السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي:الدولة والمجتمع والحكومة... من يتعاقد مع من ومن يحاسب من ؟

مصطفى المنوزي:الدولة والمجتمع والحكومة... من يتعاقد مع من  ومن يحاسب من ؟

أقترح عليكم أن نقوم بتمرين جماعي ونباشر معا ، وتشاركيا ، تقييم الحصيلة الحكومية والبرلمانية ، من زاوية نقد ثقافة التسوية ، من باب الاعتراف الجماعي بفشل الرهان بصفة إطلاقية على الانتخابات التشريعية على الخصوص ، فالأمر يكاد يكون تعاقدا فعلا ، بين الدولة وبين ما يسمى بالتعبيرات السياسية والفكرية ، من أحزاب وقوى المجتمع المدني الذي في طور التشكل ، غير أن هذا التعاقد إذعاني في جوهره ، فكل المرشحين للتناوب على تدبير الشأن العام واعون بأن الأمر لا يتعلق بتغيير جذري في قواعد اللعب ، فهم لا يتوهمون الحكم بالحلول محل الحاكمين ، فهم مصادقين على الدستور ، وقوانينهم الأساسية تم تحيينها وملاءمتها على وثيرة الهامش المسموح به كمجال للمعارضة ، المعارضة التي لم تعد ضد النظام ، منذ أواسط السبعينيات ، عبر المؤتمرات الاستثنائية التي تم التخلي فيها عن الخيارات المذهبية السابقة ، بل هناك من أحدث قطائع مع الوقائع والمواقع ، وتم استبدال العناوين الاجتماعية وأسماء الهيئات السياسية ، وذلك من باب التكيف مع الهندسة الدستورية الحافظة للتوابث و مقومات النسق السياسي للنظام ، كما يفعل النظام نفسه عندما ، يواجه مطالب التحول بالتكيف ، لذلك فمفهوم المعارضة والأغلبية ، في ظل هذا النسق الذي قبلوا به عن طواعية وحرية الاختيار ، لا يعني سوى أن الاعتراض سيكون على السياسة العمومية التي تقترحها أو تدبرها الحكومة ، أما الأغلبية فهي الفرق البرلمانية التي تساند رئيس الحكومة ومن خلاله التصريح الحكومي الذي يتقدم به ، في إطار مسؤولية تضامنية واقترانية صريحة ، في حين هم واعون أيضا على أنه ينبغي التمييز بين محاسبة حصيلة الحكومة على أساس انتظارات المجتمع المغربي وبين محاسبتها على أساس ما التزمت به في تصريحها أمام البرلمان ، فالانتظارات كثيرة وواضحة وعلى رأسها استكمال الانتقال الديمقراطي ، والذي لم يحصل فيه أي شيء ، رغم أن خطاب تاسع مارس قد رد طيفه إلى سكة جدول الأعمال الوطني ، بفضل الحراك الفبرايري . والتقييم في هذا الصدد يروم مساءلة ماهو ملزم للحكومة وعلى الخصوص كل ما التزمت به ،
أما ما تم الالتزام به ، فهو مفصل في التصريح الحكومي ، والذي هو نتيجة توافقات الفريق الأغلبي ، بما فيه الوزراء غير الحزبيين ، حتى لا نقول السياديين .
فماذا أنجزت الحكومة وأغلبيتها البرلمانية باعتبار دور التشريع والمصادقة عليه ؟
في الردود لا نسمع سوى خطابا يبرر للعجز ، كمن يلتمس من الناخبين تطبيق ظروف التخفيف ، خطاب مكرور يعتمد أمورا ومعطيات كانت معروفة قبل تحمل المسؤولية ، على سبيل المثال أن الحكومة ورثت الدين العمومي والتزامات الدولة مع الخارج ، والوضع الاجتماعي الكارثي ، والحال أنها ورثت مقتضيات دستورية تميز صلاحيات الوزير الأول كرئيس للحكومة وهي واضحة ، ولأن الحديث ، ضمن هذا الخطاب التبريري ، عن حياد الدولة وتحكمها لا يتميز بالنسبية ، مادام أن الحزب كان واعيا بأن للملك ومجلس الوزراء الذي يترأسه ومن خلاله يمارس سلطاته الدستورية ، صلاحيات أكبر من صلاحيات مجلس الحكومة ، بغض النظر عن تنازل رئيس الحكومة عن صلاحياته الدستورية ، وهي حق عام ومجتمعي ، لا يملك فيه حق التنازل ، إذن الحزب الأغلبي ، ومعه مكونات الحكومة قبلوا بما جاء في دفتر التحملات ، ليبقى السؤال لماذا بادرت الحكومة أولا بالمصادقة على قانون حماية العسكر ، قبل أن تصادق على مشروع قانون ما للملك للملك وما لرئيس الحكومة له ؟ وقس على ذلك ؟ ألم يكن يخفي إرادة لفسخ تسوية هيأة الإنصاف والمصالحة ، بشرعنة إفلات الجناة المفترضين من العقاب ؟
فالحزب الذي يترأس أمينه العام الحكومة ، لم يستوعب بعد أن الخريطة ومن هندسها سنح له بهذه الفرصة التاريخية ، مما جعله مترددا وسلوكاته متماهية بين المعارضة والموالاة ، وظل الوزراء يتصرفون كحزبيين ، وحتى لا نغبن الدور الدعوي حقه في التأثير والتأطير ، فعقدة تبادل الثقة أو افتعالها لم تتجه تجاه المجتمع أو المواطنين ، بل كل المجهود صرف في كسب ثقة الملك وفي التماس الهدنة مع الخصوم المفترضين داخل دواليب الدولة حتى يستأنسوا التطبع أو التطبيع ، والحال أن طست الولادة من معدات المطبخ ، فعندما نسمع رئيس الحكومة يصيح ملئ فمه « نادوا على الدولة » ، فهو يقصد ، والدته المجازية ومن خلالها أولئك الذين تعاقد معهم على تحمل مسؤولية تدبير الشأن الحكومي ، شريطة جعل القضايا الحقوقية والمسألة الإجتماعية في ذيل أولوياته ، ولذلك وضعها في أخر المخطط التشريعي ، إضافة كل ما يتعلق بالحكامة الأمنية والسياسة الخارجية ، التي يعتبرها ضمن المجال المحفوظ للملك ، ما عدا الشأن الديني الذي ترك بشأنه الغموض متطاوسا لخلفيات ذات صلة بالحق في الاختلاف ، فقط ، حول الشرعية الدينية.