الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

الشمسي :ثقافة العمل التطوعي منعدمة لدى كبار المسؤولين في المغرب

الشمسي :ثقافة العمل التطوعي منعدمة لدى كبار المسؤولين في المغرب محمد الشمسي
قضية المتطوعات البلحيكيات اللواتي قطعن البحور وآلاف الكيلومترات من أجل النزول بتارودانت للمساهمة في عمل إنساني نبيل يتعلق بفتح مسالك طرقية لفك العزلة عن العالم القروي كانت درسا عرى عن عورة التطرف الذي يعشش في عقول البعض وفضح بؤس ثقافة التضامن والتطوع والتعايش والآيثار رغم أنها قيما أوصى بها الدين الإسلامي الحنيف، فماهو مدلول العمل الجمعوي والتطوعي إذا لم يأخذ بهذه الأبعاد؟ ومتى كان العمل الجمعوي مغنما انتهازيا ماليا وانتخابيا ؟
"أنفاس بريس" إلتقت محمد الشمسي، رئيس جمعية الخير لتنمية البادية، وحماية البيئة ابن سليمان، وأجرت معه الحوار التالي:
لماذا في نظرك ننتظر حضور متطوعين أوربيين ليعطوننا دروسا في شق طريق أو حفر بئر أو صباغة مدرسة بالقرى والأحياء الهامشية ؟
أولا، العمل التطوعي هو سلوك إنساني وهو ثقافة ، ولا يمكننا في المغرب مثلا أن نمنع عملا تطوعيا جاء أهله من خارج المغرب، إلا إذا كان مخالفا للقانون، وعن سؤالك فالأمر لا يتعلق بانتظار من عدمه بقد رما يتعلق بمبادرة كلما كانت محمودة فنحن معها، سواء صدرت عن مغربي أم عن أجنبي ، لكن علينا ألا نبخس العمل التطوعي لعدد من الجمعيات المغربية في القرى والمداشر والجبال وحتى في السهول، وما قامت به تلك الجمعيات من أعمال إنسانية واجتماعية ، هي لا تلقى الرواج الإعلامي، لكن المستفيدين منها يثمنونها .
ماهو دوركم كجمعويين في خلق قيم التطوع لدى الشباب؟
ثقافة العمل التطوعي منعدمة لدى كبار المسؤولين في المغرب ، فكيف نطلبها من المقهورين؟هل سبق لك يوما أن شاهدت أو قرأت عن وزير أو برلماني أو رجل أعمال يحمل معولا أو مكنسة أو فأسا في عمل تطوعي ؟ هل سبق لك أن شاهدت وصلة اشهارية تلفزيونية تشجع على العمل التطوعي ؟ هل سمعت يوما وزارة أو مؤسسة عمومية أو خاصة تفتح باب العمل التطوعي في صفوف الراغبين فيه داخلها ؟ لذلك يصعب على الفاعل الجمعوي أن يسعى لنشر ثقافة العمل التطوعي بشكل أحادي ومعزول، ويبدو خطاب هذه الجمعيات بعيدا عن الواقع ، إلا إذا ربطنا العمل التطوعي بمصطلحات تحيلنا على الجانب الديني من قبيل "الإحسان والتعاون ومد يد العون وعمل الخير..."
لماذا لا تنظمون حملات تطوع بالقرى والمدن وإرسال قيم التآزر والتضامن على غرار ما يقوم به المتطوعون الأوروييون؟ هل فكرتم في خلق شراكات مع هؤلاء في هذا الإطار؟
إذا كان سؤالك يقصد الجمعية التي أتشرف برئاسة مكتبها وهي جمعية الخير لتنمية البادية وحماية البيئة ببنسليمان ، فلنا سوابق عديدة في العمل التطوعي ، سواء على مستوى تطوع منخرطيها في إصلاح مدرسة دوار أولاد وهاب بالجماعة القروية الزيايدة أو بالمساهمة إلى جانب جمعيات أخرى في صيانة وتهيئة المقبرة بنفس الدوار، أما إذا كان سؤالك في شموليته فالجمعيات لم تخلق لتحل محل الوزارات وباقي المؤسسات، والعمل التطوعي له حدوده وإمكانياته مثلما له ظروفه وشروطه ، هل يمكن أن تقنع شابا عاطلا عن العمل وساخطا عن الوضع بالعمل التطوعي المجاني الذي لن يجني منه هو بحسب تفكيره دخلا ؟ ثم إن إنشاء الجمعيات ليس دائما عملا محمودا وإنسانيا، فهناك جمعيون يرون في العمل الجمعوي رافدا ماليا وانتخابيا وابتزازيا، وهناك جمعيات تخلقها الأحزاب لتصنع فيها جيشا انتخابيا وواجهة للدعاية
