السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

«سمّ» BBC في زمن كورونا!!

«سمّ» BBC في زمن كورونا!! عبد الرحيم أريري

يوم الاثنين 30 مارس 2020، في نشرة الثانية عشرة و45 دقيقة زوالا، بثت قناة BBC بالعربي، تقريرا إخباريا عن مواجهة كورونا بالمغرب.

 

التقرير كان «مخدوما» و«مسموما» ويسير في نفس منحى الخط التحريري الذي دأبت عليه القنوات الغربية، كلما تعلق الأمر بدولة من دول الجنوب.

 

ما هو السم الذي دسته BBC في تقريرها؟

 

تقول القناة البريطانية إن الإجراءات الأمنية المتخذة من طرف السلطات المغربية لمواجهة كورونا لم تثـر شيئا لدى المغاربة بحكم أنهم ألفوا واعتادوا سياسة أمنية قائمة على الاعتقالات!!؟

 

وأضافت أن الحقوقيين متخوفون من أن تستغل الدولة المغربية جائحة كورونا لتشدد القبضة على الحقوق والحريات!!

 

ومن حسن الحظ أن كورونا لم تضرب المغرب لوحده، بل مست مختلف دول العالم، وتابعنا ورأينا كيف أن السلطات الأمنية في «أعرق الديمقراطيات الغربية» كانت حريصة على التقيد الحازم بتطبيق التدابير الاحترازية الخاصة بالحظر والعزلة، لدرجة أن البوليسي الأمريكي والفرنسي والإسباني والإنجليزي والإيطالي كان أشد فظاظة من بوليس كوريا الشمالية في التعامل مع المواطنين الذين يخرقون الحظر الصحي (نحيل هنا على العديد من الفيديوهات بمواقع التواصل الاجتماعي الموثقة للتدخل الهمجي لبوليس «الغرب المتحضر» ضد المواطنين وأحيانا كثيرة تكون تدخلات عنيفة لا تتناسب مع الفعل المرتكب).

 

لسنا هنا في مقام الدفاع عن الحكومة المغربية أو عن القوات العمومية المغربية (فهم فران وكادين بالحومة)، ولكن المثير هو إصرار الإعلام الأوروبي (خاصة الإسباني والفرنسي والبريطاني) على التعامل مع المغرب وكأن هناك سياسة عمومية رسمية مغربية للقمع وبأن الشغل الشاغل للسلطات بالمغرب هو اعتقال كل من يتجول في الشارع وإشباعه ضربا ورفسا وركلا وتقتيلا. في حين يكفي المتتبع اللبيب أن يستحضر صور العنف البشع لقوات الأمن الفرنسية لإخماد احتجاجات السترات الصفراء بالمدن الفرنسية أو تدخل البوليس الإسباني الوحشي ضد المهاجرين (حالة الفضيحة التي هزت بلباو في متم مارس 2020 كنموذج لاعتداء الشرطة ضد مهاجر معاق) أو تورط البوليس الإنجليزي في المئات من فضائح العنف الجنسي ضد الفئات الهشة التي تكون تحت الاعتقال، وهذا يعد أحد أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان، لأن البوليس البريطاني لم يعتقل مئات الأشخاص تعسفا فحسب، بل، واستغل وضعهم تحت الحراسة النظرية لابتزازهم جنسيا. هذا دون أن نستحضر بشاعة العنف الأمني البريطاني ضد المدنيين الإيرلنديين طوال معركة هؤلاء للاستقلال عن الحكم الإنجليزي، وهي البشاعة التي مازالت ندوبها لم تندمل بعد رغم انتهاء «الحرب» بين الإيرلنديين والإنجليز.

 

أما إذا اعتمدنا دراسات الباحث السوسيولوجي الأمريكي "شارل تيلي" (Charles Tilly) حول عنف رجال الشرطة في أمريكا وبريطانيا، فسنصاب بالصدمة بالنظر إلى أن هذا الباحث المرموق (توفي عام 2008) بين في دراساته العديدة أن العنف في المظاهرات والاحتجاجات بالشوارع البريطانية والأمريكية لم يكن مرتبطا بوجود جينات العنف لدى المتظاهرين أو المحتجين (السود أو الباكستانيين أو عمال المناجم ومهمشي الأحياء الشعبية بالمدن الأمريكية والبريطانية)، بل إن قوى الشرطة الأمريكية والبريطانية هي التي كانت تغذي هذا العنف لإثبات شرط وجودها، وهو ما يزكيه باحث آخر مشهود له بالسلطة العلمية في البحث السوسيولوجي، ألا وهو سيباستيان روشي Sebastien Roche، مدير دراسات بـ CNRS الفرنسي الذي سبق أن بين في دراسة مقارنة أن معدل الذين يموتون على يد البوليس البريطاني والألماني هو الأكثـر كل سنة مقارنة مع ضحايا العنف البوليسي بباقي دول الاتحاد الأوربي..

 

فمن هو الجهاز الأمني الأكثـر تعطشا للدم وللضرب واحتقار آدمية المهاجرين والمهمشين والمجنسين: هل هو الأمن المغربي أم البريطاني والأوروبي؟

 

ذاك هو السؤال الذي يحرج BBC ويحرج باقي القنوات الغربية؟!