Thursday 19 June 2025
سياسة

زيارة ذات بعد استراتيجي: محمد السادس وبوخاري يحطمان الحاجز النفسي بين المغرب ونيجيريا

زيارة ذات بعد استراتيجي: محمد السادس وبوخاري يحطمان الحاجز النفسي بين المغرب ونيجيريا

لو أخذنا بعين الاعتبار مؤشر التبادل التجاري بين المغرب ونيجيريا لوجدنا أن أبوجا هي الزبون الرابع للرباط على مستوى افريقيا جنوب الصحراء بـ 8.4% من الصادرات، والمزود الثاني للمملكة على مستوى القارة بنسبة 14% من المواد المستوردة، حسب بعض إحصائيات 2015، وهي أرقام لا بأس بها على كل حال، بالنظر إلى ما كان عليه مستوى الحوار السياسي بين البلدين منذ سنة 1984.

فكان من الحتمي أن يرقى هذا الحوار الى القمة ليطور التبادل التجاري إلى علاقات اقتصادية استراتيجية تعكس الوزن الاقتصادي للمغرب كرائد في شمال افريقيا ونيجيريا كقوة في القارة برمتها، تتنافس هي وجنوب افريقيا على المرتبة الأولى اقتصاديا في افريقيا، إذ كانت جنوب افريقيا تحتل المكانة الأولى إلى أن انتزعتها نيجيريا سنة 2014، لتعود مرة أخرى إلى جنوب افريقيا على إثر الانتكاسة التي عرفتها أسعار البترول الذي يعتمد عليه الاقتصاد النيجيري بنسبة 95%، و هي الانتكاسة المتواصلة لحد الآن.

رقي هذا الحوار السياسي إلى القمة كان يحتاج إلى تكسير الحاجز النفسي وهو ما قام به ملك المغرب محمد السادس، صاحب الرؤية الاستراتيجية التنموية جنوب ـ جنوب، بمعية الرئيس النيجيري محمد بوخاري الذي كان قد أجرى محادثات في نونبر 2016 بمراكش مع العاهل المغربي على هامش مؤتمر الأطراف "كوب 22".

الرقي بالحوار السياسي والاقتصادي بين البلدين إلى ما هو استراتيجي حصل أساسا بفضل زيارة الملك محمد السادس لنيجيريا، وهي زيارة تاريخية والأولى من نوعها، في إطار زيارات ملكية رسمية للعديد من دول غرب وشرق افريقيا، توجت على الخصوص بالاتفاق على إنجاز مشروع غازي قاري ضخم يمتد من نيجيريا إلى المغرب.

ويلاحظ أن المياه الراكدة كانت قد عرفت بعض الحلحلة سنة 2015 خلال الحملة الانتخابية الرئاسية بنيجيريا لما زعمت حكومة الرئيس السابق جودلاك جوناثان (مسيحي من الجنوب) أنه أجرى مكالمة هاتفية مع ملك المغرب محمد السادس، أمير المؤمنين (قصد استمالة أصوات الناخبين المسلمين)، وهو ما كذبه المغرب بشكل قاطع واستدعى سفيره بأبوجا للتشاور.

ومعلوم أن نصف سكان نيجيريا تقريبا مسلمون جلهم في شمال البلاد والنصف الآخر مسيحيون أغلبهم في الجنوب، بما مجموعه 186 مليون نسمة، حسب تقديرات 2016. وبهذا العدد من السكان تظل نيجيريا أول بلد آهل بالسكان في افريقيا وأول سوق استهلاكية تثير شغف رجال الأعمال، إضافة إلى كونها أول منتج للنفط الخام في القارة.

انتهت الانتخابات الرئاسية بفوز مرشح حزب المعارضة الرئيسي السيد محمد بوخاري (مسلم من الشمال)، في مارس 2015، وانتظر الملك محمد السادس سنة وبضعة اشهر لإرسال مبعوثين عن جلالته إلى أبوجا، في شهر يوليوز 2016، تم استقبالهم من طرف الرئيس بوخاري، وهما الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، ومدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات، محمد ياسين المنصوري.

هذه الصيرورة وغيرها في العلاقات الثنائية التي أثمرت زيارة الملك محمد السادس التاريخية الأولى من نوعها لنيجيريا، ابتداء من فاتح دجنبر 2016، لا يمكن إلا أن تذكر بمقولة جلالة المغفور له الحسن الثاني لما قارن، في إحدى الاستجوابات، السياسة بالفلاحة من حيث أن قضايا سياسية تحتاج للوقت الكافي، مثلها في ذلك مثل المواد و المنتجات الفلاحية، لكي تنضج وتصبح قابلة للاستغلال.

