Thursday 15 May 2025
كتاب الرأي

ميلود العضراوي:أجراء شركة التبغ .. القضاء الإداري، هو الأمل الأخير

ميلود العضراوي:أجراء شركة التبغ .. القضاء الإداري، هو الأمل الأخير ميلود العضراوي
لا تزال ومنذ أكثر من عشر سنوات،مئات من ملفات أجراء شركة التبغ/ألطاديس، تعرض أمام القضاء في دعوى نزاع شغل على إثر اختلاف بين المتقاعدين وإدارة الشركة حول حقوقهم ومكتسباتهم العمالية وخصوصا اقتطاع نسبة % 24 من راتب المعاش المكتسب بعد أن قامت شركة التبغ بوضع سائر الترتيبات القانونية والمالية لتسوية الإشكال المالي بينها وبين النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد كي لا يتم المساس برواتب المتقاعدين. لكن بعد مغادرة مئات المتقاعدين الشركة عن طريق عملية المغادرة الطوعية تم التخلي بشكل فجائي عن كل الوعود والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها من قبل إدارة الشركة وباقي الأطراف المعنية، مما دفع المتضررين إلى اللجوء إلى القضاء وطيلة هذه المدة لم يجد هؤلاء بوصفهم طرفا ضعيفا في النزاع،أية مساندة من قبل المؤسسات الوصية، بل استفاد الطرف القوي في الدعوى من عدة امتيازات حيث بالغت الدولة المغربية في مساندته تحت ذريعة حماية الاستثمار وتشجيعه، استغلت شركة التبغ المغربية، هذا المعطى واستمرت في هضم حقوق أجرائها ضدا على القانون الذي كان في صفهم على مدى ثلاث مراحل حاسمة للتقاضي، ألا وهي المرحلة الابتدائية والمرحلة الاستئنافية ومرحلة إعادة النظر التي لجئت إليها المدعى عليها،إلى أن تم تحويل مجرى التقاضي في مرحلة النقض، من القضاء الاجتماعي إلى القضاء الإداري، لقد عجزت محكمة النقض وتحت ذهول الجميع على أن تؤيد الأحكام الصادرة وتعطي الحق لأصحابه، حيث أنهت المشوار بمنطوق غريب الشكل والجوهر في قضية واضحة المعالم وبقرائن وحجج استندت إليها الغرفة الاجتماعية لتقول كلمتها في الموضوع.فكان النقض الصادر ضد الأحكام ضربة موجعة إلى المتضررين والعدالة في آن،لأنه كان محاولة يائسة لإغلاق الملف بصفة نهائية،لكن إحالة الدعوى على المحاكم المختصة دفع العارضين إلى طرق أبواب المحكمة الإدارية .
لا ينكر أحد أن القضاء الاجتماعي أنصف المتضررين في كل مراحل الدعوى،ومحكمة النقض كان لها رأي آخر بإصدارها قرارا:"النقض بدون إحالة" وتعليله يقر بالاختصاص النوعي،حيث أحيل ملف إحدى المدعيات على المحكمة الإدارية التي قضت ابتدائيا لصالح العارضة ووفق الطلب. صدور حكم قطعي في أول ملف يعرض على القضاء الإداري لفائدة متضررة من شركة التبغ في قضية اقتطاع نسبة 24 % من رابت المعاش المكتسب،أعاد الأمل إلى مئات المتقاعدين الذين عانوا منذ عقد ونصف من التقاضي في دعوى قضائية غير ملزمة لأن المكاسب التي انتزعت منهم نصت عليها كل الاتفاقيات المبرمة بين ممثلي العمال والمؤسسات المعنية ؛ شركة التبغ والوزارة الوصية والصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد وممثلو الطبقة العاملة.وكان حريا بإدارة الشركة أن تطبق القانون وتقوم بأداء ما بذمتها لقائدة الأجراء الذين غادروا في إطار المخطط الاجتماعي الذي بادرت به سنة 2004 وواصلت برنامجه السنوات اللاحقة، دون اللجوء إلى المحاكم، وفي أقصى الحالات، كان عليها بعد مدة من التقاضي أن تفعل مسطرة الصلح وتنهي الصراع بينها وبين أجرائها.
المتضررون الآن، يعولون على المرحلة الاستئنافية من القضاء الإداري لتأكيد الحكم الابتدائي وإنصافهم وإنهاء معاناتهم المريرة مع الشركة التي هضمت حقوقهم والمحاكم التي اجترت في مدة قياسية من التقاضي بلغت حوالي 14 سنة ملفهم المشروع،غادر خلالها إلى دار البقاء عدد كبير منهم وخلفوا يتامى وأرامل وصعوبات مادية ومعنوية تعيشها أسرهم.
القضاء الإداري المغربي معروف بسرعته وحسن أدائه ومهنيته الكبيرة واستقلاليته،والمتضررون يعولون عليه في أمل أخير لإنصافهم والمؤشرات المرتبطة بالملف وسياقاته القضائية هي في صالح العارضين، تدخل رئيس النيابة العامة وتوجيهه كلمة صريحة في الموضوع وكذا تصريح رئيس محكمة النقض الذي حث قضاة المملكة جميعا على ضرورة التعامل السليم مع ملفات الدعاوى أيا كان نوعها والتعجيل بالنطق بالأحكام في زمن معقول، مشيرا إلى التزام الموضوعية والمهنية والنزاهة في إصدار الأحكام، ومؤكدا كذلك على أنه لن يقبل أي تجاوز أو إخلال، ينتج عنه ضرر مادي أو معنوي .
أمل أخير، لكنه أمل كبير، ومصيره بيد قضاة المحكمة الإدارية الذين يتطلع إليهم أكثر من 950 متضرر من أسرة التبغ، ينتظرون كلمة الحق والإنصاف التي تشفي صدورهم وتعيد البسمة لأطفالهم.