الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

الدكتور الطيب حمضي: رفع الحجر الصحي.. من أجل رجة قوية لتقويم سلوكات خاطئة 

الدكتور الطيب حمضي: رفع الحجر الصحي.. من أجل رجة قوية لتقويم سلوكات خاطئة  الدكتور الطيب حمضي
 
سلوكات لا مبالية واسعة في الفضاء العام، احتفالات بعيد الفطر دون احترازات صارمة في المستشفيات تنقلها القنوات التلفزية: ملاحظتان واحدة عامة، والثانية بسيطة لكن مهمة بسبب حمولتها الرمزية، من جملة ملاحظات كثيرة تَشي بتحديات قد تواجهنا في التعامل مع انتشار الفيروس خلال الأشهر المقبلة. الزجْر مهم جدا، لكن ليس هو الأساس. الإحساس بالمسؤولية والسلوك المُواطن عمادنا للنجاح. 
الاثنان في حاجة لرجة قوية تساهم في إعادة الأمور إلى نصابها من أجل تثبيت النجاحات وعدم التفريط في المكتسبات.  
بلادنا على مرمى أسبوعين من انتهاء الفترة الثالثة من الحجر الصحي. وكيفما كان الحال فان رفع الحجر الصحي قرار ضروري. نتمنى ان يتشبع الناس والمقاولات والمؤسسات بمزيد من السلوك الحضاري والمواطن من اجل دحر الوباء وتسهيل الاستئناف التدريجي للحياة العامة والدورة الاقتصادية. 
وفي كل الأحوال يجب أن يتم رفع الحجر الصحي تدريجيا وبوتيرة أسرع عن الجهات والمناطق والأقاليم والمدن التي سجلت وتسجل نتائج إيجابية، على أن تلتحق المناطق الأخرى بخطوات ربما أقل سرعة ومتناسبة مع معطيات تطور الوباء.
ليس المهم اليوم فقط أن يتم رفع الحجر الصحي، لكن الأهم والأكثر أهمية أن لا تقع انتكاسة ومن ثم العودة لنقطة الصفر، وهو سيناريو غير مرغوب فيه، بل مرعب بالنسبة للجميع: مواطنين واطر صحية وفاعلين اقتصاديين بمختلف أصنافهم. وحتى نكون واضحين: لا أرى الخطورة فقط في عدم احترام الحجر الصحي ولكن عدم احترام الإجراءات الحاجزية وهي التي قد تلازمنا بعض الوقت، وهي سلاحنا ضد موجة ثانية وخلالها إن كان لا بد.
وحتى لا نكون أمام انتكاسة هناك مسؤوليات يجب أن نتحملها: دولة ومواطنين ومقاولات ومؤسسات.
1) الدولة: من خلال السلطات الصحية وغيرها، بالمراقبة الدقيقة لانتشار الفيروس من أجل محاصرته بتوفير شروط التشخيص المبكر والكشف الموسع والواسع للإصابات الجديدة، وتحديد المخالطين بأقسى سرعة، وعزلهم وعلاجهم ومتابعتهم. مضاعفة عدد التحاليل اليومية وتوسيع شبكة المختبرات المعتمدة لتقريبها من الأطباء والمواطنين. ومن خلال مواصلة تعبئة الأطقم الطبية والبنية التحتية لمواكبة أي تطور في الحالة الوبائية، والاستعداد لأي انتكاسة لا قدر الله، والاستعداد الجيد لاحتمال موجة ثانية في الخريف المقبل مهما كانت نسبة قوة أو ضعف هدا الاحتمال. كما أن من مسؤولية الدولة توفير وسائل الحماية بالأعداد الكافية في الأسواق، والسهر على تطبيق واحترام القواعد الصحية المنصوح بها.
2) المواطنون: من خلال الالتزام الصارم بالإجراءات الحاجزية: غسل اليدين بالماء والصابون واستعمال المطهرات الكحولية، استعمال الكمامات، التباعد الاجتماعي، عدم لمس الوجه باليدين إلا بعد تطهيرهما، تجنب الازدحام والتجمعات البشرية ... ومن مسؤولية المواطنين التقدم التلقائي وباستعجال للفحص والمراقبة في حال ظهور أعراض أو مخالطة أشخاص تبين أنهم مصابين بفيروس كورونا المستجد.
3) المؤسسات والمقاولات: من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية توفير ظروف السلامة للموظفين والعاملين والإجراء والزبناء والمتعاملين... وكذا وسائل الحماية الجماعية والفردية.
هده شروط لا بد من توفيرها لتدبير ما بعد الحجر الصحي بسلام، وهي إجراءات على أية حال ستستمر معنا لمدة أشهر أخرى، حتى وان كان بشكل مختلف أما نحو التخفيف أو نحو التشديد، حسب تطور الحالة الوبائية وطنيا وعالميا، وحسب ما سيظهر من معطيات علمية مستجدة، ومدى توفر أدوية فعالة أو تلقيح فعال أو هما معا.
هل نحن سائرون على هذا الطريق الصحيح بسلاسة في احترام الإجراءات المنصوح بها؟ 
