الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: حركة 20 فبراير.. الحلم الذي يتمدد

عبد الغني السلماني: حركة 20 فبراير.. الحلم الذي يتمدد عبد الغني السلماني
تحل الذكرى التاسعة لحركة 20 فبراير، انطلقت الحركة في غمرة الحراك العام الذي شهدته بعض البلدان العربية، تحت ما يسمى بالربيع العربي، لقد كانت هذه الحركة نقطة ارتكاز أساسية في تحريك المشهد السياسي المغربي تمكنت في وقت قياسي أن تشق طريقا جديدا نحو الإصلاح، فكانت النتيجة سريعة بالمقارنة بحجم المطالب التي أطرت مرحلة انبعاثها والتي تمثلت في وضع دستور جديد.
أهم ما ميز الحركة أنها جمعت الفئات الاجتماعية الأكثر انفتاحا على وسائط الاتصال الجديدة والابتعاد عن الطرق التقليدية، مستثمرة سرعة الوسائط في نقل المعلومة والصورة، وفي الشمولية والاكتساح و السرعة في الانتشار .
لذلك إن حركة 20 فبراير لم تمثل تحديا للدولة بل لعبت دورا محوريا في تجاوز الأحزاب السياسية التي لم تعلن تبنيها لمطالب الحركة أو لوسائل عملها، بل سعت إلى الالتفاف على مطالبها واستثمار شعاراتها من أجل الاكتساح الانتخابي واحتلال مواقع المسؤولية بوسائل قيل عنها ديمقراطية عبر السيادة الشعبية.
بالعودة إلى فهم دور الحركات الاحتجاجية من المنظور السوسيولوجي، لابد من اعتبار أن دور هذه الحركات مرتبط بعمليّات التعبئة المرتبطة بالمجتمعات المُغلَقة سياسيًا، التي لا تمنح فرص جديدة للتعبير، مقارنة بالمجتمعات المنفتحة والديمقراطية، التي تعتمد على آلية الديمقراطية والمواطنة الحقة المُمَثَلة في المُشارَكة السياسيّة والاجتماعيّة، سواء من خلال الأحزاب، النقابات أو الانتخابات العامة، عكس المجتمعات غير الديمقراطية والتي مَثلتها وتُمثلها دول التي عرفت الحراك، حيث تعاني من انسداد القنوات الشرعيّة داخل العملية السياسية كفرصة لممارسة النشاط وتوصيل المطالب، وبالتالي تلجأ مضطرًة إلى سياسات التعبئة باقتحام الفضاء العام من خلال اكتساح الشارع وعبره يتم تحديد سقف المطالب .
إذا كانت الحركات الاحتجاجية تعكس في الواقع “نهوضا اجتماعيا” فإنها انفجار لشحنات غضب، بفعل التراكم نتيجة الشعور بالحيف والغبن والقهر .. مما يدفع فئات واسعة إلى ممارسة فعل الاحتجاج من خلال صيرورة إقصاء داخل مجتمع تتحكم فيه مختلف الأعطاب التي تعيق مسالك الترقي الاجتماعي والتقاسم الفعلي للسلطة والثروة.
حركة 20 فبراير انطلقت من استبطان شعور بالحيف والتهميش نجمت عنه أضرار للكثير من قادتها ... ربما يطالب المحتجون بجبرها لاحقا . بمطالب مركزية ومستمرة "حرية، عدالة ،كرامة اجتماعية " من خلال فضح واقع معاش مرتبط بحكامة التدبير وبمناخ الريبة والاحتياط من أساليب الاستدراج والوعود المعلقة التي خبرها المحتجون وعاينوها طيلة مرحلة من فسحة الأمل المنكسر .
فبالرغم من مآل الحركة فإنها عكست الواقع الذي انطلقت منه: واقع التردد أمام العبور إلى مجتمع المواطنة ودولة الحق والقانون. فالقاسم المشترك بين المتذكرين للذكرى والفاعلين في الميدان هو استبطان المحتجين لخوف كبير أمام المستقبل والتحولات غير المتحكم فيها، في مناطق ما يسمى بالربيع، وتدني شروط إنتاج واقع يفتح الأمل في عمق المجتمع المتأزم نتيجة السياسات العمومية والاختيارات اللاديموقراطية في ظل تحولات دولية تفرض على المغرب سياقاتها وإكراهاتها.
لذلك بلادنا تعرف سيرورة اندماج بطيئة ،لم تكتمل بعد في اتجاه بناء دولة الحق والقانون . من خلال تعميق أسس الوطن كفضاء يتسع للجميع، وككيان للانتماء والعيش المشترك لقواه ومكوناته، لذلك رغم شعار الانتقال الديمقراطي وزمن المصالحة وتجاوز سنوات الجمر والرصاص... ما زال زمننا مهدد بالنكوص والانعكاس السلبي للبناء والانفتاح، مما يكرس ربما تحولا معاقا، نتيجة فعل ديناميات التباسdynamique de l’amalgame)) الذي سيختلط في ثناياه التقليدي والحداثي، المحلي والكوني، المدني والمقدس. ...وفي خضم القلق والخوف الذي يعتصر عقول الماسكين والمراقبين والمحللين، بفعل التحولات الجارية غير المتحكم فيها، ينفجر الغضب المتراكم ويسلك طرقا أخرى لغرض الاحتجاج، ورفع سقف المطالب. وذلك نتيجة خوف المحتجين من الأفق والمستقبل الرمادي، مما يساهم في تدني واستمرار سقوط الهبة المرتبطة برمزية الدولة، التي تتأسس شرعيتها على قوة الإكراه، مما يفسح المجال للمقاربة الأمنية وما تستدعيه من “ثقافة” الإخضاع والتنكيل والعقاب وهذا مالا نريده أن يكون بأي طريقة من الطرق .
لذلك لحظات الاحتجاج؛ والتذكر ؛والعمل؛ على ترسيخ قيم المواطنة في الفضاء العمومي، هي لحظة أمل وأزمة؛ تتسارع فيها مطالب التفكير المتأني العقلاني، ورد الفعل الاحتجاجي الغير المؤطر فكريا وعمليا، وبما أن الشعور المستبطن هو عقلاني وتحت السيطرة لابد من فرض الحوار من أجل انفراج سياسي جديد ينتصر للوطن .إنه الرهان الذي ما يزال في عمقه ومجمله نبيلا ومتساميا، فثقافة المواطنة وحقوق الإنسان هي رهان وعمل مستمر بل مشروع يتطلب تكثيف جهود البؤر الصغيرة التي تحمل ثقافة الفعل المؤسس، من أجل خلق وتطوير حركة اجتماعية حداثية حاملة لثقافة المواطنة وفاعلة في كل فضاءات التنشئة بشكل دائم و مستمر.
عبد الغني السلماني، كاتب وناقد