ما الجدوى من تأسيس الجمعيات، إذا لم تستطع هذه الأخيرة تعبئة الشباب في عمليات التطوع ؟ ماهي الميقات؟ وماهي تجربة جمعيتكم في هذا الشأن؟
سؤال ما الجدوى من تأسيس الجمعيات ؟ وما هو دور الجمعيات ؟ سؤال يجب أن يطرح على المشرع وعلى القانون المنظم لتأسيس الجمعيات، وعلى الرغبة من وراء ذلك، هل هو فعلا نشر قيم العمل الجمعوي القائم على إشاعة العمل التطوعي غير الربحي ؟ أم هو لإضعاف الأحزاب وسحب بساط التأطير من تحت اقدامها ؟ أم هو جاء لتوفير رحبة من الأصوات الانتخابية قصد عرضها للبيع مع كل حملة انتخابية ؟ أم هو وسيلة لتبييض وجه بعض الأحزاب التي يتاجر المنتمون لها في أعمال البر الجمعوي ؟ ...شخصيا لا أجد جوابا، وأرى أن كل هذه الاحتمالات تصلح لأن تكون جوابا ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فنحن لازلنا "نشخبط شخابيط " في العمل الجمعوي، فنحن حديثو العهد بثقافة العمل الجمعوي، ولم نراكم من التجارب ما يكفي لمحاكمة التجربة، ثم إن الجمعيات أشكال وأنواع، ونظرة المسؤولين للجمعيات تختلف باختلاف مكان تموقع الجمعية ، فإن كانت جمعية تابعة مداهنة ورئيسها رهن الإشارة ، فهي تحظى بالدعم المالي والمعنوي بلا حسيب ، ويصبح له مهرجانها وأيامها وغلافها المالي المضمون، وإن كانت جمعية توصف ب"المشاغبة" ورئيسها مغضوب عليه لأنه لا "يعرض منخرطيه للبيع "، ويكثر من الشكايات والتظلمات ويعري على الواقع المؤلم للمنطقة ويطالب بإصلاحه ويهدد بتنظيم الوقفات الاحتجاجية للضغط على المسؤولين فهذا وجمعيته من المغضوب عليهم ، وقد تمنعه السلطة من عقد جمع عام سنوي أو تعرقله في عقده بشتى الوسائل والطرق .
تجربة جمعية الخير لتنمية البادية وحماية البيئة ببنسليمان :
تأسست الجمعية في مارس 2006 ، تقدمنا في السنوات الأولى للتأسيس بمشروع لتهيئة مدرسة دوار أولاد وهاب قصد بناء مراحيض للصغار وبناء سور يصون حرمة المدرسة وتزويدها بالكهرباء، وتم رفض مشروعنا في قرار صدمنا جميعا، رفعنا ما يقارب 120 شكاية إلى كل الجهات بدون استثناء، نشكو فيها انعدام الطرق والمسالك، وحرمان ساكنة عدد من الدواوير من مادة الكهرباء، وانعدام القناطر الموصلة للمرافق الحيوية من مقبرة ومدرسة وسوق، ونظمنا أياما تواصلية ودراسية وتوعوية مع الفلاحين، وأبرمنا شراكات ظلت حبرا على ورق، وساهما بالعمل التطوعي في إصلاح ما يمكن إصلاحه في الدوار في حدود إمكانياتنا، وصارعنا لأجل هدم البناء المفكك لمدرسة الدوار وإعادة بنائها، حتى وصل بنا الأمر إلى رفع شكايات ضدنا من طرف المديرة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية ببنسليمان المعفاة ، وخضعنا لحصص من المسائلة القضائية لأننا كشفنا وفضحنا الواقع المرير الذي يعيشه تلاميذ المدرسة وهم غارقون في الأوحال داخل تلك المدرسة، في قضية اتخذت بعدا وطنيا على المستوى الإعلامي، وخضنا ثلاث وقفات احتجاجية ـ ولو أنه ليست من مهام العمل الجمعوي ـ لكننا اضطررنا لتنظيمها دفاعا عن مصالح وحقوق الفلاحين والفلاحات وأسرهم من منخرطي الجمعية، وحققنا مكتسبات كثيرة للدوار لعل أبرزها الاستجابة لطلب هدم مدرسة البناء المفكك والشروع في بناء مدرسة تليق بقيمة وحجم العمل والمعرفة، وتزويد كل الدوار بمادة الكهرباء، بناء جسر حديدي يربط الدوار بالمرافق الحيوية، وغيرها من المكتسبات التي تحققت على امتداد 13 سنة من العمل الجمعوي، ولا زلنا نناضل ونقاوم لتحقيق ما تبقى، عدونا الأول والأخير هو الهشاشة والأمية التهميش، وسلاحنا هو الدستور والقانون.