الاثنين 20 مايو 2024
فن وثقافة

عبد الفتاح المسودي: الحلقة الأولى من السلسلة الأدبية صياغة الأوبئة... أدبا

 
 
عبد الفتاح المسودي: الحلقة الأولى من السلسلة الأدبية صياغة الأوبئة... أدبا عبد الفتاح المسودي، واسيني لعرج(يسارا)

يقف العالم اليوم مشدوها أمام جبروت "الكوفيد19"، جبروت عدو غير مرئي، عدو كان خارج حسابات وتوقعات دهاليز داهقنة السياسة والاقتصاد، والذين حيال عجزهم أمامه أصبح كل ما في متناولهم هو ترويج سلعة بائرة من اللغو لم يعد الناس يعيرونها أي اهتمام .

رغم تسخيرهم لكثير من الأبواق الإعلامية التي مل الناس متابعة زعيق تفاهاتها التي سقط عنها القناع وبهت طلاؤها المزيف الذي كان يحجب الحقيقة التي استيقظ على هولها الجميع . حيث اكتشف الإنسان أنه كان ضحية خطابات جعلته يعيش في طمأنينة مزيفة وحصانة وهمية من عوائد الزمن والتي كان ضامنهما الأساس التقدم العلمي والتجريب التكنولوجي.

لا يعتبر هذا تقليلا من أهمية البحث العلمي، ولا من دينامية التجريب التكنولوجي و لكن هو تنبيه إلى أن توظيفهما كان ومايزال الآن بعيدا عن خدمة الإنسان وضمان عيشه في كرامة. بحيث، ونتيجة لطبيعة النظام الاقتصادي السائد في العالم فإن توظيفهما ـ العلم والتكنلوجيا ـ كان من أجل إخضاع الإنسانية لمنطق الإكراه والتسلط وذلك بالتحكم في عواطفها ورغباتها خدمة لنظام اقتصادي مبني على الاستهلاك.

هل يمكن اعتبار هذه الرجة التي يعيشها إنسان اليوم إحدى فوائد "كورونا" ؟

قد يبدو من الصعب ، بل بالأحرى من غير اللائق الحديث عن فضائل أي و باء ، وخاصة فيروس كورنا الذي ما زال ينشر الهلع في الناس، بحيث إذا طرحنا سؤالا بشكل تلقائي :

ماذا تخلف الأوبئة وراءها ؟

الجواب الذي قد يبدو بديهيا ولن يتلعثم اللسان لكي ينطقه، هو أن الأوبئة لن تخلف إلا انتشار الموت و ما يشيعه من أحزان، والإحساس بالخوف و الرعب وما يسببه من أزمات نفسية. في حين أنه قليلا ما يتم الانتباه إلى أن هذا الجو الجنائزي وما يصاحبه من هلع قد يكون أيضا دافعا للإنسانية لمراجعة أفكارها ، ومعتقداتها ، وتصوراتها حول ذاتها و حول الكون وهذا ما يلاحظه المتتبع اليوم في الرجة الفكرية و القيمية التي أحدثها فيروس كورنا عند جميع فئات الشعوب عبر مختلف أرجاء المعمور . كما أن هذا الجو المأتمي وما يرافقه من حزن و ألم قد يتحول إلى طاقة إبداعية خلاقة ستمنح/ ومنحت للإنسانية أعمالا فنية ما تزال خالدة نظرا لميسمها الجمالي الذي صاغت به الحدث / الوباء .

إن الأدب الإنساني خلق تراكما إبداعيا سواء شعرا أو سردا من النصوص التي تناولت موضوع الأوبئة مما جعل مؤرخو الأدب يصنفون هذه الأعمال ضمن ما أسموه ـ أدب الأوبئة ـ .

فيما يلي التفاتة إلى هذا الموضوع من خلال التعريف بمجموعة من الأعمال الإبداعية التي عادت إلى واجهة الإهتمام إعلاميا على صفحات الجرائد و المجلات الإلكترونية ، وأيضا على صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي .

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الالتفاتة ليست قراءة نقدية لهذه الأعمال ، ولا تحليلا لها بقدر ماهي معلومات ليس لي في أغلبها إلا فضل التجميع وأحيانا التمحيص والفحص والغربلة ، إذ ما هي إلا عصارة لقراءات متنوعة ـ في زمن الحجر الصحي ـ وددت أن أتقاسمها لكي لا تبقى حبيسة الذاكرة و المذكرة الشخصية .

