الأربعاء 1 مايو 2024
مجتمع

بورتريه: الدكتور محمد نوري عراب النقد السياسي الساخر

بورتريه: الدكتور محمد نوري عراب النقد السياسي الساخر

1 - حي على السخرية:

كلما أمسك قلمه قال لحبره:
- حي على السخرية..!!
وكلما قرأناه قلنا سرا وجهرا:
- حي على الإعجاب..!!
هكذا يجهش - هو - بجراح اللغة المتمردة.
وهكذ نضمد - نحن - جراح الواقع المعطوب.
في المسافة الملتبسة،حد الوضوح،بين البكاء والسخرية،بين مفرده وجمعنا:
يعتلي محمد نوري قمة كتابة مشاكسة تأبى السير على صراط مستقيم..!!
هكذا هو على الدوام:
أولا: يسير في الاتجاه المعاكس لكل ما هو مكرس.
ثانيا: يتوقف طويلا أمام غير المعلوم سلفا.
ثالثا: لا تأخذه سنة من تلعثم إزاء فصاحة المميز.

2 - بلاغة يراعه وموقف قناعته:

الدكتور محمد نوري اختار بلاغته مذ اختار توجهه.
انتقى التفرد في عز استشراء التعميم.
وما من حدود سيجت تدفق أنهاره،حتى في أوج اليباب..!!
ما سعى يوما إلى غير ما يختزنه.
ما امتد قلمه إلا ليرتفع حبره.
دوما تبدى أسلوبه وحيدا كحرف الألف.
وأبدا ما كتب أي كلمة دون أن يكون:
- أمامها حوار.
- وراءها فكر حر حداثي.
- نتيجتها نقد يقبض على جمر الصميم.
من هنا تلك الهالة من الهيبة التي تتزيا بها معاني كل حرف يبدعه،ولا أقول يكتبه.
لأنه يدرك المساحة الرمادية بين كتب وأبدع.
بين قال وفكر.
بين تسرع وتأمل.
لم يضبطه الحبر - ذات كتابة - وهو متورط اليراع في مدح ما يستوجب الهجاء.
كما لم يضبط هو حبره - ذات قضية - على توقيت خارج زمن الجرأة.

3 - في مهب سخريته وبكائنا:

كثيرا وقفت على حافة عموده الساخر والرائع في أسبوعية "الشمال"،متسائلا:
- من أي منبع يستقي هذا الكاتب سخريته التي تقض مضاجع من يسقط تحت قلمه..؟!
- وهل نبكي ونحن في مهب سخريته..؟! أم نضحك وهو في ملتقى بكائنا..؟!
يا لذاك العمود..!!
كان من مفاخر الصحافة المغربية.بل كان مدرسة في الأسلوب الذي يخنق دون أن يترك آثار الجريمة فوق الأوراق..!!
كثر هم الكتاب الذين عاهدوا اليراع على اقتراف السخرية من أوضاعنا المرة.
بيد أن محمد نوري،الثري،عاهده حبره وورقه على المثول في سويداء السخرية الضاحكة / الباكية.
هم ذهبوا إلى الكتابة الساخرة عبر جسر ذاتي يتغيا الوصول إلى الآخر.
وهو سار إلى الإبداع الساخر من معبر الآخر وصولا إلى جماع ما هو ذاتي.
هنا الفرق.
هنا التفرد.

4 - تجاورنا حبرا ورأيا:

عرفت محمد نوري زهاء سبع سنوات على صفحات أسبوعية "الشمال"،زمن مؤسسها الكبير الراحل خالد مشبال.
تجاورنا - نوري وأنا - حبرا،سفرا،حديثا،ورأيا.
وأشهد:
ما عرفت فيه سوى ما يرفعه إلى عنان القلب.
ما أدركت فيه سوى ما يجعله دائم الإقامة في مدار المحبة.
ما يخول له أن يتبدى مستديم المثول في مقام التقدير.
أنيق المظهر لا يشاهد إلا وهو متأبط:
بهاء ذوقه.
يانع تحضره.
نقي القلب يمنح جماع تقديره من أول وهلة.
وبتلقائية نادرة في فصيلة الكتاب ( !! ).
مترع بالإنسانية.
عنها يصدر في أيما سلوك له.
وفيها يقيم عبر جل متغيراته وتوابثه.
يحضرني هنا ذاك الوصف الجميل الذي أطلقه عليه الناقد محمد العناز:
- "الدكتور محمد نوري شخصية كاريزماتية بأفق إنساني حقيقي".

5 - جملتي على مرأى من عبارته:

ثمة في لغته العربية الرشيقة ما يجعلني،أنا شخصيا،أتردد في كتابة جملة على مرأى من عبارته.
لغته طازجة.
مسكونة بحرائق الروح.
منسومة بما أسميه:
ضوع الأقاصي،وتخوم العبير.
وإذا تحدث في ندوة،أو لقاء،بفصاحة لا تمسك أي أوراق،أتذكر ما قاله أنيس منصور عن العقاد:
- "يخرج الكلام من فمه ورقا مطبوعا".
إنه متشبع - حد الدهشة - بآباء وأمهات مصادر اللغة.
يعثر على توازنه المعرفي - باعتباره كاتبا - في قراءة التراث العربي عبر نماذخه المضيئة للوعي الثقافي الراهن.
من هنا اكتسب موسوعيته المعروفة،التي تجمع بين تحولات الفكر الحداثي،وتوابث الانتماء المعرفي/ الحضاري.
وهو جمع تتوازن في ظله كل رؤاه ومواقفه وقناعاته.

6 - رجل الضفتين والعلاقتين:

يتصدر محمد نوري قلة نادرة ومتميزة في مغربنا أدركت جيدا الروابط الخفية بين الضفتين المغرب وإسبانيا.
ما كتبه - ما أبدعه - محمد نوري حول العلاقات التاريخية بين المغرب وجارته الشمالية إسبانيا،يعتبر من أهم أدبيات الفهم السياسي العميق لكواليس السياسة والاقتصاد بين البلدين الجارين.
يتمتع الرجل بإشهار أسئلة ذكية حول الجوار.
كما يتحلى بجرأة معرفية في طرح أسرار الارتباط المغربي - الإسباني،والكشف عن توابث الجوهر المشترك بين الشعبين. ومقارباته في هذا السياق،تزخر برؤية يتلاقى فيها العمق والمراس والقدرة على التحليل المتميز.
وحين أتلقى محاضراته القيمة في هذا المجال،داخل المغرب وخارجه،يغريني بوصفه،وأنا متسلح بيقين لا يداخله أيما ريب:
رجل الضفتين والعلاقتين.