الخميس 28 مارس 2024
سياسة

على هامش خرجة عيوش: هل رئيس الحكومة المغربية " كَلْبٌ يَنْبَحُ " ؟!

على هامش خرجة عيوش: هل رئيس الحكومة المغربية " كَلْبٌ يَنْبَحُ " ؟! عبد المجيد مومر الزيراوي، و سعد الدين العثماني، و نور الدين عيوش ( يسارا)
وصف رجل الأعمال نور عيوش مجموع المعارضين لآرائه ومواقفه بشأن إدخال الدارجة للمقررات الدراسية بأنهم " كلاب و لا يستحقون الإحترام" . و أضاف نور عيوش أنه لا يتفق مع قرار الوقوف ضد الوزير أمزازي الذي أعلن عنه و تَبَنَّاه رئيس الحكومة المغربية ، و الذي يبين حجم الخوف الذي شعر به سعد الدين العثماني ، بعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول هذا الموضوع داخل شبكات التواصل الاجتماعي.
و تأتي الخرجة الإعلامية للناطق بإسم اللوبي الحداثوي نور عيوش بعد تصريح رسمي للفقيه سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية الذي أعلن – مع اشتداد الضغط الشعبي عليه - أنه لا يمكن أبدا إستعمال الدارجة في التعليم . أولاً لأن اللغتين العربية والأمازيغية - دستوريا- هما اللغتان الرسميتان، وثانيا لأن القانون الإطار الذي يؤطر العملية كلها، والذي يعرض حاليا أمام البرلمان، ينص في الفقرة 29 على ضرورة التقيد باللغة المقررة في التدريس دون غيرها من الاستعمالات اللغوية. وذلك لقطع الطريق على إستعمال الدارجة، و حتى لا يسمح بوجود تعابير أو جمل أو فقرات بالدارجة ضمن المقرر. كما شدد الفقيه سعد الدين العثماني على أن هذا القرار نهائي، والحكومة على وعي به.
و بالتالي ؛ يجوز لنا إستظهار التساؤل و طرح السؤال التالي على الناطق بإسم اللوبي الحداثوي : هل رئيس الحكومة المغربية " كَلْبٌ يَنْبَح " يا نور عيوش ؟!
إننا فعلا نعيش زمن إذلال المؤسسات الدستورية و نعايش حقبة الترامي على الصلاحيات الدستورية ، فالسيد نور عيوش الذي لا محل له من الإعراب في مواضيع التشريع المغربي و في مواضع تنفيذ السياسات العمومية ، يقوم بعملية السطو الممسوخ على إختصاصات المؤسسة التشريعية المنتخبة و إختصاصات المجلس العلمي الأعلى حين يقول -مِلْءَ فَمِه- أن إدخال الدارجة في المقررات الدراسية هو أمر لا يمكن وَقْفُه، معتبرا أن الذين يرفضون هذا الأمر هم بعيدون عن الإسلام ولا يتخلقون بأخلاقه، وأن ما يفعلونه في حقه “حرام”.
و لعل هذا الواقعة تؤكد بالملموس أن الحاصلين على "الشرعية الإنتخابية" و في مقدمتهم الفقيه الإسلاموي سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، يقفون عاجزين منبطحين أمام لوبي مالي إشهاري حداثوي يحاول من خلال القفز على أحكام الدستور ، فَرْض مخططاته " التخريبية" الفاقدة للبعد الثقافي و ما يحمله من خصوصيات الهوية و حيثيات الإنتماء .
و هذا -أيضا- ما يسمح لنا بالتأكيد على أن الفقيه الإسلاموي سعد الدين العثماني يخون أمانة الإرادة الشعبية حين لا يستطيع كبح نزوات الخارجين على المؤسسات الدستورية ، الذين يؤسسون لمرحلة " تَضْبِيع " العقل و الوجدان و اللسان و " تَبْضِيع " التعليم و الثقافة و السياسة بما يخدم نزعتهم الربحية التجارية و منطقها الإستهلاكي غير المُنتج.
و لعل المختصر المفيد من واقعة " العثماني الإسلاموي و عيوش الحداثوي " يدفعنا للجهر بحقيقة أن سؤال الإصلاح قد تجاوز النخب السياسية الحزبية و اللوبيات الذومالية الحداثوية لأنها عاجزة عن الإستجابة للمتغيرات و وضع أساس فكري-ثقافي للنموذج التنموي الإجتماعي و الاقتصادي بشكل ينتقل بنا من التقليد إلى الإبتكار ، من الترقيع إلى الإبداع ، من التدبير المنغلق إلى التدبير التشاركي المعتمد على الطاقات المغربية الشابة و المنفتح على التجارب الإنسانية الناجحة.
و لعل إصلاح التعليم كمدخل للإصلاح الشامل يستلزم توظيف التراث الثقافي العقلاني المغربي بما يتماشى مع طبيعة الزمن التاريخي المعاصر الذي يسائلنا عن الحفر في أعماق "الأصالة " و إستخراج كنوزها المعرفية المطمرة لتحرير الفكر النقدي بما يخدم خصوصية المجتمع المغربي ذي الروافد الثقافية المتعددة ( العربية ، الأمازيغية ، العبرية ، الأندلسية ، الإفريقية ، الحسانية ) و بما يؤدي إلى صيانة التنوع اللغوي. و يطالبنا كذلك بضرورة التحليق العقلاني فوق سماء " المعاصرة " بهدف تنمية الشخصية المغربية القائمة بذاتها ، و بما يتطلبه التحديث من بناء تنوير حداثي شعبي يقطع مع أساليب الوصاية و الحجر الثقافي و يعتمد الانفتاح المُنْتِج على العالم و مستجداته العلمية و المعرفية.
إن كوارث الدخول السياسي الحالي توضح بجلاء أن مشروع التحديث المغربي يعيش على واقع الفشل في بناء حداثة مغربية سليمة ، حداثة شعبية تخلصنا من عقد الدونية و التقليد الغبي و الإتباع الأعمى ، و تجعل الإنسان المغربي قادرا على المشاركة في زمن الثورة الصناعية الرابعة القريبة من موقع ثقافي فاعل يقوم على التلاقح الحضاري و تبادل التأثير بما يؤشر على البصمة الثقافية المغربية التي تضمن الاختيار الحُر كأساس للتغيير الإجتماعي.
لذا فَمَفْهوم الحداثة الشعبية بما هو تعبير حُرٌّ عن تجديد مستمر لآليات التفكير داخل بنية العقل الشعبي، هو الذي يدفعنا للتنبيه إلى أن الإسقاط السياسوي لصراع الأصولية الحداثوية و الأصولية الإسلاموية هو السبب في فشل إصلاح التعليم من خلال تمظهرات ترسيخ فكر تبريري تواكلي غارق في التبعية و الاستيلاب ( من كلا الجانبين ) و عاجز على التطوير الذاتي للشخصية المغربية و تأهيلها لإحتضان مشروع الصعود المنشود عبر القطع مع الربط الميكانيكي للإصلاح بمرجعية فكرية- ثقافية وحيدة محددة زَمَكَانِيًّا ، لأن منظومة القيم تبقى من مَحَلِّيَتِها إلى كَوْنِيَتِهَا مرتبطة بالإنسان في شموليته و ضرورة الآخر في وجوده ، و ذلك تكريسًا لمبدأ الإختلاف القائم على الإيمان بالمغايرة و إحترام التنوع.
                                            - عبد المجيد مومر الزيراوي ،رئيس الإختيار الحداثي الشعبي