الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

عبدالحكيم قرمان :خرجات بنكيران وبنعبد الله دليل على بروز "ثقافة حزبية جديدة" قائمة على الانتهازية والوصولية

عبدالحكيم قرمان :خرجات بنكيران وبنعبد الله دليل على بروز "ثقافة حزبية جديدة" قائمة على الانتهازية والوصولية عبد الحكيم قرمان
انكشفت مناورة بنكيران الهادفة إلى نسف الأغلبية؛ وحكومة خلفه العثماني، انتقاما لنفسه؛ بعدما اعفي من رئاسة الحكومة، وأبعد من الأمانة العامة للحزب، و كانت من تبعات الهجوم على قيادات الأغلبية في خرجة " الشوآفة" المعروفة، خلال مؤتمر شبيبته مقاطعة المجلس الحكومي الأخير، من طرف وزراء من حزب التجمع، وهو ما جعل حزب الكتاب في خرجة هو كذلك ينتصب للإنقاذ كمدافع عن هذه الأغلبية من التصدع.
"أنفاس بريس" اتصلت في هذا الاطار بعبد الحكيم قرمان، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاستراكية، والباحث في علم السياسة، وأجرت معه الحوار التالي:
- ماهو السياق العام الذي يصدر فيه البلاغ الأخير، لحزب التقدم والاشتراكية ؟
شكليا، يندرج في إطار البلاغات التي تصدر إثر كل اجتماع للهيئة التي أصدرته "المسماة مكتبا سياسيا". لكن من حيث ما ورد فيه من رسائل وحمولة سياسية دالة في ظرف خاص، يشهد فيه الحقل السياسي عموما مخاضات مرتبطة بفشل حكومة العثماني إلى اليوم في طرح البدائل الجدية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والعبث السياسي الذي باتت "القيادات المخلوعة" بكل من الحزب ألأغلبي ورديفه التكميلي، تمارسه من خلال خرجات هوجاء ومتتالية تروم الضغط على الدولة وقصف فرقاء سياسيين آخرين كحرب استباقية بالنسبة "لشيوخ" جماعة القنديل ممثلين في خرجات مرشدهم المناوئ ابن كيران، وكخدمات 'لتسخين الطرح" بالوكالة يؤديها كل من رئيس وكاتبه العام بحزب الكتاب. وهي وضعية مأزومة تميز الحالة الحزبية على وجه التحديد، كما يتضح ذلك من خلال بروز "ثقافة حزبية جديدة" قائمة على الانتهازية والمتاجرة بالقيم واستثمار مظاهر الحاجة و البؤس في المجتمع بغرض المزايدة وفرض الأمر الواقع والتمكين للجماعة، مدعومة بنوع من "الكائنات الحزبية والحكومية' الوصولية المضللة، والتي تحللت من كل المبادئ والقيم النضالية التقدمية التي ورثتها وزيفت كل البنيات والهياكل التنظيمية المعبرة عن هويتها الإيديولوجية والبرنامجية، لتتحولت إلى "أبواق" دعائية وتبريرية وقحة، غايتها الأساس التكسب والإثراء وتحقيق مصالحها الخاصة والعائلية. ولا شيء يعلو فوق صوت التضليل والتحريض والابتزاز والاسترزاق بالسياسة.
- كيف تقرأ إعلان  رفض الحزب الممارسة السياسية التي تصل إلى عدم الاضطلاع بمهام دستورية، ومن يقصد بذلك؟ أليس هذا من اختصاص رئيس الحكومة ؟
باستقرائنا لما تضمنه البلاغ المذكور من مضامين، خصوصا حينما يعلن "رفض الحزب الممارسة ألسياسية التي تصل إلى عدم الاضطلاع بمهام دستورية" لا بد وأن نقف عند خلاصة مفادها أن من صاغ البلاغ أو من أفتاه من وراء حجاب، يفتقد لأبسط معايير المنطق السياسي ولا يستجيب لأذني مقتضيات الإدراك السيميولوجي والدلالي للمفردات المدبجة كنوع من الإملاء، مما يفيد بأن 'البلاغ" هو في النهاية كلام وعبارات تكثف ردة فعل شخص بعينه، ولا يعكس تفكيرا جمعيا يعبر عن موقف رصين لحزب سياسي مشهود له تاريخيا بالصرامة المنهجية والعقلانية والموضوعية في بلورة وإصدار المواقف والتعبير عنها في بلاغات بليغة في الدلالة، فصيحة في التعبير، واضحة ومبدئية في التفكير.
