضون إلى حال سبيلهم لا تتململ لهم شفة ولا ينطق لهم عقل.
مهلا!
لننظر من حولنا في الأقطار الديمقراطية التي نطمح أن نكون اندادا جديين لها. ولننظر كيف تدبر البريفيناتbriefings اليومية أو الدورية في موضوع الجائحة، ولنتأمل كيف يدار النقاش العمومي في موضوع الجائحة وكيف يحضر بشكل متواز ومتوازن خبير المناعة والايبيديمولوجيا ورجل الاقتصاد والمالية  والمسؤول الحكومي  والسوسيولوجي  والخبير النفسي، وكيف  تتفاعل مدخلات النقاش مع أسئلة واستفسارات الصحفيين الذين يعتبر دورهم حاسما لأنهم  ينقلون بدورهم ما يعتمل في المجتمع وأطره وكفاءاته من اراء واستطلاعات وحدوسات، وكيف يعطي الخبير المجال للسياسي حينما يكون للسؤال المطروح ما يبرر ذلك أو يطلب خبير المناعة من الاقتصادي أن يتقدم للإجابة عن أسئلة يراها في غير مجاله.
أكثر من ذلك فإن ساحة النقاش العمومي  في المجتمعات المفتوحة -بتعبير كارل بوبر- تتسع لكل الآراء والاطروحات بما في ذلك تلك التي تنأى بنفسها عن التيار الغالب. كما حدث في بريطانيا حيث تعامل الإعلام بنفس ديموقراطي وأعطى حق التقديم والتوضيح والسجال للصحفي والكاتب الشهير Peter Hitchens الذي ظل منذ البداية يردد بإصرار  ضمن اخرين-ان اختيار الإغلاق الاقتصادي في محاربة الجائحة كان كارثة. the lockdown was a catastrophe  ظل يرددها في كل المنابر.
ظل بيتر هيتشينز يتلقى دعوات الحضور من كبريات الوسائط الإعلامية يقدم ما يعتبره حججا تدعم أطروحته ولم يحصل أن ضايقه في حق تقديم رأيه سلطة معرفية او سياسية أو إدارية أو جناءية.
وفي الولايات المتحدة يكتب كروكمان (نوبل اقتصاد) مرتين في الاسبوع على الاقل عموده في النيويورك تايمز ،الذي صار موضوعه الأساسي هو الجاءحة وتداعياتها المالية وانعكاساتها على مجمل السياسات القطاعية ،ولا أحد من الايبديميولوجيين مثلا يدعي ان كلام الاقتصادي في موضوع الجائحة  لا لزوم له أو زائد أو لا أولوية له. بل بالعكس الكل ينصت لما يقوله بإمعان وباحترام. 
ونأتي إى بيت القصيد  هنا وهو دور وموقع وخاصية ووظيفة الخبرة في المجتمع الديمقراطي وعلاقتها مع إدارة الشأن العام ومكانتها  والحدود المرسومة لهذه المكانة عند التداول في القضايا العامة.
والمسألة دقيقة للغاية، ونكتفي هنا بمثال قريب. خلال البريكست برز نقاش عميق حول دور الخبراء. ولكثرة ادعاء الخبراء أحقية احتكار الكلمة في موضوع تداعيات البريكست على الاقتصاد وإزاحتهم الحس العام والحدس العام والمعرفة الشعبية للناس، من فرط ذلك ظهرت نزعة معاداة الخبرة والخبراء وتبناها -لأغراضهم السياسوية طبعا- سياسيون شعبويون، واستثمرها بوريس جونسون وصارت حصان طروادة في حملته لصالح بريكسيت.
نفس الشيء حصل في أمريكا بخصوص التبرم من ثقل خبرة زمرة العارفين pundits، خبرة  أصبحت تنزل كالرعد، تفصل في القضايا قبل إفساح المجال للناس للتداول وإبداء الرأي،  مثلا في موضوع فوائد وسلبيات الانفتاح التجاري العولمي. واستغل ترامب هذه النزعة المعادية للخبرة واستثمرها لصالحه سنة 2016 وما بعدها.
وانتعشت نزعة معاداة الخبرة anti expertise وكانت لها نتائج وتداعيات غير محمودة في الحقل السياسي. 
ولكن التوجس من هيمنة مطلقة لخبرة تقبض على أنفاس السياسة وتزيح النقاش العمومي والتداول الديموقراطي إلى الهامش لم يكن توجسا زائدا أو غير مبرر أو شعبوي بالكامل.
كان له بالطبع ما يفسره.. وما يبرره.
وإذن ماذا؟
في المجتمع الديمقراطي الناضج لا مجال ولا مكان  للسياسيين أو الإداريين أو أصحاب سلطة يتخذون القرارات بمعزل عن الخبرة والمشورة والدراية العلمية من ذوي المعرفة والاختصاص. هذا شيء لا مراء فيه.
