الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: لطخة سواد

وحيد مبارك: لطخة سواد وحيد مبارك
خلّفت وفاة القائد المجاهد سي عبد الرحمان اليوسفي، حزنا عميقا في نفوس الملايين، وليس الآلاف أو المئات أو العشرات، من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، المثقفة منها والمحدودة في العلم والبسيطة، في المدن الكبرى وفي البوادي والجبال، في المغرب وخارجه، مغاربيا وعربيا ودوليا.
إجماع كان ولا يزال يبصم على قيمة ومكانة الرجل في قلوب محبيه، الذين يعلمون علم اليقين ما عاشه في حياته من محن ومصاعب، وكيف واجه الأنواء من أجل وطن ديمقراطي ينعم فيه المغاربة بالديمقراطية والحرية والكرامة.
من قاعدة الهرم إلى قمته، كان الأسى والحزن ومشاعر المواساة والتضامن في المصاب الجلل، هي القاسم المشترك بين الكثيرين، وهو ما ترجمه كمّ وحجم التعازي التي كنا نتلقّاها من هنا وهناك، التي كانت مفعمة بكلمات راقية، تنمّ عن حس أخلاقي رفيع وعن نضج إنساني كبير ورقيّ سياسي عظيم، وعن فضيلة الخلق والدين، وكان هذا السلوك هو القاعدة، ولأن لكل قاعدة استثناء، فقد بيّنت هذه اللحظة الجماعية الإنسانية الصرفة، المقدّرة على الجميع، عن بعض حالات النشاز، وعن بعض اللطخات السوداء، التي تكشف ما هو دفين في بعض القلوب، وأصرّ هؤلاء على أن يكونوا في وضعية شرود خارج إجماع الإنسانية، وأن يتخذوا، كما هي عادتهم، من الهامش موقعا لهم؟
ماذا تعني جملة كلماتها كلها غلّ وحقد؟ وأية رسالة يمكن أن يبعثها "حساب فيسبوكي" مرقونة بأصابع أظافرها من كراهية؟ وهل هناك إدانة لصاحبها أكثر من تلك التي ينشرها جاحد ناقم، لا يميز بين لحظة المفروض أنها للسكينة وللتأمل والتدبر في مآلات الكون بأسره، وليس الأفراد لوحدهم ؟ وهل هناك ما هو فعل آثم قاتم أكثر من لطخة على نصب تذكاري، شكّل اعترافا بقيمة الراحل ومكانته، يقف شامخا منتصبا، لم تنل منه "طاشة" عقيمة ولم تزحزحه عن مكانه أو تقلل من شموخه.
هل يعلم أصحاب "الطاشة" أن فاعلين سياسيين في دول متعددة، ومواطنين هنا وهناك، ينظرون للقائد المجاهد السي عبد الرحمان اليوسفي بنظرة فخر واعتزاز، وهو المعلم والحقوقي والسياسي والإعلامي والجمعوي، الذي شكل قاموسا غنيا بالدروس والعلم، الذي نهل منه الجميع، والذي يعتز فوج من ضباطنا بحمل إسمه وهم يرددون النشيد الوطني، فأي فخر وأي اعتزاز، أن تكون محبوب الملايين، بفضل بساطة وتواضع وزهد ويد نظيفة لم تطل المال العام، وعفت عما يمكن أن تتسلمه وحولته لخدمة العالم القروي ولمجالات عديدة؟
أي رجل هذا، الذي يجعل 30 دولة تمد يد السلام للمغرب، وتجعله فوق أية حسابات أخرى، تقديرا منها لشخصه ولنضاله، وتقرر في لحظة القطع مع ماض آخر، وأن تسجل تراجعها عن اعترافها بالبوليساريو؟ من يمكنه القيام بكل هذا وذاك ... مما لا يعدّ ولا يحصى في سيرة الرجل الطويلة لأجل وطنه، وهو مناضل، وهو مسؤول، وهو متقاعد في منزله؟ من ذا الذي ظل دائما مستعدا لتلبية نداء الوطن، حتى وإن أصاب جسمه في لحظة من اللحظات الوهن، من ظل يوصي بالشباب والمرأة وبالمواطن؟ الأكيد أن هناك عدد من الشرفاء في هذا الوطن، نساء ورجالا، يحملون نفس الهمّ مع القائد السي عبد الرحمان، وهؤلاء جميعهم لا يمكن السماح لمن يتنفّس حقدا بالتطاول عليهم وعلى سيرتهم.
إن كل هذا وأشياء أخرى، لا يمكن لـ "طاشة" تدين صاحبها أن تمس بنقاء وطهارة صفحة بيضاء مشرقة خالدة متجذرة في تربة هذا الوطن.
سينام القائد المجاهد السي عبد الرحمان اليوسفي قرير العين، مرتاح البال، وسينظر إلى سيرته الشامخة الجبناء، وهم يؤمنون في قرارة أنفسهم، بأنها أنظف من قلوبهم المغلّفة في الكراهية والجهل، ففرق كبير بين الطهارة والدرن.