الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: الخطاب الملكي.. لجنة ملكية "لتحنيط الحكومة " والعثماني يرسب في الدورة الاستدراكية

محمد الشمسي: الخطاب الملكي.. لجنة ملكية "لتحنيط الحكومة " والعثماني يرسب في الدورة الاستدراكية محمد الشمسي

اتسمت الخطابات الملكية بالصرامة والصراحة والصدق في التشخيص، وفي كل خطاب يرفع الملك من إيقاع اشتغال المؤسسة الملكية متجاوزا وبفارق كبير مؤسسة الحكومة التي تلهث على قارعة المضمار، تلعق جروحها، وتفك اشتباكات وزراءها فيما بينهم مثل "ديكة المكسيك"... غضبة الملك في خطاب العرش لسنة 2019 تمثلت في عدم رضاه عن النموذج التنموي الحكومي، باعتباره نموذجا عقيما استهلك المال والوقت ولم ينتج غير اليأس وانعدام الثقة ودفع  الشباب الى ركوب قوارب الموت، والأزمة لا تكمن في انعدام الإمكانيات المادية والمالية، بل إنها أزمة كفاءات وأزمة عقول وأزمة أطر وأزمة عقليات. والملك هنا يرمي باللائمة على الأحزاب السياسية التي هجرتها النخب والمهارات ولم يبق فيها غير "ما عاف السبع " شرذمة من الانتهازيين الجهلة من عديمي الضمير والحس الوطني ممن يتخذون من الفعل السياسي مهنة... ولأن انتقادات الملك للعمل السياسي في سابق الخطب الملكية لم تأت بنتيجة، فقد قرر الملك تعيين لجنة خاصة بالنموذج التنموي في مستهل شهر أكتوبر المقبل، تتكون من كفاءات ومؤهلات، من القطاعين العام والخاص من أهل إبداع الأفكار وسن المقترحات، من شأنها البحث في أسباب التقهقر التنموي الذي تعيشه المملكة والذي ظل عصيا على التصويب والعلاج .

 

ولم يفت الملك أن يؤكد على ضرورة ضخ طاقات مجددة ومتجددة في حكومة العثماني، بما يعني التخلص من وزراء يشكلون حمولة زائدة، وهم بمثابة قوة جذب للخلف، واستبدال المسؤول الخائب الفاشل، بآخر ماهر وفطن ومتخصص، رغم أن السؤال الذي يفرض نفسه هو مدى أهلية العثماني نفسه على رأس الحكومة، وهو الذي سبق وسقط في امتحان حمل حقيبة الخارجية.

 

والخلاصة من الخطاب الملكي أنه لا جدوى من هذه الحكومة التي أخذت من الوقت ما يكفي لخلق تنمية بشرية يظهر أثر نعمتها على العباد والبلاد، وأنها حكومة غرقت في اللغط والصخب والتباكي مع كثير من التنابز السياسي، وحصل وزراؤها على رواتبهم ظلما وعدوانا ...

 

ورغم أن الخطاب الملكي نفى أن تكون اللجنة المزمع تشكيلها حكومة ظل أو حكومة موازية، إلا أن إحداث تلك اللجنة للقيام بمهام هي من صميم مهام الحكومة، إن لم يكن تجميدا للحكومة، فالأمر قريب من عملية "تحنيطها"، ليبقى هيكلها هي وأحزابها الكثيرة بلا فائدة مجرد ديكورات لتأثيث المشهد السياسي المغربي حتى لا تعيرنا الجمعيات الحقوقية الدولية.

 

