الأربعاء 22 مايو 2024
فن وثقافة

بوصوله الدورة 19.. هل بلغ مهرجان "كناوة" بالصويرة مرحلة نضجه أم محطة نهايته؟

 
 
بوصوله الدورة 19.. هل بلغ مهرجان "كناوة" بالصويرة مرحلة نضجه أم محطة نهايته؟

ليس من السهل تحقيق استمرارية مهرجان لمدة 18 دورة متتالية، والدورة 19 تنطلق يوم 12 مايو الجاري، فدلالة ورمزية الأرقام والعدد تتحدث عن نفسها، لكن هل بلغ مهرجان كناوة نضجه أم نهايته؟

هو السؤال الذي يطرح على الأوساط المنظمة والمتتبعة والمستفيدة من المهرجان، وهو السؤال نفسه الذي يقود إلى ضرورة وقفة تقييمية للمهرجان.

 أعترف مسبقا أن التقييم عملية تتطلب منهجية، وإطارا خاصا ، وأدوات، وموضوعية وحياد. لكن هذا لا يمنع  - وفي نفس السياق - من إثارة مجموعة من الملاحظات والتساؤلات المرتبطة بالموضوع، نظرا لما خلفته الدورة 18 من مواقف وردود أفعال وسجال في الصويرة وخارجها، يحاول كل طرف اعتبارها أساسية ومحددة لمستقبل المهرجان بالصويرة، وأيضا في ارتباط عضوي بشروط التنظيم والحيثيات التي عرفها التهييء للدورة 19.

- الصويرة مدينة المهرجان أم هي مدينة على هامش المهرجان؟

 هو السؤال الذي يستمد مشروعيته من وضع  الصويرة كمحطة استقبال لمهرجان يحتلها بالكامل أيام تنظيمه (خصوصا في الدورات العشر الأخيرة)، وهو الاحتلال الذي يجردها من كل إمكانيات الاختلاف مع المهرجان، حتى أنها تصبح رهينة له بفضاءاتها ومؤسساتها وهدوءها، واستشاهاراته  ومستشهريه وإعلاناته وطقوس وسلوك جمهوره ومزاج منظميه. ففي الوقت الذي نظمت الصويرة الدورة الأولى سنة 1998، كان احتضانه وتنظيمه قد تم بشكل سلس يتناسب مع واقع المدينة، وكان ذلك وفق خصوصيات ثقافية منسجمة ومتكاملة، وبخلفيات وتطلعات تنموية متناسبة السرعة والنتائج. لكن الدورات الأخيرة أفرزت خللا في سرعة الإيقاع، والتحول طال حتى الأهداف من المهرجان. فالمهرجان سار في سياق البعد التجاري، وفي مغامرة دمج الهوية الثقافية – الكناوية – في سياقات أخرى وبشكل هجين و غير مؤسس، حتى أن البعض يتحدث عن طمس أو تذويب البعد الثقافي المحلي من خلال المقاربات المعتمدة، مستدلين على ذلك بضعف المنتوج الفني الهجين الناتج عن المزج ” الفيزيون ” الموسيقى بين الكناوي و غيره من الأنماط الموسيقية الموازية..

هي وضعيات وتحولات ومضامين أخرى مضمرة، جعلت مدينة الصويرة  تبدو كملحقة بمهرجان صار يدعي البعض من منظميه أنه هو من عمل على تنميتها وأخرجها من الغياب والسكون إلى العالمية والتنمية. كما تجدر الإشارة، وفي نفس نهج و منهجية التنظيم خلال التهييء للدورة 19، يسجل انفراد شركة نائلة التازي كمديرة ومنتجة  للمهرجان بالتنظيم، مع انسحاب عنصر أساس في المعادلة أي جمعية الصويرة موكادور، التي هيأت وطورت المهرجان في نسخه الثلاث الأولى، كما عملت على تسويقه محليا ووطنيا وعالميا، وإضافة إلى ذلك، عمدت نائلة التازي – مديرة المهرجان - على تسجيله كملكية أدبية وفكرية في اسمها الخاص، مما أثار الكثير من التحفظات حول هذا الموقف و إمكانية تأثيره على مسار المستقبلي المهرجان وأهدافه.

- إشكالية التنمية بالصويرة في علاقة مع المهرجان، فهل مهرجان كناوة ينمي الصويرة بالفعل؟

لا يمكن إنكار هامش الربح التجاري الذي يتحقق عمليا من خلال الرواج الذي تعرفه المدينة إبان المهرجان، رغم عدم تناسب عدد ونوعية المستفيدين الفعليين والزوار المستشهرين والمدعمين وقيمةالاستفادة الحقيقية للمدينة، وغياب الشفافية في التصريح بهوامش الربح والاستفادة المادية واللامادية، وكذا مصير غنائم المهرجان ومجالات صرفها واستثمارها. كما  نشير مبدئيا أن التنمية في بعدها الشامل لا تتحقق بفعل مهرجان كيفما كان حجمه. وواقع حال الصويرة يعلن جهرا أن كل البنيات الثقافية لا تزال ضعيفة وهشة، وأن جلها منعدم أصلا، والمدينة لا زالت تعرف هشاشة اجتماعية واقتصادية وثقافية، مع العلم أن التنمية لا تستقيم في ظل إقصاء محيط المدينة وضواحيها من المبادرات التنموية حتى إذا افترضنا جدلا أن المهرجان مبادرة تنموية فعلية، وهو ما قد يفتقد هذا البعد أساسا. أما الأرقام التي تتحدث عن كون 1 درهم يستثمره المهرجان يولد 17 درهم بالنسبة للمدينة فهي معطيات رقمية تبقى قراءتها مرهونة بزاوية ووجهة نظر معينة وقابلة للاستعمال الإعلامي المحض.