لكن في ذات هذا المجتمع الديمقراطي كذلك لا مجال لخبراء يقفلون الابواب على مكاتبهم أو مختبراتهم ويخرجون إلى الناس والى السياسيين أو إلى المؤسسات بقرارات جاهزة نافذة  جامدةلا تحتمل غير التصديق الابله بلا نقاش أو تداول أو إبداء رأي أو تفاعل. 
نعم في الحالة الأولى، عزل السياسة تماما عن الخبرة العلمية  ينتج الوضع نزعة شعبوية.تصادر المعرفة كرصيد انساني وكوسيلة تقدم ورفعة الشعوب والمجتمعات.   
وفي الحالة الثانية -هيمنة للخبرة بلا حدود أو متطلبات- ينتج الوضع نزعة علموية متعالية  تحتقر التداول الديمقراطي باسم خبرة يجري تقديسها كما تقدس الكتب السماوية.  
وليست الديمقراطية في شيء من هذا او ذاك.
لا وجود لهذا في المجتمعات الديمقراطية ،هناك نوع من التوازن. هناك نوع منة chec kand balance -لغة القانون الدستوري- يعطي لكل ذي حق حقه.
واذن ماذا في المحصلة؟
لا نريد للعلم أن يتحول إلى كهنوت لا يفهم أسراره إلا من هم داخل أسواره المغلقة، أو من أوتي حكمة حكم النبي سليمان الذي خضعت ودانت له مردة الجن ،علما ان العلم منذ أن ذكرنا بذلك العالم Bachelard هو قطائع ووليس استمراريات خطية جامدة.
لذلك لا يسعنا إلا أن نقول لخبرائئا  أظهروا وناقشوا وتداولوا في الشأن العام ولا تكتفوا بإلقاء الخبرة كما يطلق الرماة النبال. Please show up، كما قال كيومو حاكم ولاية نيويورك في مناسبة شبيهة بموضوع هذا الحديث خلال إحدى بريفيناته.أثار موضوع الحجر الصحي، مدته ومداه، فائدته، انعكاساته وتداعياته الجانبية، سلسلة من ردات الفعل المختلفة ،تزايدت خلال الفترة الأخيرة مع اقتراب نهاية مدة التمديد الثانية يوم عاشر يونيو الجاري.
إثارة النقاش العمومي في حد ذاته ظاهرة صحية لا يجوز التعامل معها بتشنج او ضيق صدر أو استخفاف أو بمنطق اصمت يا هذا ما دمت لست خبيرا  تستطيع أن تفهم وتطوع كلام علماء الفيروسات ومختصي المناعة.
الموضوع كبير يهم حياة الناس ومعاشهم وتوازنهم الوجودي برمته ولا يستقيم والحالة هاته أن تصبح  مقولة الخبرة  والاختصاص،  فزاعة او كمامة إضافية يضعها الناس فوق الكمامة الطبية ويمضون إلى حال سبيلهم لا تتململ لهم شفة ولا ينطق لهم عقل.
مهلا!
لننظر من حولنا في الأقطار الديمقراطية التي نطمح أن نكون اندادا جديين لها. ولننظر كيف تدبر البريفيناتbriefings اليومية أو الدورية في موضوع الجائحة، ولنتأمل كيف يدار النقاش العمومي في موضوع الجائحة وكيف يحضر بشكل متواز ومتوازن خبير المناعة والايبيديمولوجيا ورجل الاقتصاد والمالية  والمسؤول الحكومي  والسوسيولوجي  والخبير النفسي، وكيف  تتفاعل مدخلات النقاش مع أسئلة واستفسارات الصحفيين الذين يعتبر دورهم حاسما لأنهم  ينقلون بدورهم ما يعتمل في المجتمع وأطره وكفاءاته من اراء واستطلاعات وحدوسات، وكيف يعطي الخبير المجال للسياسي حينما يكون للسؤال المطروح ما يبرر ذلك أو يطلب خبير المناعة من الاقتصادي أن يتقدم للإجابة عن أسئلة يراها في غير مجاله.
أكثر من ذلك فإن ساحة النقاش العمومي  في المجتمعات المفتوحة -بتعبير كارل بوبر- تتسع لكل الآراء والاطروحات بما في ذلك تلك التي تنأى بنفسها عن التيار الغالب. كما حدث في بريطانيا حيث تعامل الإعلام بنفس ديموقراطي وأعطى حق التقديم والتوضيح والسجال للصحفي والكاتب الشهير Peter Hitchens الذي ظل منذ البداية يردد بإصرار  ضمن اخرين-ان اختيار الإغلاق الاقتصادي في محاربة الجائحة كان كارثة. the lockdown was a catastrophe  ظل يرددها في كل المنابر.