وقد استهدف الخطاب الملكي أربعة قطاعات دون غيرها رآها الملك لا تسير وفق ما ينتج الثروة ويحقق العيش الكريم للمواطن، وهي التعليم والصحة والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي. فأما التعليم والصحة فقد تحول وزيراها السيدان أمزازي والدكالي إلى إطفائيين أتعبهما إخماد نيران المسيرات والوقفات والإضرابات التي خاضها الأساتذة المتعاقدون وشلوا بها حركة التعليم العمومي فزادوه رهقا على رهق، وخاضها الأطباء والصيادلة والممرضون وطلبة كليات الطب في قطاع مريض وينزف. فأما التعليم فقد ضل طريق العلم وسار بثبات نحو طريق الجهل و"التجهيل"، فتراكمت الشواهد وغابت الكفاءات. وأما الصحة فبطاقة "رميدها" لا تضمن لصاحبها حتى دخول المستشفى العمومي، وإن تجاوز "حاجز السيكيريتي" وجد طبيبا أعزلا وممرضة تخبره أن كل التجهيزات الطبية معطلة، فيخرج من المستشفى بموعد عمره أكثر من نصف سنة. لذلك وضع الملك القطاعين في أولوية أوليات اللجنة المرتقبة، فلا تنمية بشرية بدون مواطن متعلم وسليم البدن. ثم جاء الدور على القطاع الفلاحي الذي يعاني من شبح الجفاف والسنوات العجاف، ومن ندرة الماء، ومن زحف العمران والصحراء لابتلاع المساحات الصالحة للزارعة، ثم من أمية فلاحية تتفشى في صفوف فلاحين لا قبل لهم بالتطور العلمي والتقني الحاصل في القطاع الفلاحي. وبوضع الملك للفلاحة في خانة القطاعات المعطوبة مع التعليم والصحة، يثار سؤال حول مصير ملايير الدراهم التي رصدت وأنفقت على برنامج مخطط المغرب الأخضر. فقد توقع المتتبعون أن يخصص الملك للفلاحة فصلا من الثناء والمديح واعتبارها نموذجا في خلق فرص الشغل والمساهمة في رفع قاطرة الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى ما يتم الترويج له من نجاحات هلامية يوشك وزيرها السيد أخنوش أن ينسبها لنفسه ولحزبه ويركب عليها في كل محفل أو مهرجان أو معرض فلاحي، فها هي غلة أخنوش تجف وتيبس وتهوي إلى القاع مع جثتي الصحة والتعليم.

 

وأما قطاع الاستثمار ومعه النظام الضريبي فهما مرتبطان بالحكامة وسيادة روح القانون، لأن المستثمرين يعانون أشد المعاناة داخل أروقة عدد من الإدارات، تقوم كلها على الابتزاز والرشوة والتماطل وعرقلة لمشاريعهم حتى يدفعوا، بل إن من بعض المسئولين من يشترط على المستثمر نسبة في الأرباح أو في المشروع برمته... ولعل في ترشيد النظام الضريبي عن طريق خلق عدالة ضريبية، وفي استمالة رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في بلدنا عوامل تعود بالنفع على توفير فرص الشغل، واحتواء الشباب العاطل.

 

كان على الوزراء الذين خص الملك قطاعاتهم بالاسم وقرر أن يخلق لها لجنة، أن يقدموا استقالات جماعية وطوعية، فقد ثبت عجزهم عن القيام بمهامهم، وهذا ليس عيبا، لكن العيب أن يظل الوزير جاثما على أنفاس الأمة ينعم في مالها وسلطتها ومتاعها دون أن يقدم لها شيئا.

 

وأما السيد العثماني، فأثبتت السنوات أن ثوب رئاسة الحكومة أكبر منه بكثير، وأن الرجل لا يملك ما يعطيه، وأنه بالكاد يستطيع تركيب جملة مفيدة أمام وسائل الإعلام، وأنه يتعثر ويتلعثم. وهذا راجع الى أنه لم يكن يتوقع تعيينه في المنصب المذكور، وأنها فقط رياح السياسة هي التي دحرجته للمنصب باعتباره الرجل الثاني في "الحزب الأول" بشهادة صناديق الاقتراع "والله يسمح لهاديك الصناديق".

 

في الختام، ورغم ما يقال بأن المؤسسة الملكية تستغل حالة الترهل السياسي الحزبي والحكومي لتكسب النقط، وأن الحل يكمن في تقوية هذه الاحزاب عن طريق سن قوانين صارمة لا تمنح الحياة السياسية إلا لمن يستحقها، فإن الشعب لن ينتظر إلى أن تشفى الحكومة وتتعافى الأحزاب من أوبئتها ليحقق تنميته... وإن هذه المرحلة ضرورية للمرور نحو الديمقراطية الحقة ما دمنا نقوم فقط بتسخينات على مشارف ملعب الديمقراطية.