السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن بيريش: نساء المغرب في قفص الاتهام..!!

حسن بيريش: نساء المغرب في قفص الاتهام..!! حسن بيريش
1 - ثقافة إلى الوراء :
التراث الشعبي عين نتفحص بها ما تضمره الذاكرة الجماعية من قيم ثقافية، و ما تعلنه من أنماط اجتماعية.
و كلما كانت العين ماهرة في التقاط خبايا التراث
الشعبي ، واقتناص تمثلاته، يتوسع رهانها في تفكيك آليات الوعي الذي يؤسس لهذا التراث و يمنحه عمقه.
إن التراث الشعبي ابن للماضي، و أب للحاضر:
- الماضي منبع تشكله.
- الحاضر رهان تأثيره .
من هنا فإن أي تطلع إلى الأمام ،لا يتم بغير التفاتة إلى الوراء.
بهذا المعنى التراث الشعبي محكوم بالإقامة في أوردة يومنا.ليس فقط لأنه نتاج أمسنا،وإنما لأنه حقيقة ذواتنا،و صورة حقيقتنا.
وهما معا يتغيران في الظاهر ويحافظان على الجوهر.
2 - سموم التراث :
حين نقارب التراث الشعبي عبر قراءة تتخطى الإتباع إلى الإبداع، نجد أن المعتم فيه يتجاور مع المضيء.ونلاحظ تداخلا ملتبسا بين ما هو قابل للاستمرار في تغذية تمثلاتنا الاجتماعية.وما هو ميت ينبغي أن يدفن في ثرى ما كان،لا أن يعيش فيما سيكون،أو ما هو كائن.
ثمة في تراثنا الشعبي المغربي تصورات و رؤى مقطوعة الصلة بأفق حاضرنا،و آن لها أن ترحل إلى غير رجعة،حتى لا يتسمم و عينا الجماعي ،من جيل إلى آخر.وحتى يستقيم رهاننا في تحقيق تنمية شمولية،لا يكبلها جمود الماضي.
و صورة المرأة في التراث الشعبي، بما تحبل به من أفكار نمطية و دلالات قدحية، في طليعة السموم التي يجب إنقاذ التراث منها..!!
3 -الذهنية الشعبية:
في إقصاء كلي للمرأة،صاغ الرجل المغربي المثل الشعبي و ضمنه كل ترسبات الجهل لينتج لنصفه الثاني صورة تدينه أكثر مما تدينها،و تعريه قبل أن يعريها .
المرأة المغربية في المثل الشعبي تعبر عن عقلية الرجل،وتشي
بدواخله،دون أن تعكس حقيقة المرأة وعمقها.
لقد أراد أن يجعلها نقيضا لكل ما هو جميل، فأصبح هو نفسه النقيض لكل ما هو موضوعي..!!
الصورة القدحية التي رسمها الرجل للمرأة،عبر المثل الشعبي، ما كان بمقدورها أن تحمي تعاقبها عبر الحقب و الأجيال،لولا الوعي الجماعي الذي من شيمته التعميم لا التخصيص.
تغيرت الكثير من التصورات.وحدها صورة المرأة في الذهنية الشعبية لم يطلها أي تغيير يذكر..!!
4 -المرأة المدانة :
تبلغ النظرة إلى المرأة في المثل الشعبي إلى حد يحط من كرامتها الإنسانية، بحيث يستحيل أن يكون من وضع هذه الأمثال معافى من داء الحقد الأعمى للمرأة..!!
إن المرأة - كما يكرسها المثل الشعبي المغربي -عنوان للشرور.و مصدر للفضائح.ومدخل للشقاء.بحيث تنطبع في الذاكرة الجماعية الذكورية باعتبارها نموذجا مدانا من قبل كل الأجيال :
- موت البنات سترة.
- النسا هم لا يتنسا.
- طاعة النسا ندامة .
- كل بلية سببها ولية .
- شاورها لا تعمل بريها .
- زوج لفعات فغار، ولا زوج طفلات فدار .
هذه التمثلات المرتبطة بالمرأة،تصدر عن وعي معطوب.وعن رؤية نمطية.وتكشف عن خلل بين في منظومة القيم..!!
5 - حاضر يتجدد:
تحضر التراتبية الاجتماعية في المثل الشعبي المغربي بشكل فاقع.وتتبدى النظرة العنصرية للمرأة كما لو كانت الخلفية التي أنتجت هذه النماذج من الأمثال المتخلفة:
- يدين الحرة يدام، ويدين الخادم جدام .
