الخميس 2 مايو 2024
مجتمع

القاضي الجباري: رئيس النيابة العامة يريد الحجر على القضاة

القاضي الجباري: رئيس النيابة العامة يريد الحجر على القضاة الأستاذ عبد الرزاق جباري، عضو نادي قضاة المغرب


أكد الأستاذ عبد الرزاق جباري، عضو نادي قضاة المغرب، أن المنشور الأخير للأستاذ محمد عبد النبوي، رئيس النيابة العامة، والموجه للمسؤولين القضائيين بشأن اشتراط مشاركة قضاة النيابة العامة في الندوات واللقاءات بضرورة الحصول على إذن بذلك من قبل رئاسة النيابة العامة، يعد حجرا على ما جعله المشرع موسعا، وبالتالي يكون مطبوعا بعدم القانونية ولو كان محترما لشرط الكتابة، فضلا عن أنه لا يرتبط بممارسة صلاحيات النيابة العامة ذات الصلة بالدعوى العمومية".

وقال الأستاذ جباري:

"أصدرت رئاسة النيابة العامة منشورا يتضمن تعليمات كتابية لمختلف النيابات العامة بالمغرب، مسؤولين ونوابا، يتلخص في أمرين اثنين:

الأول: عدم تنفيذ أي تعليمات، كتابية أو شفاهية، من أي جهة كانت باستثناء تلك الصادرة عن رئاسة النيابة العامة، طالما أنها غير مؤشر عليها من طرف هذه الأخيرة.

الثاني: عدم حضور أي ندوة أو نشاط أو لقاء علمي دون مرور الدعوة إليه على قناة رئاسة النيابة العامة، أو إخبارها به وبالجهة الداعية له، حتى يتسنى لها الإذن بتلبيته من عدمه.

وجدير بالذكر في صدد الحديث عن تعليمات رئاسة النيابة العامة، أن الفصل 110 من الدستور في فقرته الثانية، قد نص على ما يلي: "يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها".

ونزولا عند هذا المقتضى، نصت المادة 43 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة على ما يلي: "تطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور، يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون، كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها وفق الشروط والكيفيات المحددة في القانون. كما يلتزم قضاة النيابة العامة بالامتثال للأوامر والملاحظات القانونية الصادرة عن رؤسائهم التسلسليين".

ومعلوم أن السلطة التي يتبع لها قضاة النيابة العامة، هي مؤسسة الوكيل العام لمحكمة النقض، وفق ما نصت عليه المادة 25 من ذات القانون، قائلة: "يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورؤسائهم التسلسليين".

ولعل ما يؤخذ من هذه المقتضيات مجتمعة، أمرين اثنين:

أولهما: أن تعليمات رئاسة النيابة العامة الموجهة إلى القضاة التابعين لها، وحتى تكون ملزمة لهم، توجب أن تصطبغ بشرطين اثنين: الكتابية، والقانونية ؛ أي، أن تكون مكتوبة وموافقة للقانون.

ثانيهما: أن شروط وكيفيات إصدار تلك التعليمات والالتزام بها، يحددها القانون. وبالرجوع إلى القانون المنظم لرئاسة النيابة العامة، نجد المادة 2 منه تحدد مناط اختصاصاتها في مراقبة النيابات العامة والإشراف عليها فيما تمارسه من صلاحيات مرتبطة ب"الدعوى العمومية"، إقامة وممارسة ليس إلا.

بيد أن ما قد يجترح في ضوء هذه الشروط من تساؤل، هو: ما مدى احترامها في التعليمات المضمنة بالمنشور موضوع التعليق ؟

لما كانت تلك التعليمات، في شقها الأول المتعلق برفض اي تعليمات صادرة عن غير رئاسة النيابة العامة، أمرا محمودا ويتعين الإشادة والتنويه به، انسجاما مع مبدأ استقلالية النيابة العامة المكرس دستورا وقانونا، فإن إيرادها بصيغة التعميم في الشق الثاني المتعلق بالحضور في الندوات وغيرها من الأنشطة، لا يخلو من نعي ونقد، بالنظر إلى مجانبته للصواب، بل ومخالفته لصريح الدستور والقانون.

وهذا عين ما يستشف من مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 47 من القانون المشار إليه آنفا، حيث أباح المشرع لجميع القضاة، بمن فيهم قضاة النيابة العامة، المشاركة في الندوات والأنشطة العلمية، مع تقييد هذه الإباحة بشرط واحد ذي صبغة بعدية، وهو عدم التأثير على الأداء المهني للقاضي، مع مراعاة لواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، وذلك استصحابا للأصل المؤدى في القاعدة الأصولية القائلة بأن "لا تحريم ولا منع إلا بنص"، إذ عبر عن موقفه قائلا: "يمكن للقاضي المشاركة في الأنشطة والندوات العلمية شريطة أن لا يؤثر ذلك على أدائه المهني، مع مراعاة مقتضيات المادة 37 و44 أعلاه، وتعتبر الآراء التي يدلي بها القاضي المعني بمناسبة هذه المشاركة آراء شخصية، ولا تعتبر معبرة عن أي رأي لجهة رسمية إلا إذا كان مرخصا له بذلك".

فمن خلال هذا المقتضى، وإعمالا لما تقرر في علم الأصول من أن "لا تخصيص لعام إلا بنص"، وهو ما نعدمه في الحالة موضوع النقاش ؛ فإن الأمر بتوقيف مشاركة قضاة النيابة العامة على ضرورة حصول إذن بذلك من قبل رئاسة النيابة العامة، يعد حجرا على ما جعله المشرع موسعا، وبالتالي يكون مطبوعا بعدم القانونية ولو كان محترما لشرط الكتابة، فضلا عن أنه لا يرتبط بممارسة صلاحيات النيابة العامة ذات الصلة بالدعوى العمومية".