الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

لزرق: الإسلاميون والشيوعيون، نهاية تحالف هجين

لزرق: الإسلاميون والشيوعيون، نهاية تحالف هجين د.رشيد لزرق، متخصص في الشؤون البرلمانية و الحزبية

العثماني اتجه للإنفراد بالقرار، باقتراحه على الملك تعيين وزير الإقتصاد والمالية بنشعبون عقب إعفاء الوزير بوسعيد المنتمي للتجمع الوطني للأحرار، من خلال حصر التشاور في إطار ثنائي بينه و بين الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش.

كما ان رئيس الحكومة لم يوضح مصير استقالة لحسن الداودي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، المنتمي لحزب رئيس الحكومة "العدالة و التنمية" بناءا على استقالته الفردية.

في المقابل اتجه بشكل انفرادي لتغيير هيكلة الحكومة عبر حذف منصب كتابة الدولة في الماء شرفات أفيلال دون التشاور مع الأمين العام لحزبها. نبيل بنعبد الله.

و من هنا نشير للملاحظات التالية:

- 1 رئيس الحكومة يدبر وفق مقاربة انفرادية

إذ أن المقاربة المؤسساتية، تستوجب من رئيس الحكومة دعوة هيئة الأغلبية للاجتماع  للتشاور في المواضيع الثلاثة، كالتزام أخلاقي بموجب ميثاق الأغلبية، إعمالا للمنهج التشاركي، بين الأحزاب الستة المشكلة للأغلبية الحكومية.

فالتعديل الحكومي ليس شأنا شخصيا أو ثنائيا، بل هو موضوع جماعي يهم كل الأحزاب الأطراف في الأغلبية وفق ما يقتضيه مبدأ الشفافية في التدبير، و هو ما يضمن التضامن الحكومي في تحمل المسؤولية السياسية.

 -2إن حدث تقديم مقترح تعيين وزير الإقتصاد و المالية محمد بنشعبون بدل الوزير محمد بوسعيد، الإكتفاء باتفاق ثنائي فقط  بين رئيس الحكومة و الأمين العام للتجمع الوطني للأحرار السيد عزيز أخنوش. في المقابل تم التقدم بمقترح حذف كتابة الدولة في الماء، من دون إخطار أحد بما فيهم رئيس حزب التقدم و الاشتراكية نبيل بنعبد الله، على غرار ما فعله مع عزيز أخنوش، مما يطرح العديد من التساؤلات، حول طبيعة المقاربة التي ينهجها رئيس الحكومة، مع التجمع الوطني للأحرار و مع التقدم و الإشتراكية. و ما هي الرسالة التي يريد إيصالها إلى حزب التقدم و الاشتراكية؟

و ما قيمة مؤسسة هيئة رئاسة الأغلبية، كفضاء يجمع  مكونات الأغلبية الحكومية، و يسمح لأحزاب الإئتلاف الحكومي بالتشاور والتعاون والتنسيق الدائم فيما بينها من خلال تنظيم وتسيير وتقييم عملها المشترك واحترام التزامات الأغلبية الإنضباط  لقراراتها.

في ظل اتخاذ قرارات انفرادية كحالة حذف كتابة الدولة أو تعيين وزير المالية بصفة ثنائية بين رئيس الحكومة و الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار.

في وقت كان ينبغي طرح هذا بالدعوة إلى اجتماع هيئة رئاسة الأغلبية، التي تتكون من رئيس الحكومة رئيسا، وعضوية الأمناء العامين للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية أو من ينوبون عنهم، إضافة إلى قيادي ثان من كل حزب.عبر الدعوة لاجتماعها، ووضع النقطتين في جدول أعمالها، لما للأمر من علاقة ببنية الحكومة، وأخذ وجهات نظر كل حزب من أحزاب الأغلبية الحكومية، تفعيلا لروح التعاون والإنسجام بما يضمن التضامن الحكومي و يحقق الإندماج في العمل الحكومي. و الإنصات لبعضهم البعض.

3 _ -التقدم و الإشتراكية لم تعد ورقة سياسية ذات أهمية.

يستطيع رئيس الحكومة التذرع  بكون رئيس التجمع الوطني للأحرار هو من اقترح اسم وزير المالية و هو أوصل المقترح للملك الذي عينه و كونه لم يخبر لأمين العام لحزب التقدم و الإشتراكية لكونه كان يقصد الفاعلية ووضع الحزب أمام الأمر الواقع.

لكن يجب في النهاية تحمل مسؤولية قراره وأن يكون أكثر جرأة في تحمل تبعاتها أمام حزب التقدم و الإشتراكية، في انتظار التعديل الموسع الذي يمكن أن ينتقل إلى الخطوة الثانية. وإعطاء الحزب ما يستحقه حقا و ليس انتخابيا، لكون العثماني، بدخول الإتحاد الإشتراكي للحكومة لم يعد محتاجا لحزب تقدمي  ضعيف في الأغلبية الحكومية خلافا لحكومة بنكيران الذي كان يعتبره ورقة سياسية تضمن له الإنخراط و تقيه وصف حكومته بالمحافظة.

