الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

سيرة رجل سلطة:الحسن مختبر .. من لاعب كرة قدم إلى التنظيم السري المسلح (الحلقة5)

سيرة رجل سلطة:الحسن مختبر .. من لاعب كرة قدم إلى التنظيم السري المسلح (الحلقة5) الحسن مختبر
في سياق توثيق الذاكرة السياسية لمغرب الستينيات والسبعينيات، واحتفاء بالأسماء التي أدت ضريبة النضال من أجل التقدم والديمقراطية، نستعيد في هذه الصفحات مقاطع من سيرة المناضل مختبر الحسن، المحامي ورجل السلطة، الذي فرح بالحكم عليه بالمؤبد لأن قبله تناثرت أحكام الإعدام ونفذت بعد ذلك.
انطلاقا من مرحلة النشأة والتكوين بدرب الكبير بالدارالبيضاء، مرورا بالتحاقه بالدرس الجامعي، وتحديدا بخلايا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم لاحقا بالعمل كقائد بمنطقة واد لاو بشمال المغرب، السيرة تبرز التفاصيل: لقاء الحسن الثاني- لقاء عمر دهكون- الفقيه البصري- اغتيال الجنرال أوفقير - زيارة الشهيد عمر بنجلون في السجن وبعد الطرد الملغوم، ويروي لنا قصة باخرة السلاح التي لم تتمكن من دخول بحر شمال المغرب لأسباب لوجيستية، وقائع الاعتقالات والمحاكمات، اغتيال الشهيد المهدي بنبركة، النقاشات داخل الحقل الطلابي وما ترتب عنه من جدل بين مكونات اليسار المغربي وتفاعلات الانقلاب العسكري وانتهاء باستراتيجية النضال الديمقراطي التي آمن بها أشد الإيمان ومازال لم يبدل تبديلا عنها داخل صفوف الاتحاد الاشتراكي بكل تواضع وإيمان ... عضو نشيط في التنظيم السري المسلح، واضع خرائط قيادة ومحيطها بالجنوب... رجل يحب الفن والثقافة ولاعب كرة القدم الذي تغير مساره للكفاح المسلح:
 

لقائي الأول مع الفقيه البصري وتوجيهي للولوج إلى المدرسة الإدارية لتكوين الأطر

انتهت المرحلة الجامعية، كيف جاء اللقاء الأول مع محمد الفقيه البصري؟

سنة 1966، حصلت على الإجازة في الحقوق، وصادف ذلك أول لقاء لي مع كل من الفقيه البصري ومصطفى القرشاوي في مقر الحزب بالدار البيضاء، شارع علال بن عبد الله، المقر الذي اعتقل من داخله مجموعة من المناضلين سنة 1963. في صباح اليوم الموالي، وقد كنت نائما في ما العائلة تواصل احتفالها بنجاحي، جاءت والدتي لتخبرني بأن شخصا ما يسأل عني، خرجت فوجدت رجلا بدراجته الهوائية، حياني ثم قدم لي نفسه، عمر دهكون، وسلمني دعوة من مركز الحزب، وبما أنني لم أكن أعرف المركز، فقد أرشدني إليه، لأن عناويننا الشخصية في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في الرباط، كانت ترسل إلى الأمانة العامة للحزب لتيسير عملية الاتصال عند الحاجة إلينا في تأطير أوما شابه.

ذهبت بعد ذلك إلى مقر الحزب فوجدت محمد الفقيه البصري ومصطفى القرشاوي، الذي كان مداوما في تلك الفترة، أفتح قوسين هنا لأقول بأنني كنت أعتبره رجلا عظيما، كان عصاميا ونبيها جدا يتمتع بذاكرة قوية ورؤية ثاقبة، دخلت المقر فوجدت بعض الشباب الذين لم أعرف منهم سوى محمد طلال، التقيت محمد البصري على انفراد، ودار بيننا الحوار التالي :

- أين تشتغل الآن؟

- حصلت على الإجازة في القانون العام.

- مبروك، وفي ماذا تريد أن تشتغل؟

- في المحاماة أو وزارة الخارجية.

- جميع إخوتك التحقوا بالمحاماة.

- ماذا تقترح علي؟

- أريدك أن تكون " عيننا " عند العدو.

- كيف؟

- يجب أن تلتحق بالمدرسة الإدارية لتكوين الأطر، فهي تابعة لوزارة الداخلية، وسيخبرك عمر دهكون بكل شيء وهو واسطتنا.

(كانت شروط الولوج تتلخص في الحصول على الإجازة واجتياز مباراة، تم قبولي بالمدرسة بالرغم من كوني صرحت في استمارة التسجيل أنني كنت نشيطا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، دخلت ضمن الفوج الثالث سنة 1966 وكانت مدة التكوين سنتين).

كيف كان التواصل مع الفقيه البصري؟

كان محمد الفقيه البصري قد أخبرني بأن صلة الوصل معه هي عمر دهكون إما شفويا أو كتابيا، يكتب في ورقة بيضاء بشكل عادي وبين الأسطر يكتب بالحامض وكنت أضع الورقة تحت المكواة فتظهر الكتابة مثل " السمق". مباشرة بعد الانتهاء من القراءة، كنت أحرق الرسالة. كان عمر دهكون رجل ثقة، وكان يقوم بدور الوسيط بيني وبين الفقيه البصري، وكان لي اسم حركي " أخونا في الشمال".

ما هو انطباعك الأولي عن الفقيه البصري؟

في هذه السنة، شرع الفقيه البصري في الاستعداد للخروج من المغرب بعد وضعه اللبنات الأساسية للحزب، ذهبت معه إلى المقاطعة الأولى وراء "الساتيام" في الدار البيضاء بحضور المقاوم با العبدي، أثارتني ملاحظة خلال اللقاء بين الفقية والعبدي، كانت هناك ردود فعل عنيفة وشجار بينهما أحيانا. اتجهنا بعد ذلك إلى مقاطعة درب الكبير والأحباس ومقاطعة سيدي عثمان بشارع الشجر .

كان السي محمد الفقيه البصري عظيما جدا، أجدني أمام هذا الهرم المناضل الفذ وأنا تلميذ بين يديه لما كان يتمتع به من كاريزما، وبعد أن خرج من السجن، بقي مستمرا في النضال والمقاومة.

بعد احتكاكي ومعرفتي بما يجري ويدور في الوطن، كان المرحوم الفقيه البصري يهيئ في تلك الفترة للهروب. كان الحسن الثاني بعد أحداث التلاميذ بالدار البيضاء سنة 1965 أصدر وقتها قرارين، أولا، قرار العفو على المناضلين الذين اعتقلوا بعد أحداث 1963، والقرار الثاني يهم تصفية الشهيد المهدي بنبركة، لذلك أحس الفقيه بأن حياته مطلوبة ومهددة.