ظل بيتر هيتشينز يتلقى دعوات الحضور من كبريات الوسائط الإعلامية يقدم ما يعتبره حججا تدعم أطروحته ولم يحصل أن ضايقه في حق تقديم رأيه سلطة معرفية او سياسية أو إدارية أو جناءية.
وفي الولايات المتحدة يكتب كروكمان (نوبل اقتصاد) مرتين في الاسبوع على الاقل عموده في النيويورك تايمز ،الذي صار موضوعه الأساسي هو الجاءحة وتداعياتها المالية وانعكاساتها على مجمل السياسات القطاعية ،ولا أحد من الايبديميولوجيين مثلا يدعي ان كلام الاقتصادي في موضوع الجائحة  لا لزوم له أو زائد أو لا أولوية له. بل بالعكس الكل ينصت لما يقوله بإمعان وباحترام. 
ونأتي إى بيت القصيد  هنا وهو دور وموقع وخاصية ووظيفة الخبرة في المجتمع الديمقراطي وعلاقتها مع إدارة الشأن العام ومكانتها  والحدود المرسومة لهذه المكانة عند التداول في القضايا العامة.
والمسألة دقيقة للغاية، ونكتفي هنا بمثال قريب. خلال البريكست برز نقاش عميق حول دور الخبراء. ولكثرة ادعاء الخبراء أحقية احتكار الكلمة في موضوع تداعيات البريكست على الاقتصاد وإزاحتهم الحس العام والحدس العام والمعرفة الشعبية للناس، من فرط ذلك ظهرت نزعة معاداة الخبرة والخبراء وتبناها -لأغراضهم السياسوية طبعا- سياسيون شعبويون، واستثمرها بوريس جونسون وصارت حصان طروادة في حملته لصالح بريكسيت.
نفس الشيء حصل في أمريكا بخصوص التبرم من ثقل خبرة زمرة العارفين pundits، خبرة  أصبحت تنزل كالرعد، تفصل في القضايا قبل إفساح المجال للناس للتداول وإبداء الرأي،  مثلا في موضوع فوائد وسلبيات الانفتاح التجاري العولمي. واستغل ترامب هذه النزعة المعادية للخبرة واستثمرها لصالحه سنة 2016 وما بعدها.
وانتعشت نزعة معاداة الخبرة anti expertise وكانت لها نتائج وتداعيات غير محمودة في الحقل السياسي. 
ولكن التوجس من هيمنة مطلقة لخبرة تقبض على أنفاس السياسة وتزيح النقاش العمومي والتداول الديموقراطي إلى الهامش لم يكن توجسا زائدا أو غير مبرر أو شعبوي بالكامل.
كان له بالطبع ما يفسره.. وما يبرره.
وإذن ماذا؟
في المجتمع الديمقراطي الناضج لا مجال ولا مكان  للسياسيين أو الإداريين أو أصحاب سلطة يتخذون القرارات بمعزل عن الخبرة والمشورة والدراية العلمية من ذوي المعرفة والاختصاص. هذا شيء لا مراء فيه.
لكن في ذات هذا المجتمع الديمقراطي كذلك لا مجال لخبراء يقفلون الابواب على مكاتبهم أو مختبراتهم ويخرجون إلى الناس والى السياسيين أو إلى المؤسسات بقرارات جاهزة نافذة  جامدةلا تحتمل غير التصديق الابله بلا نقاش أو تداول أو إبداء رأي أو تفاعل. 
نعم في الحالة الأولى، عزل السياسة تماما عن الخبرة العلمية  ينتج الوضع نزعة شعبوية.تصادر المعرفة كرصيد انساني وكوسيلة تقدم ورفعة الشعوب والمجتمعات.   
وفي الحالة الثانية -هيمنة للخبرة بلا حدود أو متطلبات- ينتج الوضع نزعة علموية متعالية  تحتقر التداول الديمقراطي باسم خبرة يجري تقديسها كما تقدس الكتب السماوية.  
وليست الديمقراطية في شيء من هذا او ذاك.
لا وجود لهذا في المجتمعات الديمقراطية ،هناك نوع من التوازن. هناك نوع منة chec kand balance -لغة القانون الدستوري- يعطي لكل ذي حق حقه.
واذن ماذا في المحصلة؟
لا نريد للعلم أن يتحول إلى كهنوت لا يفهم أسراره إلا من هم داخل أسواره المغلقة، أو من أوتي حكمة حكم النبي سليمان الذي خضعت ودانت له مردة الجن ،علما ان العلم منذ أن ذكرنا بذلك العالم Bachelard هو قطائع ووليس استمراريات خطية جامدة.
لذلك لا يسعنا إلا أن نقول لخبرائئا  أظهروا وناقشوا وتداولوا في الشأن العام ولا تكتفوا بإلقاء الخبرة كما يطلق الرماة النبال. Please show up، كما قال كيومو حاكم ولاية نيويورك في مناسبة شبيهة بموضوع هذا الحديث خلال إحدى بريفيناته.