وبالموازاة مع الزيارة الملكية، استقبل الفاعلون الاقتصاديون النيجيريون نظراءهم المغاربة، تتقدمهم السيدة مريم بنصالح شقرون، رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، يوم 30 نونبر 2016 بالعاصمة الاقتصادية لاغوس، في ملتقى الأعمال لتدارس سبل تعزيز التعاون الثنائي و استثمار الفرص المتاحة بالبلدين.

هنا يجرنا الحديث نحو علاقة الاقتصادي بالسياسي: فرغم أن نيجيريا اعترفت سنة 1984 بحركة البوليزاريو الانفصالية إلا أن مياها كثيرة مرت تحت الجسر منذ ذاك الوقت وسقط حائط برلين وتغيرت الأوضاع في عدد من بقاع العالم ولا يمكن لأي دولة تستهدف التنمية المستدامة إلا أن يتحلى مركز القرار فيها بالواقعية والبراغماتية.

فأمام الانحدار المهول الذي عرفته أسعار البترول، وما خلفه ذلك على مشاريع التنمية المسطرة في الجزائر ونيجيريا وفي عدد من الدول المعتمدة على النفط أساسا، قررت نيجيريا تنويع اقتصادها وستجد في المغرب حليفا في المجالين الاقتصادي والأمني، ذو مصداقية مشهود له بها على المستوى الدولي، وهو الرائد اقتصاديا في شمال افريقيا في عدد من القطاعات والمستقطب للاستثمارات والمعروف بالوفاء بالتزاماته إزاء شركائه.

فالمغرب هو البلد الوحيد، ليس في منطقة المغرب العربي فحسب، بل في شمال افريقيا برمتها، الذي ينعم بالاستقرار السياسي والأمني والمنخرط في مسار ديمقراطي يتعزز بتراكم التجارب كونه نهج توجه الانفتاح ونأى بنفسه عن سياسة الحزب الوحيد منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956، وكان بعد ذلك من أول الدول التي اعترفت بنيجيريا المستقلة سنة 1960 وفتحت المملكة سفارة لها في نفس السنة بلاغوس التي كانت العاصمة آنذاك.

على المستوى الاقتصادي تعد نيجيريا مجالا خصبا للاستثمار والتنافسية بالنسبة للمقاولات المغربية رغم تواجد العديد من الشركات من جنسيات مختلفة بهذا البلد. ويبقى الامتياز بالنسبة للمقاولة المغربية الرهان على نموذج رابح ـ رابح، في إطار توجه الملك محمد السادس في إفريقيا ورؤية جلالته الاستراتيجية جنوب ـ جنوب.

والأكيد هنا أن ما يمكن ان يجمع المغرب ونيجيريا، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، هو أكبر بكثير من وضع يدعو للأسف، لو تفهمت ابوجا، على المستوى السياسي، مسألة استكمال المغرب لوحدته الترابية، وهي التي عانت من حرب بيافرا الانفصالية في الجنوب من 1967 إلى 1970 وتواجه حربا إرهابية شرسة في الشمال مند 2009 بواسطة جماعة بوكو حرام المنادية بإقامة دولة إسلامية في شمال البلاد.

فبعد ترحيب وزير الخارجية النيجيري، جوفري أونييما، بعودة المغرب للإتحاد الإفريقي وبعد التوقيع على ترسانة من الاتفاقيات القطاعية التي تصب كلها في خلق شراكة استراتيجية من أجل التنمية في البلدين، وخاصة اتفاقية مد خط أنابيب للغاز الطبيعي من نيجيريا إلى المغرب عبر عدد من الدول الإفريقية مع إمكانية تمديده إلى أوروبا واتفاقية الشراكة الاستراتيجية لتنمية صناعة الأسمدة بنيجيريا، يبقى المؤمل أن تعود المياه إلى مجاريها بمناسبة عودة المملكة إلى المنظمة القارية، خاصة أن الظروف والمواقف الموضوعية تصب كلها في نفس الاتجاه ثم أن 13 دولة من أصل 15 دولة مكونة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الموجود مقرها بأبوجا لا تعترف بانفصاليي البوليزاريو.