الأربعاء 15 مايو 2024
سياسة

عبد القادر زاوي: الأزمة الحكومية في المغرب.. عرقلة التشكيل ما أمكن، لضمان ترويض أمثل

عبد القادر زاوي: الأزمة الحكومية في المغرب.. عرقلة التشكيل ما أمكن، لضمان ترويض أمثل

يعيش المغاربة حالة ترقب حذر انتظارا لتشكيل حكومة جديدة يفترض أن تنعكس فيها نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 7 أكتوبر 2016. ويبدو أن مرحلة الترقب ستطول نوعا ما، بعد أن دخلت مشاورات التشكيل بين الحزب المكلف ومختلف القوى السياسية التي يرغب في التحالف معها مجال المناورات بتبادل طرح الشروط التعجيزية أكثر من اقتراح الحلول التوفيقية.

ومع طول المدة التي تصل إلى حوالي الخمسين يوما، وتواتر أخبار التشدد في المواقف من هذا الطرف أو ذاك، ولجوء المعنيين بالأمر إلى أسلوب التسريب عوض التصريح الصريح بات واضحا أن البلاد دخلت أزمة سياسية لا يلوح في الأفق سوى بصيص أمل لحلها، خاصة وأنها مرتبطة كثيرا بما لدى الساسة والقادة الحزبيين من طموحات وتطلعات بعيدا عن تباعد أو تقارب البرامج والسياسات.

وقد تعمقت الأزمة أكثر ببروز معايير جديدة وصارمة يجب التقيد بها في اختيار أعضاء التشكيلة الوزارية، وبوجود ضغط شعبي ناعم يطالب بالقطيعة مع أسلوب الترضيات في الاختيار، وبتخفيض عدد الوزراء مراعاة لظروف البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وانسجاما مع الادعاءات الحكومية المتواترة حول ضرورة تقليص النفقات، ناهيك عن أهمية استلهام تجربة الجارة اسبانيا التي اكتفت بحكومة أزمة من 13 وزيرا فقط.

ومن غرائب المشهد السياسي الراهن في المغرب أن القيادات الحزبية التي أحدثت الأزمة إن كان ذلك بإرادتها طمعا في أكبر قطعة ممكنة من الكعكة، أو بإيعاز من جهة ما تتصرف بأسلوبين متناقضين. تارة تؤجج الأزمة من خلال حدة التصريحات ورفع سقف المطالبات، وطورا تحاول التقليل من وقعها على الرأي العام، الذي يبدي تذمرا كبيرا من تفاهة لعبة القط والفأر الجارية الآن.

إن هذه التصرفات المتناقضة وإن كانت غير منسقة بين أطراف اللعبة، فهي مقصودة منها خشية من الجميع الوصول إلى المحذور، الذي يتمثل في تحول طبيعة الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة دستورية، ستحصل حتما إذا عاد رئيس الحكومة المكلف إلى جلالة الملك ليخبره بالتعثر في تأمين أغلبية نيابية للحكومة التي تم تكليفه بتشكيلها.

ولكن من المستبعد جدا أن يلجأ السيد عبد الإله بنكيران إلى إعلان الفشل، كما أن عالم العفاريت والتماسيح على حد قوله لن يتركه يصل إلى مثل هذا القرار، لا لشيء سوى أن ذلك قد يدفع إلى الانزلاق نحو عدد من الخيارات لا رغبة لأي قوة سياسية، ومؤسسة دستورية في الذهاب إليها في الظروف الراهنة للبلاد، وهي:

- العودة مرة أخرى وفق مقتضيات الفصل 2 من الدستور للأمة باعتبارها صاحبة السيادة التي تمارس جزءا منها بواسطة ممثليها الذين تختارهم عبر صناديق الاقتراع. وهي عودة مكلفة ماديا للكثير من الأحزاب، وخاصة تلك المعتمدة على الأعيان، الذين أبدى العديد منهم تذمرا كبيرا.

- تأجيج الحراك الاحتجاجي ذي الطبيعة الاجتماعية أكثر، إذ في حال فشل تشكيل الحكومة من المحتمل جدا أن ينتهز أتباع السيد بنكيران ومريدوه أي حركة احتجاجية مطلبية فينضموا إليها. وقد يجر ذلك الانضمام نزول جماعة العدل والإحسان هي الأخرى إلى أي حراك مقبل بكل ما لها من انضباط وثقل تنظيمي خشية أن يسحب منها أنصار العدالة والتنمية البساط إذا عادوا إلى الشارع.

- تعرية ثغرات الدستور الحالي، وفتح المطالبة بمراجعته وإدخال تعديلات جوهرية عليه، سيما فصله السابع والأربعون، الذي لم يتحوط لحالة فشل تشكيل الحكومة باقتراح بديل عملي، ولم يضع مدة زمنية للمشاورات بشأنها.

يتضح إذن أن الأزمة الراهنة لا علاقة لها بالمبادئ السياسية للأحزاب المعنية، حيث تعود المغاربة على جمع الشامي بالمغربي في قفة واحدة دون حمرة خجل من هذا أو ذاك، ولا بالاختيارات السياسية أو بالبرامج المنوي تنفيذها إذ الجميع مطيع لوصفات صندوق النقد الدولي والدول المانحة وربما يجتهد أكثر في شرحها، كما دلت توصية المجلس الأعلى للتعليم بشأن إلغاء المجانية في المراحل الثانوية والجامعية.

في ظل هذه المعطيات الحزبية والشخصية لبعض القيادات يجوز اعتبار ما يجري من مناورات أزمة سياسية مفتعلة ترتكز على عرقلة التشكيل ما أمكن لضمان ترويض أمثل Ce n’est qu’un blocage / rodage