فلما كان تقاسم وتبادل المنافع والحقائب والمصالح الشخصية والأسرية، على حساب قوت المواطنينن، بين القيادات المخلوعة بكل من حزبي القنديل والكتاب أمر مثبت بالوقائع والمعطيات، كان طبيعيا ولزاما عليهما أن يتقاسما كذلك الأدوار فيما يتعلق بالخرجات الهوجاء التحريضية على كل "غريم سياسي قائم أو مفترض" لهما في القادم من الاستحقاقات. ذلك أن هذه العينة من "القيادات" الشعبوية المضللة والمتاجرة بالقيم، قد استطابت مغانم السبي والصيد والتكسب والالتقاط وذاقت نعيم البذخ على حساب تفقير الشعب وتحقير ذكائه، وهي تريد مواصلة الاستحواذ والاستبلاد من أجل التمكين والسطوة والتحكم في كل مفاصل القرار والتأثير الدولة والمجتمع.
وبناء عليه، نسجل نوعا من السكيزوفرينيا والتناقض التراجيدي في "تمثل" وفهم مستلزمات اللعبة السياسية وخصوصيات الحقل الذي تمارس فيه، وكأن لسان حالهم يقول " إما أن نأخذ حقنا من الصابة أو نحرق الغابة" فحينما يمارس هؤلاء الضغط على جهات في الدولة ويحرضون على "هيئات سياسية" معينة ويصفونها بكل الصفات والنعوت " التماسيح والعفاريت والحزب البئيس والموفود ووو..." يكون ذلك حلالا خالصا" ومن "مقتضيات العمل السياسي والحزبي الطبيعي" وفي سبيل محاربة التحكم؟؟؟ لكن حينما يعبر حزب حليف لهما داخل الحكومة عن استيائه، نظير ما تعرض له زعيمه من إساءة وقصف وقذف ممنهج من لدن "مرشد الإخوان' المخلوع، وبحضور رئيس الحكومة ووزراء حزب القنديل وتحت تصفيقات الحاضرين في المؤتمر الوطني لشبيبة البيجيدي، يصبح حق التعبير عن الإستياء والاحتجاج، وعوض أن يتقدم رئيس الحزب الذي اعتدى أحد أعضائه المتقاعدين على زعيم حزب الحمامة، نفاجأ ونذهل بكون القصف يتجدد من طرف ثالث غير معني بالموضوع أصلا، يعنون ما سمي ببلاغ المكتب السياسي المعين، "برفضه الممارسة ألسياسية التي تصل إلى عدم الاضطلاع بمهام دستورية"؟؟؟؟ وكان من المفروض واللباقة أن يتدخل في حينه، رئيس الحكومة الذي هو في نفس الوقت الأمين العام للحزب، لتصحيح الوضع ورد الامور إلى نصابها، إلا أن سكوته وصمته لحد الآن، يعني من جملة ما يعنيه "السكوت علامة الرضى".
وهذه قمة البؤس والوقاحة السياسية وقبول أداء أدوار وسخة بالوكالة عن "جماعة " أوصلت البلاد إلى حافة الأزمة، لكن بالتأكيد، هناك مقابل، فقد عودتنا الشلة المتحكمة في حزب الكتاب بأنها لا يهمها أي مبدأ أو منطق أو أخلاق وأعراف، بل كل ما يهمها، هو المقابل.