على غير عادتي، هده المرة لست متفائلا جدا من التزام بعض الأطراف بمسؤولياتها. وسأتحدث هنا عن ملاحظتين اثنتين من جملة ملاحظات كثيرة لا مجال هنا للحديث ولو عن الجزء اليسير منها.
الملاحظة الأولى: في أخر يوم من رمضان لاحظت خروج الكثير من المواطنين وكثير من الازدحام والكثير من العنف وغياب الكمامات أو وضعها فقط للضرورة القانونية. ليس المهم فقط ملاحظة هدا الواقع ذاك اليوم، وهو استثنائي على أية حال، لكن ما يزعج كثيرا في الصورة هو كون الكثير من الناس تتعامل بخفة كبيرة مع الموضوع معتبرة أن الحجر والكمامة والتباعد أمر لا يهمهم ولا يهم إلا الآخرين، وأن حماية النفس والبلاد هي مسؤولية ملقاة على الآخرين فقط. فئات تتعامل مع الوباء وكأنه مجرد إشاعة تصيب الآخرين فقط!!...هذا الاستخفاف لا يطمئن فيما هو آت من الأسابيع، وهذا الاستخفاف له ثمن، ثمن غالي ...
الملاحظة الثانية: وهي بسيطة، ولكن نوردها لدلالاتها وحمولتها الرمزية. يوم العيد تابعتُ بعض الريبورتاجات التلفزية في القنوات المغربية حول احتفالات الأطقم الصحية داخل المستشفيات بعيد الفطر، بالاجتماع حول الحلويات وكؤوس الشاي. بالصحه والراحه ..
شخصيا أشد على أيادي تلك الأطقم الطبية المرابطة في الصفوف الأمامية، واعتز بعمل الأطقم الإعلامية المتابعة للوباء من داخل الخطوط الأولى لجبهة الحرب ضد الفيروس.  وكذا بإدارات المؤسسات التي بادرت بمعايدة الأطقم المداومة. 
لكن، هل من الضروري جمع طاقم مستشفى بدون احترام مسافة الأمان؟ علما أن الاجتماعات نفسها تتم وفق الشروط الصحية الملائمة فالأحرى شرب كؤوس الشاي!  ونادل يوزع كؤوس الشاي من يد ليد و... أصلا المؤسسات الصحية تتخذ إجراءات حتى لا تلتقي الأطقم الصحية بينها إلا للضرورة القصوى حتى إذا أصيب فرد من طاقم لا يتم تعرض الأطقم الأخرى لاحتمال الإصابة. هل من المعقول الازدحام بين أفراد الطاقم والتعامل مع الكمامات بعكس تماما ما ننصح به المواطنين؟  
هذا الإحساس الخاطئ بالأمان الذي نقلته القنوات بالصوت والصورة هو للأسف نفسه سبب لا مبالاة بعض الناس. بل إن صدوره من مؤسسات صحية قد يطرح تحديات كبيرة. بالإمكان تسجيل التفاتة دون خدش الإجراءات وتكون فوق دلك مناسبة لإعطاء المثل في الاحتراز.
أخاف أن نكون غدا أمام مواطنين ومقاولات ومؤسسات لا تحترم الإجراءات إلا شكليا أو خوفا من العقوبات! الخوف من العقوبات شيء مهم ولا يمكن تجاوزه، وهو يهم بعض الفئات من الناس، التي لا تبالي، لكن الأسلم والأصح والأهم هي أن تحترم أوسع الفئات الإجراءات عن وعي ومواطَنة وإحساس بالمسؤولية. ولكن للأسف لازال البون شاسعا.
هده الهوة يجب ردمها. بلادنا وشعبنا ومؤسساتنا ومقاولاتنا في حاجة ملحة ومستعجلة لرجة قوية، قوية جدا، لاحترام الحجر الصحي فيما تبقى منه من مدة، وهي أسبوعان حاسمان بالنسبة للعديد من المناطق والمدن والجهات. رجة قوية كذلك، وأساسا، للتنبيه للسلوكات الخاطئة والتوعية بخطورتها على البلاد والعباد فيما تبقى من أشواط الحرب التي نواجه فيها جائحة عالمية. 
تراخي الناس من الحجر له أسباب عدة، أهمها طول مدة الحج، ضجر الناس من الالتزام به في وقت آخرون في الشوارع يعرضون البلد للوباء، صعوبة تحمل الظروف الجوية الحارة، البحث عن لقمة العيش... 
وقد تكون هذه الأشعة الشمسية حليفتنا لخفت الفيروس وإن كانت غير مؤكدة. لكن الخطر الكبير هو أن لا نحترم الإجراءات الحاجزية والي بدونها لا يمكن التغلب على الوباء، والأخطر أن عدم التقيد بها والاستئناس بها اليوم في الفضاء العام يعني خطورة كبيرة خلال الخريف المقبل إن كانت هناك موجة ثانية، في وقت يصعب فرض حجر صحي بهده القوة ولا إمكانية التباعد الاجتماعي مثل اليوم في ظروف المطر ودرجات الحرارة المنخفضة. 
علينا التقيد اليوم بالإجراءات الحاجزية من اجل تجنب أي انتكاسة حاليا، ومن أجل التدرب عليها والتكيف معها غدا أن تعرضنا وتعرضت البشرية لموجة ثانية، في انتظار حل جدري بإيجاد لقاح أو دواء فعال أو هما معا.