عزيز أخنوش سليل أسرة أولحاج المقاومة، ابن لرجل عصامي من اهل الجنوب السوسي، تحتفظ ذاكرته بقضاء أبيه سنوات في السجن نتيجة دعمه المادي لجيش التحرير والمقاومة. ترعرع هذا الرجل الخجول بين جبال تافراوت وإسمنت الدار البيضاء، وتابع دراساته العليا في كندا. كان من مجموعة 14 التي شكلها الحسن الثاني في أواخر حكمه، كي تشرف على توجيه دفة الحكم القادم. التقطته عين الملك السابق في مرحلة فارقة. معروف عنه المصداقية والالتزام في القول والعمل، وبلغته الأمازيغية: أغاراس. رجل اقتصاد ناجح ومدبر لقطاعات استراتيجية بنفس حداثي وواقعي. إنه صقر كفاءات يستقطب أسماء على المقاس في جل الأحيان للعمل الى جانبه أو معه، يكون أول مواصفاتها: أغاراس.
بعد ما يقارب العقدين من الزمن، ها هو أخنوش، مرة أخرى تعود به الحسابات السياسية الجديدة، وضرورة البناء التنافسي، إلى مرحلة فارقة من تاريخ المغرب السياسي.
إن ما يقارب العشرين عاما الأخيرة، كانت مسارا سياسيا منهكا للنخب الحاكمة في البلاد، وللشعب أيضا. فتهافت وفقدان المصداقية لدى مدبري الشأن العام، وعلى جميع المستويات معارضة وحكاما، جعلت من السياسة ممارسة بئيسة و مفلسة . كما أن التغيرات الكبرى التي عاشها العالم ،بعد انهيار القطبية الدولية، وجدار برلين واختفاء قسري للدب السوفياتي من حلبة الصراع الإيديولوجي، أثرت بشكل عام وسلبي على توجهات الشعوب في قراءتها للمستقبل وممارستها وسلوكها السياسي، حيث طغى قلق نظري كبير على الجميع، وفي مثل هذه المراحل تكون نوستالجيا الماضي والعودة الى الأصول، وخطاب الأخلاق هي بوصلة التوازن الوحيدة عند الجماهير.
المغرب أيضا لم ينج من هذا النكوص السياسي، وأكبر دليل على بؤس المرحلة هو بروفايلات أغلب قادات المؤسسات الحزبية. ففي الوقت الذي ألف المواطن المغربي في القرن الماضي، شخصيات من العيار الثقيل والوازن تاريخيا وثقافيا ووطنيا ودوليا، كفاءات نظرية وميدانية من قبيل: المهدي بنبركة وعلال الفاسي والمختار السوسي ومحمد عبد الكريم الخطابي، وعزيز بلال والمهدي المنجرة ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي والحليمي والكثيري وآخرون يضيق المجال لذكرهم.... أصبح الآن مجرد كلامنجي من قبيل عبدالإله بنكيران رقما صعبا في المعادلة، ضعف المنافسين، وفقدان الثقة في السياسيين..... يجعل منه قائدا! (كيفما تكونوا يولى عليكم).
- حينما كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزبا يقام له ويقعد، وكان حزبا كبيرا بتاريخه ونسائه ورجاله، قبل أن ينهك من طرف النظام، الذي اختطف المهدي وتغتال وأعدم وسجن وشرد قوافلا من الأطر والكفاءات... كانت قيادته من قبيل مافيه! بعد تفريغ ممنهج للحزب تم احتلاله وتشتيته كي يحفر قبره بمن تبقى فيه أغلبهم لا يعرفون حتى معنى الاشتراكية في مقابل أي رؤية أخرى. قتل النظام الحزب واراد الآن بعض الحكام من ميت أن يسمع منه الشعب....!
- حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، من تاريخ حافل بالنضال من أجل التحرر والديمقراطية، ومع أسماء من قبيل: المفكرين علال الفاسي وبلافريج والقادري وعبد الكريم غلاب...، والعياشي وعزيز بلال وعلي يعتة... أصبح الحزبان وبعد تغيرات المشهد السياسي والانتخابي وتطورات المجتمع المغربي والدولي في صورة لا علاقة لها بما سبق. فاستهلاك صورتهما لدى الشعب، وصراعات داخلية أسبابها في أغلب الأحيان هو صراع ديكة حول دجاجات الاستوزار، وغنائم حروب انتخابات (المسلسل الديمقراطي). إن ما عرفه هذان الحزبان من "تراجعات وليس مراجعات" تجعل من صيحة من بيته من زجاج في مرمى طوب الشعب و طوب الحركة الإخوانية.
- اليسار المغربي ونتيجة مسلسل طويل من القمع والسجون وغياب مراجع عملية على أرض الميدان، تترجم شعاره الخالد: التحليل الملموس للواقع الملموس. وركونه إلى مقاطعة الانتخابات وكسل نظري كبير، واستكانة قلقة إلى رؤى أثبتت فشلها مسبق.... كل هذا عراه هذا العام وجعله يفشل في مجرد الحصول على سقف بسيط من أصوات الشعب لا يتجاوز 3 في المائة. هذا الواقع، جعل من كل المحاولات الحثيثة الداخلية والخارجية لتلميع صورة اليسار، عبر تسويق ممنهج لأيقونة الحراك اليساري: نبيلة منيب، نفخا في قربة مثقوبة، لا يمكن أن تغسل عار فشل ذريع أمام آلة تنظيمية خارقة، يسوقها عبدالاله بنكيران.
- من بين أولى محاولات تجاوز هذا الشبح القادم من تاريخ سحيق، ومحاولات اقناع المواطنين بجدوى العمل السياسي والحزبي، كانت محاولة الهمة التي بدأت بحركية وطنية انفتحت على اسماء وازنة من النخب المغربية، كان جلها يساريا وذا تاريخ نضالي معارض، والتف حول الرجل خلق كثير، لكن رجة أمواج ما سمي بالربيع العربي، استغلتها الحركة الإخوانية التي أحست بخطر المنافسة القوية، ووجهت سهام ورماح مدفعياتها الى الهمة في وقت فارق وخطير. اضطر معها الرجل الى العودة إلى قلاعه. فجاء بروفايل آخر (إلياس العماري) بالرغم عن كل ما وفر له من سند ودعم، وهالة إعلامية مدروسة رافقته، إلا أن لعنة غياب شرعية شعبية حقيقية، أو أي كاريزما ذات مصداقية، جعلت من هذا السيناريو، يفشل كما السيناريوهات السابقة التي راهنت عليه، وعلى أسماء من قبيله لخلق توازن حقيقي، وضبط الساحة السياسية .....
عزيز أخنوش: الخيار الثالث
هل سينجح أغاراس في قطع الطريق على ديكتاتورية الأقلية، وإقناع الشعب الذي لم يقرر بعد بأغلبيته المشاركة في اللعبة السياسية؟
كلنا يعلم أن بنكيران لا يمثل أغلبية الشعب المغربي، فمليون و600 ألف صوت لا تجعله ممثلا شرعيا لهذا الشعب، الذي يجب أن يصوت فيه على الأقل 26 مليون ناخب.. وإن أرقام المقاطعة لا يمكن أبدا، أن تقارن بعدد أصوات الحركة الإخوانية، فبينهما سنوات ضوئية. بل إن الأصوات الملغاة تعادل عدد من صوت على بنكيران.
خطاب المصداقية والمظلومية والأخلاق انتصرت في الأخير من خلال بروفايل بنكيران، على خطاب التصفية والمؤامرات لدى إلياس العماري، وشعبوية شباط ولشكر، وانتهازية بنعبد الله، وتعب تاريخي لخطاب اليسار وعزلة منيب.
الآن ستكون هناك مواجهة ضارية بالتأكيد بين خطاب للمصداقية وأغارس يحمله أخنوش، وخطاب للمصداقية والمظلومية يحمله بنكيران. لأول مرة في هذا الصراع تحدث مواجهة من هذا الحجم، بين رجلين لا يختلف الكثير حول انهما يتوافران على رصيد من النزاهة ونظافة اليد.