- لكن أليس الحزب مكون من مكونات الأغلبية التي يدافع عنها ؟
أي نعم بالطبع. وهدا هو ما يجعل الأمر أكثر سريالية في المشهد السياسي الراهن. وفي اعتقادي، حينما يمارس كبير المرشدين "بالحزب القنديلي الأغلبي وتوأم روحه في دفة تسيير حزب الكتاب" هذا النوع المنحدر من الخطاب المتناقض والانتهازي الميكيافيلي في حق أحد الأحزاب "المفروض أنه أهم حليف له في الحكومة" لا لشيء سوى لتخوف القنديليين من تنامي تأثير هذا الحزب وقبله حزب الجرار وفي وقت ما حزب الميزان، فهذا يفصح عن المكنون في لا شعور الجماعة الاخوانية الحاكمة، ويبين أنها لا تؤمن لا بتعددية سياسية ولا فكرية ولا هم يحزنون، بل إن "القناعة الثابتة في اللا وعي الجمعي للإخوان، قائمة على مبدأ "نحن وبعدنا الطوفان" وهي نفس الأفكار التي قامت عليها كل الديكتاتوريات وأنظمة الحزب الوحيد.
وبالتالي، فإن ما فاه به نبيل بنعبد الله في ضيافة الفريق البرلماني للبيجيدي من أفكار نرجسية وخطاب شوفيني تجاه كل من لا يوافق هواه من مكونات المجتمع السياسي والمدني ومن فعاليات إعلامية ومفكرين وباحثين وصناع رأي، فهم حسب "ادعائه" يصنفون في خانة التحكم ومسخرين من طرف ال"الدولة العميقة"، وهو نفس الطر والخطاب الشوفيني الإطلاقي التضليلي الذي صرح به قبله رئيس حزب الكتاب في حوارات عدة، وأكده وأعاد بثه ونفث مضامينه "المخلوع بنكيران" أمام شبيبته.
ونحن نستقرأ كل هذه الخرجات والخطابات الشعبوية والتضليلية، يتخيل المرء منا أن هؤلاء الكائنات قد نزلوا من "قمم جبال الثورة والكفاح المسلح" ولهم بتاريخ ثوري ونضالي مرير وقضوا زهرة عمرهم في السجون والمنافي ووووو؟؟؟ لكننا والحمد لله نعرفهم جميعا كيف أوتي بهم إلى الحقل السياسي، ونعرف جيدا أسلافهم خدام المخزن العتيق ونعرف وصوليتهم وحربائيتهم، ونعرف أنهم سلطوا على رقاب المناضلين الشرفاء ليسومونهم سوء التهميش والإقصاء والوأذ بكل الطرق...نعم نعرفهم جيدا ويعرفوننا جيدا، لذلك فمهما حاولوا، إعادة ترميم بكارتهم السياسية، التي لم تكن لهم يوما، فلن ينجحوا في تضليل كل الناس كل الوقت.
- على من يزايد البلاغ إذن عندما يتحدث عن الدعوة إلى عرض برنامج حكومي طموح كفيل بتجديد نفس الإصلاح ؟
إنه في الواقع أمر مضحك ومثير للشفقة، فحينما يريد فاعل حزبي أن يزايد على غريمه أو حتى خصم مفترض له، فمن أبجديات ما تعلمتاه في حلقات النقاش الفكري أيام عز الحركة الطلابية، على المزايد أن يكون ميزان قوته مماثلا أو أقوى من غريمه ويتميز عنه فيما يراد المزايدة به عليه، كأن يكون حزبا محكم البناء ، ديموقاطي التسيير ومؤثرا في التأطير والأداء مثلا. لكن المزايدة "المدفوعة الأجر" تحت الطلب، والتي يحاول نبيل بنعبد الله تصريفها عبر بلاغه يقصد منها التحريض والتهييج وتأليف ولفت أنظار جهات معية في الدولة، كما لو أنه يريد أن يعاتبعا ويذكرها "بضرورة العمل على خلع وزراء حزب الحمامة بنفس المنهجية التي اعتمدت في خلعه وتابعه الحسين الوردي تحت طائلة التقصير في أداء المهام الدستورية" . فظاهريا وسياسيا، ربما هذا هو التلميح الذي أراد مفتي البلاغ إيصاله إلى من يهمهم الأمر. لكن ضمنيا، فهو ينفذ أجندة ولي نعمته - حزب القنديل- ومن سيساعده ماديا وإعلاميا ومعنويا في تثبيت أقدامه في موقع التسيير خلال المؤتمر الوطني العاشر للحزب، أو على الأقل ضمان تمرير وتثبيت من سيختاره أو يختارها، بنفسه لتلك المهمة.
