Saturday 17 May 2025
خارج الحدود

محمد مسعاد: لندن ولعبة القط والفأر مع بروكسل!

محمد مسعاد: لندن ولعبة القط والفأر مع بروكسل!

قضي الأمر ووقع ما لم يكن في الحسبان: البريطانيون يصوتون في استفتاء تاريخي لمغادرة سفينة الاتحاد الأوربي بعد أربعة عقود من الدلال والغنج. يبدو أن لندن في شخص دافيد كاميرون، يريد مواصلة لعبة القط والفأر مع الاتحاد الأوروبي كما قال وزير خارجية اللوكسمبورغ، جان أسيلبورن، عقب اجتماع برلين الذي ضم وزراء خارجية الدول الستة المؤسسة للاتحاد الأوروبي. وكان أسيلبورن يعرف جيدا ما يقول، فلندن طيلة الأربعة عقود الماضية وهي تمارس الابتزاز تجاه بروكسل، وتريد أيضا مواصلته حتى في طريقة مغادرتها لسفينة الاتحاد.

كانت رسالة اجتماع برلين واضحة وقوية مفادها: ضرورة أن يشعر البريطانيون بتبعات قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي: اخترتم الخروج، إذن تحملوا تبعاته ولن تكون هناك تنازلات. هؤلاء يريدون أن يصبح التعامل مستقبلاً مع بريطانيا مثالاً لردع من تراودهم رغبة بالخروج من الاتحاد الأوروبي وأنه لا يوجد تسامح مع "المنشقين"، كما وصفهم رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر. وهذا موقف بشري يمكن فهمه، لكن ضار بالمصالح الذاتية للاتحاد الأوروبي.

يأتي ذلك كله ردا على المواقف الغريبة لدافيد كاميرون عقب ظهور نتائج الاستفتاء. إذ بدل أن يعلن استقالته فورا، صرح أنه سيستقيل في أكتوبر المقبل، وأن الحكومة البريطانية المقبلة ينبغي لها أن تطلب الخروج رسميا من الاتحاد الأوروبي. تصريحات وصفها رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتس بالمخزية. فهذا الأخير لم يتفهم أبدا لم ينبغي تأجيل طلب الخروج إلى الخريف المقبل؟ بل مارس نوعا من الضغط عندما طالب بضرورة تقديم الطلب فورا.

نفس الاتجاه سار فيه وزير خارجية فرنسا جان مارك أيرو مطالبا كاميرون بالاستقالة الفورية وتشكيل حكومة بريطانية جديدة لتسريع عملية الخروج. ولعل السؤال الذي يدور الآن في أروقة المؤسسات الأوروبية، متى ترسل لندن رسميا طلب "بريكسيت"؟ برلين من جانبها، لا تتوقع أن يحصل ذلك قبل الثلاثاء المقبل، تاريخ انعقاد القمة الأوروبية. إذا لا يتوقع رئيس مكتب المستشارية في ألمانيا بيتر ألتماير أن تقدم الحكومة البريطانية طلباً بالخروج من الاتحاد الأوروبي خلال القمة الأوروبية في بروكسل يوم الثلاثاء القادم. وقال ألتماير في "حوار الأسبوع" بإذاعة ألمانيا الذي تم بثه اليوم الأحد (26 يونيو 2016): "ليس لدي إشارة على الإطلاق تفيد بحدوث ذلك، ولكنني أعتقد أن هذا الطلب سوف يتم تقديمه خلال الأسابيع أو الشهور القادمة، ربما بمجرد تولي حكومة جديدة". يُذكر أن رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس حذر الحكومة في لندن من ترك الأمر معلقاً لفترة طويلة، وقال في تصريحات لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية في عددها الصادر اليوم الأحد: "نتوقع أن تقدم الحكومة البريطانية الآن. وتعد القمة المقرر عقدها يوم الثلاثاء القادم الموعد المناسب لذلك". ويرى ألتماير أن القرار يقع في يد الحكومة البريطانية وحدها، مضيفاً أن "هذه المسألة المتعلقة بإذا ما كانت دولة عضو ترغب في الخروج أم لا وتقدم مثل هذا الطلب أم لا وما يتعلق بموعد ذلك يعد أمراً لابد من اتخاذه في الدولة ذاتها". وتابع المسؤول الألماني قائلاً: "يتعين علينا وفقا لرأيي، وفقا لرأيي الشخصي، احترام ذلك". وأضاف رئيس مكتب المستشارية ببرلين أنه يتوقع أن تتشكل حاليا حكومة جديدة في بريطانيا بعد استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، وأنه سوف يتم ترتيب الأمور وربما تقديم هذا الطلب، وشدد على ضرورة انتظار كل هذه الخطوات في هدوء. ويزداد الضغط على لندن من أجل تنفيذ قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي بأقصى سرعة ممكنة. ويدعو البرلمان الأوروبي الحكومة في لندن لإجراء مفاوضات بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي على الفور.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه زونتاغستسايتونغ" الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر اليوم الأحد، تعتزم الكتل البرلمانية الأربعة الكبرى بالبرلمان الأوروبي -كتلة حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيون والليبراليون والخضر- مطالبة رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون بتوضيح رغبة الخروج من الاتحاد خلال لقاء رؤساء دول وحكومات الاتحاد بعد غد الثلاثاء ومن ثم بدء إجراءات الخروج. وجاء في نص مذكرة الجلسة الخاصة للبرلمان الأوروبي، التي حصلت الصحيفة الألمانية على نسخة منها، أن ذلك ضروري "من أجل تجنب حالة الريبة الضارة للجميع وضمان سلامة الاتحاد الأوروبي". وتعتزم الكتل البرلمانية الأربعة "عدم السماح بالاتفاق على أي شكل لعلاقة جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قبل إنهاء اتفاق الخروج".