" عيون الظلام " (1)

رواية أعادها إلى الواجهة الوباء، وأعادت صياغتها السياسة:

تنبني رواية (عيون الظلام) للكاتب الأمريكي دين كونتز ، وبحسب الأكاديمي و الروائي الجزائري واسيني الأعرج ،على قصة "بسيطة، تقع آلاف المرات يوميا عبر العالم ... قصة الأم"، كريستينا إيفاس الأمريكية التي وصلت حد الضياع بعد فقدان ابنها داني في حادث باص "الذي تمزق جسده وأصبح من الصعوبة التعرف عليه، منذ تلك اللحظة بدأت الظواهر غير الطبيعية تتكاثر على كريستينا لدرجة بدأت تشك في سلامتها العقلية، بالخصوص عندما عثرت في غرفة ابنها داني على نداءات استغاثة مكتوبة بالطبشور على لوح غرفته ، فتقرر أن تتحقق بنفسها من الحكاية الغريبة ، تصمم على فتح القبر، لكنها تتعرض إلى محاولة اغتيال "...في نهاية الرواية تكتشف الأم كريستينا أن ابنها" داني لم يمت ولكن تم حجزه من طرف علماء ....يجرون تجارب جرثومية ....فيحقنونه بفيروس قاتل ومدمر ..وغير قابل للشفاء ...سلاح مثالي وفتاك لا يصيب إلا البشر .....يصاب الإنسان الذي يمسه الفيروس بدوار ...ثم يليه الإحساس بحالات هيستيريا تتطور تباعا، تدفع بالمريض إلى تمزيق ألبسة الأطباء الواقية الذين يأتون لأخذ المريض لعزله ، يتبع ذلك موت سريع للمريض ".

صدرت أول طبعة لرواية "عيون الظلام" سنة 1981حيث فضل دين كونتز أن يخفي اسمه الحقيقي وينشرها باسم مستعار، رغم أنه كان وقتئذ كاتبا معروفا؟. له سجل كتابي و اختيار إبداعي مبني على التشويق والإثارة من أجل إثارة مشاعر الخوف والرعب.

لهذا لقيت الكثير من أعماله ترحيبا في الإنتاج السينمائي وإقبالا في دور السينما، في هذا السياق تداول القراء هذه الرواية رغم بعض "التوابل" الفنية التي تشتم منها رائحة السياسة وهي تطبخ على نار هادئة ، كاختيار الفضاء المكاني للحدث هوا لاتحاد السوفياتي واسم الفيروس غوركي 400 ، وفسر هذا آنذاك بانخراط كاتبها في الحرب الباردة التي كانت تدور بين المعسكرين الغربي بزعامة أمريكا والشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي .

وفي سنة 1989 صدرت "عيون الظلام" في طبعة ثانية، وهذه المرة باسم صاحبها الحقيقي، ليس لنفاذها من السوق، ولا للزيادة والتنقيح كما جرت العادة في إعادة الطبع. وإنما لأن السياسة تدخلت في إعادة صياغتها من جديد حتى تنسجم مع المتغيرات التي عرفها العالم في تلك الفترة و المتمثلة في غفوة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، والحاجة إلى خصم جديد يحافظ على ضرورة استمرارية الصراع ضمانا لاستمرار عجلة الاقتصاد .

وهكذا أصبحت الرواية لاتشتم منها فقط رائحة السياسة، و إنما تلك "التوابل" احترقت على نار حامية هذه المرة وصهرت بلهيبها حدث الرواية لتعيد تشكيله في الصين عوض الاتحاد السوفياتي، ويصبح فيروس "غوركي 400"هو يوهان 400".

ومع ظهور وشيوع فيروس "كورونا " عبر أنحاء المعمور ذاع صيت هذه الرواية بعد أن أصبحت فقط مجرد عنوان في قائمة الروايات الأمريكية، إذ تصدرت واجهات صفحات الفضاء الأزرق ـ جرائد ـ مجلات ـ وسائل التواصل الاجتماعي ...- على اعتبار أنها الكثير اعتبروها رواية تدخل ضمن "الإبداع الإستباقي" إذ أنها تنبأت منذ أربعة عقود بهذا الفيروس القاتل ببعض تفاصيله الواقعية التي يعايشها الإنسان الآن .

في حين أن البعض اعتبر أن الأمر لا يعدو مجرد مصادفة هيأت بعض شروطها السياسة .في حين أن آخرين ارتكنوا إلى طرح الأسئلة التي تدفع القارئ إلى البحث لا إلى الاطمئنان إلى الجاهز والمتداول ، ومن هذا الفريق الأكاديمي والروائي واسيني الأعرج الذي تساءل حول طبيعة "عيون الظلام"، وهل حقيقية كانت الرواية استباقية ؟ مما يعني أن الكاتب كان يملك معلومات سرية حقيقية استثمرها روائيا ؟ أم أن الإعلام والتسويق ضخما الموضوع لحاجة دعائية ؟ "ليستخلص" أن كل شيء ممكن مثلما يوجد أثرياء الحروب الكلاسيكية، يوجد أيضا أثرياء الأوبئة من مخابر تجارية ، وبشر يستثمرون في مآسي الناس الذين يلتصقون بقشة الغريق في اللحظات الأخيرة " وعليه فإن إعادة الروح في الرواية مرة أخرى كان من وحي السياسة أيضا إذ اعتبر واسيني الأعرج أن الحملة من أجل الترويج لـ "عيون الظلام" هي "جزء من الحرب الأيديولوجية ضد العملاق الصيني".

عود على بدء :

ثلاث محطات عرفتها مسيرة رواية "عيون الظلام" ، في كل محطة نجد رائحة وريح السياسة والإديولوجيا منبعثة من دفتي الرواية تخفت حينا وتشتد هوجاء حينا آخر، لكن بدون أن تكون لها القدرة على إسقاطها فوق الأرض.

عبد الفتاح المسودي، فاعل تربوي