ولعل الدعم المتعدد الأوجه الذي تلقاه " كبير الشيوعيين" خلا ل المؤتمر الوطني التاسع المزور، يغنينا أن تأكيد المؤكد وشرح الواضحات. لذلك، أقول بأنه لا يمكن لمن بيته من زجاج و مساره الحكومي غير مرضي عليه، ومؤتمر حزبه السابق مزور وبالتالي فسيعمد بالتأكيد لتزوير وضع مزور خلال المؤتمر العاشر اللاحق، لذلك أكرر بأنه من باع روحه للشيطان لا يمكنه أن يزايد على أحد فهو ليس ندا للمزايدة أصلا...اللهم إذا كان يزايد على جزء من حاشيته في الخطاب لكي يثبت "جدارته" وربما يستطيع الإيقاع ببعض "السدج" من الطامعين بكونه بطل صامد لم تنهك "قدراته" ولم تنتهك فحولته السياسية؟؟
- اين وصلت الحركة التصحيحية التي تقودونها في وقت يتم التحضير على قدم وساق للمؤتمر المقبل للحزب؟
بالنظر إلى ما شهده حزب الكتاب من هزات وعرفه مؤتمره التاسع من عمليات إفساد وتزييف ومؤامرات خطيرة لما يسمى ب"شلة المكتب السياسي" قادها نبيل بنعبد الله وبمباركة وصمت مريبين لرئيس الحزب إسماعيل العلوي، وما ترتب عن ذلك من قرارات خاطئة وانحرافات فكرية وتنظيمه غير مسبوقة، كان لابد وأن تخلق حراكا بالجمع والتعدد كرد فعل على المجزرة التي اقترفت في حق حزبنا العتيد "حزب رواد الفكر والنضال التقدمي الاشتراكي وطليعة اليسار" حزب عزيز بلال وعبد الله العياشي وعبد السلام بورقية وسيمون ليفي وعلي يعتة وآخرون. ومنذ ذلك الحين انطلقت حركة قادها الرفيق عزيز الدروش ، كما خرج مجموعة من الرفاق والرفيقات في مختلف المستويات التنظيمية والحزبية ورؤساء تنظيمات موازية ومنتخبين وفعاليات محلية وإقليمية للتعبير عن امتعاضهم واستهجانهم وشجبهم لما جرى. وإذا رجعتم إلى تلك المحطة التاريخية وتصفحتم المواقع والحسابات الشخصية للعشرات من الرفيقات والرفاق، ستكتشفون هول المأساة وجسامة وخطورة المخطط ألاستئصالي الذي قاده التحالف العائلي المتحكم في الحزب. وبعد سنوات من الممانعة بشتى الوسائل والطرق من طرف كل هؤلاء الرفاق، يبدو أن مختلف المكونات التي كانت متفرقة في البداية كل حسب رؤيته وقراءته للوضع الحزبي وأفاق الإصلاح، عرفت نضجا مضطردا مع مرور الأيام، بالرغم من الضربات والمؤامرات التي حيكت ضد كل الأصوات الحرة والنزيهة التي رفضت الانخراط في لعبة المصالح والولاءات وشرعنة التزوير، وباتت أكثر فهما وإدراكا لأهمية توحيد الجهود والمشاريع والمبادرات والتنسيق بشكل منظم وفعال والعمل بشكل ممنهج ومتدرج. على كل فهناك جهود كبيرة تبذل من لذن الكثير من الرفيقات والرفاق في أفق بلورة تصور وخطة عمل على المديين القريب والمتوسط. ونترك للقادم من الأيام، ولما ستفرزه التراكمات الكمية نحو تحولات نوعية في خدمة الوطن والحزب والمواطن