وفي نفس السياق، وفقط خلال الدورة 18 فقد استفاد المهرجان من دعم المجلس البلدي بمليون درهم، والدورة 19 استفادت الشركة بعد دورتين استثنائيتين للمجلس الجماعي من مليون درهم تضخ في حساب المجلس الإقليمي للسياحة من أجل وضعها رهن إشارة الشركة المنظمة، إضافة إلى كازوال الإنارة الخاصة بالمنصات، واستغلال الملك العمومي وفضاءات الإدارة، دون الحديث عن الخدمات اللوجستيكية والأمنية والبيئية المرتبطة به، هذا بدون التطرق لدعم الجهات الرسمية والخاصة الأخرى.

 أما في إطار جمهور المهرجان، وبفرضية اعتباره مستهدفا ومحركا ومستهلكا بالضرورة، فلا نحتاج للكثير من الخبرة للوقوف على أغلبية نوعيته وعدده خلال الدور 18، فالعدد يبقى متواضعا ودون تطلعات الدورة، وبعيدا عن الأرقام المحققة والمعلنة في سنوات الدروة.

أما النوعية والخاصية فهي ظاهرة للعيان، إذ بقيت جحافل الشباب بعد نهاية المهرجان متسولة الأكل وثمن تذكرة سفر بعد أن قضوا ليال بالهواء الطلق، و منهم من قطع الطريق مشيا على الأقدام للوصول إلى مدينة قريبة كمراكش لمواصلة الرحلة الغريبة. فهل بهذا الجمهور يمكن أن نراهن على تنمية موارد المدينة و استمرار المهرجان ؟

مشاكل  تنظيمية طبعت الدورة 18 ، في انتظار الدورة 19..

كانت الدورة 18 قد راهنت على النضج والتحرر، إذ قالت نائلة التازي منتجة ومديرة المهرجان في بلاغ صحفي خاص بالمهرجان ”إن الدورة 18 دورة خاصة بالضرورة، إنها سن النضج والتحرر، وهي أيضا بالنسبة لنا لحظة الانتقال إلى شيء جديد وإلى محطة جديدة لحياتنا …”، فإلى أي حد تحقق هذا الرهان في الجانب التنظيمي على الأقل؟

 والملاحظ أن الدورة أثارت العديد من المواقف والانفعالات وردود الأفعال والانفلاتات التنظيمية. وفيما يلي البعض منها وبدون تعليق  تقريبا:

غاب وزير الثقافة  الممثل الرسمي للحكومة عن الافتتاح الرسمي للمهرجان..

- احتجت أزيد من 46 جمعية و هيئة سياسية و حقوقية على تدبير و تسيير المهرجان وأصدرت بيانا مشتركا في الموضوع وحاولت تنظيم وقفة احتجاجية أمام منصة المهرجان تم التفاوض مع السلطات من أجل إيقافها

 

النجم الأمريكي ” كيني كاريت ” رفض” الفيزيون” مع المعلم بوسو في سابقة أربكت البرمجة.

-  احتج إطار جمعوي خلال منتدى المهرجان على توزيع مجلة ” جون أفريك ” في عدد 2835 الموجه كهدية للمهرجان والذي يورد مادة إعلامية في افتتاحيته مؤثثة بخارطة تفصل الصحراء عن المغرب.

-  حرب حقيقية حول ” البادجات ” (بطاقات الدخول)، إذ أضحت عملة صعبة، ومن يحصل على” البادج ” فهو من المنعم عليه أو عليها.

-  مشاكل تقنية بالجملة (على مستوى الصوت  كمثال فقط ..) بالمنصة الرئيسية  بساحة مولاي الحسن و بمنصة الشاطئ.

فهل سيتم تدارك الأمر خلال الدورة 19؟  وهي المهمة التي تبدو صعبة ، خصوصا بعد تخلي جمعية الصويرة موكادور عل المشاركة في التنظيم ، ليبقى تنظيما أحاديا يراهن على الجانب التجاري والتيقنوقراطي في التدبير، وبزوغ مجموعة من المواقف داخل العديد من الأوساط  الجمعوية والمدنية التي صارت تطالب بإعادة النظر في مسار المهرجان، وشكل، و محتوى، ومنهجية تنظيمه.

وختاما لا بد من التذكير، أن المهرجان يبقى ملكية ومكسبا للمدينة التي استثمرت فيه ماديا و ثقافيا وفنيا ورمزيا. مع الإشارة إلى مشروع و طموح المغرب في تسجيل الثقافة الكناوية ضمن التراث الشفوي والغير مادي بمنظمة اليونسكو.