- كحلة و منقبة بحال قفل على خربة .
- مولات الدار عمارة و لو كانت حمارة .
- اللي عينو فالعذاب يصحب النسا و لا الكلاب.
هكذا،ومن خلال ألفاظ مقذعة مغموسة في حبر تراتبية عمياء،يكرس المثل الشعبي أشنع صور للمرأة في الماضي.بيد أن الوعي الجماعي يعيد إنتاجها في كل مرحلة عبر محمولات أكثر قسوة و إيغالا في التجريح و التشهير و الإدانة..!!
إن الأفق الذي تتحرك،بل و تنتعش فيه هذه الأمثال، ليس ماضيا بل حاضر يتجدد..!!
6 - الاستمناء الذهني :
لاستكمال مكونات الصورة التي يحرص المثل الشعبي على إلصاقها بالمرأة،يتم توظيف ثيمة الجنس للإساءة المتعمدة للأنثى،عبر إظهارها في صورة شيطان الإغواء.وإضفاء الشبق الشديد على تفكيرها و سلوكها و تحركاتها :
- مشات تجيب القزبر جات حاملة من سبع شهور،كون ما خافت الطلاق كون جات حتى يخلق .
- شافت الضيف طلقت راجلها .
- المرا الخفيفة تستاهل تكتيفة .
- النعاس الكثير مع المرا،كيورث العما .
- هاذي من الغرايب ،المرة مكحلة و الراجل غايب.
- علاش تعكر يا مرات الأعمى؟
في جميع هذه الأمثال ،تختزل المرأة في كونها وعاء جنسيا صرفا.وتدمغ بشتى النعوت القبيحة،لتكريس صورة ترضي الاستمناء الذهني الذكوري،وتضع أمام الأجيال نموذجا يرون من خلاله وهما يتحول إلى حقيقة بالتكرار..!!
7 - إصرار و ترصد :
نفي صفة الوفاء عن طبيعة المرأة، ملمح آخر يدين المثل الشعبي المغربي بالتنقيص من القيمة الإنسانية للنساء،لا عن جهل،بل عن سبق إصرار و ترصد..!!
تجد المرأة نفسها محاصرة بأمثال شعبية صيغت خصيصا لسلبها فضيلة الإخلاص والوفاء.و إدانتها بالغدر ،هكذا على نحو قاطع،تعميمي،شمولي،لا نقض فيه و لا إبرام:
- ما فالشتوا ريح دافي،ما فالنسا عهد وافي.
- يدا فالكصعة، و عينا فصحبو د مول الدار .
- البنات و الزمان غدار .
تكرس هذه الأمثلة الشعبية وضعا دونيا للنساء في سلم القيم الأخلاقية.
وهذا الوضع يتم توارثه و ترديده دون كوابح نقدية.وكأن المرأة / الشيطان من المسلمات اليقينية..!!
ومقابل التشهير بغدر النساء،يثمن المثل الشعبي وفاء الرجال. مما يؤكد أن الوعي الجمعي المغربي يكيل بمكيالين..!!
8 - رؤى غير متزنة:
يوغل المثل الشعبي في تجريح صورة المرأة المغربية إلى درجة الاستهانة بحياتها وموتها: 
- موت المرا بحال دقة المرفق ،آح بردت !
كما يسرف الوعي الذي كان وراء انتشار هذه الرؤى - غير المتزنة - في الانتقاص من القيمة الإنسانية للنساء عبر هذين المثلين:
- اضرب المرا بالبرا.
- اضرب اللوسة تخاف العروسة.
وحضور فعل " الضرب"،وربطه بالخطاب الموجه إلى الرجل في تعامله مع المرأة،يحمل أكثر من دلالة على صعيد الأهداف التي يتغيا المثل الشعبي تمريرها إلى العقول..!!
إن البنية المؤسسة لنصوص هذه الأمثال الشعبية المغربية مشحونة بحمولات تمارس الإقصاء ضد النساء.وتفضح بجلاء العقليات الذكورية المريضة بوهم التفوق..!!
9 - الثأر القديم :
بين المثل الشعبي والمرأة ثأر قديم لا يني يتجدد بتوالي العصور والأجيال..!!
وصورة المرأة في منظومة الأمثال ليست ماضيا انطوى،بل هي متواترة في الحاضر، مشرئبة صوب المستقبل .
بذلك كتب على المرأة أن تتمزق معنويا كلما تصفحت كتب الأمثال الشعبية،و رأت حقيقتها الغائبة في ظل صورة وهمية عابرة للأجيال والأزمان..!!