4   -هل يكون التقدم و الإشتراكية خارج الحسابات؟

صحيح أن تراجع الأمل وتراكم الخيبات لدى المغاربة في الحكومة، يستوجب من سعد الدين العثماني، باعتباره رئيسا للحكومة تكريس الفعالية و الابتعاد عن الترضيات الحزبية. في ظل التطورات السريعة، و ما يعرفه المشهد السياسي، من ديناميكية، و العثماني يريد ان ينجح، في ظل المخاض الذي يعرفه حزب العدالة و التنمية جراء التطاحن، فإن حذف كتابة الدولة في الماء، هي مقدمة لحكومة الفعالية التي تفترض القطع مع المجاملات و الترضيات، لكون سعد الدين العثماني خلافا لسلفه بنكيران لم يعد بحاجة للضغط عليه بورقة الإشتراكية و التقدمية، خاصة وأن التحالف الحكومي يعرف تواجد الإتحاد الاشتراكي.

و دخول التقدم و الإشتراكية للحكومة جاء بمنطق المجاملة و الترضية لبنكيران نتيجة للعلاقة الشخصية بينه و بين نبيل بنعبد الله. واتجاه رئيس الحكومة إلى حذف كتابة الدولة دون اخطار الأمين العام للتقدم و الإشتراكية عبر الإنتصار لوزير من حزبه، هو رسالة للتقدم و الإشتراكية بكونه غير مرغوب فيه في التحالف الحكومي.

ما حدث يؤكد هشاشة التحالف بين الطرفين ويعكس شدة الخلافات بينهما، حيث أضحت  العلاقة بين الأغلبية شبيهة بمجموعة تلتقي للعب الورق كل لحسابها.

  التقدم و الإشتراكية لم يعد بالورقة السياسية المهمة في الحكومة بعد دخول الاتحاد الاشتراكي كطرف في الأغلبية.

5- التقدم و الاشتراكية، الحقائب الوزارية مقابل الهوية السياسية.

الملاحظ أن حزب التقدم و الإشتراكية رغم هويته التقدمية و الاشتراكية، فإنه في حكومة بنكيران لم يحتج على السياسة الليبيرالية، وزراءه لم يعطو النفحة الاجتماعية، بل ساندو تحرير المحروقات و الاقتطاعات و تمرير إصلاح التقاعد... و جلها إصلاحات ضربت القدرة الشرائية للجماهير الشعبية.

في المقابل فإن نفس الحزب، لم يتقبل إقالة أمينه العام و بعض الوزراء، حيث أثبت تقرير المجلس الأعلى للحسابات تقصيرهم في مشروع الحسيمة منارة المتوسط، معتبرا التقرير غير مقدس، دون أن يتبعه ذلك خروج من الحكومة.

إن التواجد في الحكومة بمنطق الغنيمة و ليس المشروع، يسعى نبيل بنعبد الله من ورائه الحصول على ولاية ثالثة مكرسا ديمقراطية الثبات، رغم أن جوهر هويته التقدمية تقوم على التغيير والاشتراكية والحداثة، و ترسيخ الديمقراطية فقط في شقها الإجرائي، دون أي حمولة قيمية.

ان الوضع في التقدم و الاشتراكية هو نموذج يعبر عن واقع المنظومة الحزبية، التي أضحت بلا لون ولا مذاق هوياتي، عبر تكريس أحزاب الأفراد التي تفرز تعلقا عاطفيا بشخصية قيادية، تحت مبرر تحقيق مكاسب بالحصول على حقائب وزارية تتجاوز وزنه الشعبي.

هنا يظهر القاسم المشترك بين جميع القيادات الحزبية، وهو التكتيك السياسي، و التواجد في الحكومة كهدف لذاته و ليس كوسيلة لتطبيق مشاريع اقتصادية أو قيم سياسية، و هذا ما يضرب في العمق منطق التداول السياسي و يتعارض مع مبدأ دوران النخب داخل المنظومة الحزبية التي تعاني من أعطاب، بفعل واقع سياسي شديد التعقيد، ومن تجليات ذلك بروز العديد من القضايا والظواهر، بعضها طارئ عن الفعل السياسي، والبعض الآخر معتاد عرفه الفعل السياسي في السابق.

إن حكومة العثماني مدعوة إلى تنزيل حزمة الإصلاحات الاجتماعية، في أفق إبداع نموذج اجتماعي يطبع السياسات العمومية؛ الأمر الذي يفرض إعادة النظر في هندسة القطاعات الحكومية، ولما لا إعادة هيكلتها الحالية إذا اقتضى الأمر ذلك، عبر تعديل حكومي موسع يكون فيه اختيار الوزراء مبنيا على أساس الفعالية وبعيدا عن هاجس المصالح الضيقة والتوافقات الهشة.

        هذا التوجه الغاية منه تشكيل حكومة بشخصيات تستجيب لمعايير الكفاءة، تلبية لانتظارات قاعدة شعبية عريضة، وخاصة الفئات المهمشة لتقديم إجابات حقيقية في القطاعات الأكثر حساسية وراهنية.

         و عليه فان أي هيكلة جديدة ينبغي أن تستحضر معايير محددة وصارمة يجب توفرها في كل  الوزراء بالضرورة، على رأسها الكفاءة العلمية والتجربة العملية التي تأتي نتيجة الممارسة والعمل الميداني وتراكم الخبرات، إضافة إلى الحماس والقدرة على تنزيل المشاريع التنموية التي نعول فيها على تفاعل الجهات وتكاملها. 

         على كل حال لقد أثبتت الحكومات المتواصلة أن الأحزاب السياسية كلما طلب منها اقتراح أسماء للإستوزار إلا و تقدم أسماء بعينها لاعتبارات عدة، دون مراعاة شرط  الكفاءة و المردودية و التخصص، بل تعتمد في تدبيرها لهذه النقطة على الولاء للحزب وطبيعة العلاقة الشخصية مع الأمين العام وهذه مسلكيات جاء الوقت للقطع معها والحسم مع أصحابها.